قالوا في الفنان خالد الجادر

قالوا في الفنان خالد الجادر

إعداد: عراقيون

الفنان شاكر حسن آل سعيد

يقول الفنان شاكر حسن آل سعيد: (من الناحية الأدائية خالد تجربة عمره الفني كأستاذ بارع في وضع السطوح اللونية وواقعيته في ذلك تستند على تجاربه الأولى منذ أربعينيات هذا القرن (العشرين) فهو الى جانب تمسكه بأميته التقنية كمهاره لـ(فنان أكاديمي) يحتفظ بمنشورة اللوني، وهو يمثل هذا الاحتفاظ يظل مخلصا الى تربة حضارته حضارة الرافدين القديمة والإسلامية حيث الألوان نصف البراقة من فضل الشمس البراقة)

جبرا ابراهيم جبرا

يقول جبرا ابراهيم جبرا: (وأذا راح الفنانون يبحثون عن أسلوب يصلهم من ناحية بأرضهم وترابهم ويصلهم في الوقت نفسه بالأساليب المتطورة في العالم، أنصرف خالد الجادر الى بحثه بتكنيك انطباعي يستخدمه في تصوير واقع الناس وواقع الطبيعة لا سيما في الريف، ضربات فرشاة كبيرة وألوان يغلب عليها الأزرق والرمادي يحاول بها النزول بالمرئيات الفسيحة الى خلاصتها الأخيرة المعبرة عن مشاهد فسيحة وهو يراها في حركة يرفض أن يقولها في تكوين معين غير الذي تنتهي اليه سيولة الحركة نفسها في رسومات تلقائية نادرا ما نراه في أعمال الآخرين الذين يورثون سيطرة الشكل المدروس وتبدوهذه التلقائية على اجملها في تخطيطاته السوداء الجياشة بخطوطها العريضة (.

وداد الأورفلي

اما الفنانة القديرة وداد الأورفلي وهي تحكي قصص الأزمنة والأماكن ومحطات الفن في كتابها (سوالف) حيث تقول:

وانا في الكلية سمعت ان هناك مرسما يفتح بعد الظهر في الكلية، يشرف عليه الدكتور خالد الجادر. طبعا فرحت كثيرا لهذا وذهبت الى الدكتور خالد فرحب بي. كنت وقتها أرسم على اسطوانات. جمعت ما عندي من اسطوانات وذهبت بها الى الاستاذ الجادر، وبفرح قدمتها له وانا أقول: أستاذ أنا ارسم. رفع رأسه ونظر الى الاسطوانات، كما نظر إلي نظرة تشاءمت منها. وفجأة رأيته يمسك الاسطوانات الواحدة تلو الاخرى، يكسرها ويرميها في سلة المهملات وأنا مندهشة واقول وهو يواصل التكسير: لماذا يا أستاذ؟ لماذا تكسرها ؟

وعدت الى البيت وانا أبكي وقررت أن لا أذهب للمرسم ابدا. لاحظ والدي عدم ذهابي الى الكلية فبادرني بالسؤال عن سبب ذلك. فقلت له: استاذ الرسم كسر كل لوحاتي. بادرني بالقول: عليك الذهاب الى الكلية غدا والتوجه الى الدكتور خالد والاعتذار منه. قلت محتجة وانا ابكي: لماذا أعتذر له وقد كسر كل أسطواناتي التي تعبت برسمها ؟؟. فقال بحكمته (التي شكلت انعطافا حادا في حياتي): تذكري يا أبنتي (أمشي وراء اللي يبـﭼيك ولا تمشي ورا اللي يضحكك)، ثم اضاف: هذا الرجل يريد لك الخير وسترين صدق قولي لاحقا. بالرغم من ثقل الأمر على نفسي، الا اني التزمت برأي والدي واعتذرت للأستاذ الجادر الذي بادرني بالقول: أين أنت ؟ فكررت الاعتذار له فيما سألني أن كنت قد أشتريت عدة الرسم من أصباغ. فأجبت بنعم فدعاني الى المرسم أنذاك. قال لي بالحرف الواحد: إذا كنت تريدين التقدم، أتبعي خطواتي والتزمي بما أقوله لك وأتركي الرسم بدون توجيه مني.

كنت أراقبه بعناية وهو يرسم ويفسر لنا كل خطوة من الرسم. كان الصف يضم 20 طالبة. والمتميزات بفن الرسم كنا أنا ونعمة محمود حكمت وعذراء العزاوي (وكانت معيدة في الكلية) وناثرة الكتاب. أهتم بنا ورعانا رعاية جيدة. لقد قلب هذا الاستاذ حياتي رأسا على عقب.

وأنا بمرسم الدكتور خالد الجادر في كلية الملكة عالية ببغداد أقامت جمعية الفنانين معرضاً في النادي الاولمبي عام 1956 وشارك فيه العديد من الفنانين. وكنت واحدة منهم، إذ شاركت بلوحتين. وقد أفتتحه جلالة الملك فيصل الثاني الذي منحوه لقب عضو شرف في جمعية الفنانين أذ كان جلالته يدرس الرسم على يد الرائد حافظ الدروبي. ثم أقيم معرض الفن التشكيلي في نادي المنصور عام 1957 وأيضا برعاية جلالة الملك فيصل الثاني وشارك فيه كبار الفنانين من أساتذة معهد الفنون الجميلة منهم فايق حسن وأكرم شكري واسماعيل الشيخلي وعطا صبري وزيد صالح وعيسى حنا والدكتور نوري مصطفى بهجت والدكتور خالد الجادر والدكتور خالد القصاب وغيرهم من الاساتذة الكبار. وطلب الدكتور خالد الجادر من تلاميذه، وانا واحدة منهم، ومعي عذارء العزاوي وناثرة الكتاب ونعمة محمود حكمت، ان نشارك بالمعرض، وبالفعل قدمت 5 لوحات، ولكن اللجنه اختارت لوحتين فقط من كل فنان ورفضت بقية الاعمال

الفنان منير العبيدي

ويستذكر الفنان منير العبيدي بمقال في الذكرى الـ20 لرحيل خالد الجادر بعنوان (من الممكن أن أكون رساما) يقول:

حين زرت المرسم الحر الذي كان تحت إشراف خالد الجادر وألقيت التحية عليه في خريف العام 1969 كانت تلك أول مرة ألتقيه فيها، رويت له اني اعرف أعماله وخصوصا العديد من التخطيطات التي تتصدر الصفحة الأولى من صحيفة 14 تموز فقلل من شأنها قائلا انها تخطيطات سريعة.

سيكون بوسعي لاحقا أن اطلع على نوع آخر من التخطيطات لخالد الجادر ولكنني مع ذلك لا أجد إلا أن أعبر عن إعجابي بتخطيطاته المبسطة التي يستخدم فيها خطا واحدا فقط، على أنني سأعرض بتفصيل لاحق وجهة نظري بتخطيطات خالد الجادر.

قدمت نفسي رساما بعد أن كنت قد حصلت على العديد من المكافئات في الابتدائية والإعدادية فسألني أن اجلب له بعضا من أعمالي كي يراها. في يوم لاحق كنت أزوره ومعي بضعة لوحات كانت أحداها زيتية أعتز بها كثيرا تمثل حياة ساكنة بموضوع عراقيٍ أثير مرتبط بتقليد شاي العصر الذي كان يمثل طقسا عراقيا، لم يكن هذا الطقس يتعلق بمجرد شرب قدح من السائل الداكن والدافئ المحلى بالسكر ولكنه كان علاقة اجتماعية ودفء أسري يعكسان علاقات ذاك الزمان واسترخاء الأسرة العراقية حتى أن شاكر السماوي قد كتب في إحدى قصائده مادحا: “ يا شاي العصر وأطعم.... يا خبز بيت «.

كان المشهد يمثل إبريقا وغلاية وقدح شاي. كنت قد عملت كثيرا على إظهار إلتماعات مادة الألمنيوم للغلاية وإظهار الخزف المزين بالورود لإبريق الشاي كما عملت على محاكاة لون الشاي في القدح الصغير حتى الملعقة الصغيرة المذهبة المغمورة في الشاي وطيات الشرشف. كان الموضوع حميميا وجذابا لكل عراقي لا يلقي بالا، كما سأفهم لاحقا، للتقنيات وتحديثاتها فقد كانت اللوحة مرسومة كليا بروح أكاديمية كنت فيها مفتونا بالمحاكاة.

عدا هذه اللوحة كنت قد جلبت معي مشهدا يمثل نهر ديالى من منظور علوي، وعملا آخر هو لوحة بألوان التيمبرا (أو البوستر) لمنطقة تسمى المنتريس في (بهرز)، ضوء الشمس فيها يسقط من الأعلى مذهبا حافات جدران البيوت الطينية وسطوحها، الدخان بلونه الحليبي المزرق يتصاعد من التنانير حيث تعمل النسوة في تحضير الخبز، والنخيل يؤطر البيوت في يوم ربيعي طري مشمس، هذا الموتيف سأرسمه عدة مرات لاحقة باساليب مختلفة.

أستبعد الجادر لوحة الطبيعة الساكنة التي تمثل تحضير الشاي العراقي دون أن يلقي لها بالا، وانتقل إلى المشهد الذي يمثل نهر ديالى ونصحني أن اقلل من الالوان الحارة والتفاصيل في الجزء البعيد في اللوحة الذي يقارب الافق من اجل تعزيز البعد الثالث واعطاء المشاهد شعورا بالعمق، أما اللوحة الأخرى فرأي أن شجرة جافة غير ضرورية للمشهد، نصحني أن اعمل بهذه التعديلات فورا ثم أضاف: انت من الممكن أن تكون رساما.