أمانة العاصمة في عهد أمينها الاول سنة 1923.. كيف أختير شعار الأمانة ؟

أمانة العاصمة في عهد أمينها الاول سنة 1923.. كيف أختير شعار الأمانة ؟

إسراء عبد المنعم السعدي

جاء تأسيس الأمانة سنة 1923 استجابة لدواعٍ كثيرة، يأتي في مقدمتها تأسيس الحكم الوطني عام 1921، وعودة الضباط والموظفين إلى العراق بعد سقوط الدولة العثمانية والاعتماد على خبراتهم، فضلاً عن التوسع في الحاجة للخدمات بعد الاحتلال. فكان لا بد من الاهتمام بعاصمة البلاد «بغداد» وهي تمثل مركز المملكة، والاهتمام بها يكون على اختلاف الاهتمام ببقية مدن البلاد.

«ونظراً للوظيفة الجديدة التي ظهرت بالعاصمة فقد وجد أن البلديات الثلاث لا تفي بالغرض بتقديم الخدمات، لذلك في عام 1923 وجد لزوم تفريق وظائف البلدية عن الوظائف الإدارية المعهود أمر رؤيتها للمتصرفية».

تقرر فك ارتباط البلديات الثلاث عن لواء بغداد وإلغاء المحافظة التي أصبحت متصرفية ثم أنشئت بلدية موحدة في بغداد أطلق عليها اسم (أمانة العاصمة).

وفي 5 شباط 1923 عرض الأمر على الملك فيصل الأول لأجل التصديق، فصدرت الإرادة الملكية بتعيين أول أمين للعاصمة حل مكان اسم رئيس البلدية وموقعه في جانب الرصافة، على اعتبار أن الرصافة هي مركز البلدية الأولى سابقاً.

ومعاون أمين العاصمة في جانب الرصافة ومعاون في جانب الكرخ موقع البلدية الثانية سابقاً، وعليه تم اختيار صبيح نشأت أول أمين للعاصمة بناء على ترشيح وزير الداخلية.و صبيح نشأت: ولد عام 1883م، وتخرج من المدرسة الحربية في اسطنبول ومنح رتبة ضابط في الجيش العثماني سنة 1901م، وتخرج من كلية الأركان العثمانية عام 1904، وكان برتبة عقيد ركن عند انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918. لم يخدم في الجيش العراقي، تولى مناصب وزارية عديدة في الدولة العراقية، منها الأشغال والمواصلات، وزارة الدفاع، وزارة المالية، ثم عين سفيراً لدى الجمهورية التركية، توفي في اسطنبول في 19 تموز 1929م.

وتم تعيين السيد علي البازركان معاون أمين العاصمة في جانب الرصافة بوصفه كان يشغل منصب رئيس بلدية أول، وتعيين مصطفى أفندي خليل معاون أمين العاصمة في جانب الكرخ لأنه كان يشغل منصب رئيس البلدية الثالثة التي تقع في رأس القرية من جانب الرصافة.

يختلف رؤساء البلديات باختلاف أصناف البلديات المعينين فيها، ولما أصبحت بلدية بغداد تسمى أمانة العاصمة، فإن رئيسها سمي أمين العاصمة ويعين بإرادة ملكية تصدر بناءً على ترشيح وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء.

وفي عام 1923 استبدل رئيس البلدية بأمين للعاصمة، وأصبح اسم رئيس البلدية ملغى، ثم صدر قانون البلديات رقم 84 لسنة 1931 حيث ألغى قانون الولايات العثماني المؤرخ في 27 رمضان 1294هـ 1877م مع جميع الأنظمة والتعليمات والبيانات المختصة بأمور البلدية الصادرة في عهد الحكومة العثمانية أو خلال الفترة التي سبقت تأسيس الحكومة العراقية.

وتولى منصب أمين العاصمة منذ عام 1923 خمسة أمناء حتى عام 1939. وصدور الإرادة الملكية بتعيين السيد صبيح نشأت أول أمين عاصمة بتاريخ 6 شباط 1923، وجاء ترشيحه بإيعاز من رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة السيد عبد المحسن السعدون، وتمت مصادقة مجلس الوزراء على ذلك. وكان صبيح نشأت على صلة بالسعدون ومن المؤيدين لسياسته حين اصطف مع مدرسته السياسية، وكان لهذا أثر فيما بعد في تعيينه وزيراً للدفاع سنة 1925 بعد عزله من منصب أمين العاصمة، واستمر لمدة سنة ونصف في إدارة الأمانة حتى 14 أيلول 1924. وبالاضافة إلى منصب الأمين، كان له الحق بأن يترأس عدة هيئات، فقد ترأس هيئة التفتيش والمجلس الإداري الخاص بالأمانة.

اهتم بموظفي الأمانة الذين لهم اتصال دائم مع المواطنين وإن وظيفتهم لا تقتصر على وقت الدوام الرسمي، بل يمتد عملهم إلى خارج أوقات الدوام الرسمي، وغدا لكل موظف دفتر هوية يحتوي على صورته واسمه ووظيفته تمييزاً لهم عن غيرهم ويمكن استعماله عند الحاجة، وكذلك أستحدث أيضاً ورقة هوية مشابهة للمختارين لأنهم مسؤولون عن أوضاع المحلة وسكانها، وخصص للموظفين ملابس خاصة ذات قماش من نوع الازوردي وحذاء أسود وسدارة من نوع القماش نفسه مع لوحة من المعدن الأصفر مكتوب عليها اسم الموظف والدائرة ونوع الوظيفة.

واقترحت الأمانة إحداث شعار خاصة بها أسوة بعواصم الأمم الراقية. وعرض الأمر على الجمهور لإعطاء رأيهم وسألت الأمانة عدداً مـن الأدباء والمفكرين أن يبعثوا إليها باقتراحاتهم، لكن هذا الأمر لم يأخذ حيز التنفيذ إلا في عام 1936، حيث اتخذت الأمانة في البداية شارة لها على شكل نمر ونهر ونخلة، وذلك لأن النمر يعني في اللغة الانكليزية Tigersهذا الاسم مطابق لاسم نهر دجلة، وهي لفظة شائعة في اللغات الأوربية من أصل كلمة Tigers، وهي ناشئة من كلمة Tig السنسكريتية تعني حادو إن لفظة تيجرا انحرفت على مدى الأيام إلى دجلة، لأن مياه دجلة تنطلق كالسهم من الشمال إلى الجنوب،. ولا يخفى أن العهد الاستعماري كان له تأثيره في اختيار هذا الشعار، واستمر العمل به لمدة خمس عشرة سنة حتى عام 1951م. ولاحظ قسم من المفكرين أن هذه الشارة لا تمت بصلة إلى بغداد لا في حاضرها ولا في ماضيها.

وبعد مداولات بين أمانة العاصمة ومديرية الآثار استقر الرأي على شارة جديدة تجمع في آن واحد ما يرمز إلى الماضي والحاضر، وهي على شكل مدينة تمثل مدينة السلام وهي المدينة المدورة التي بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة 145-147 هــ وفي وسطها قصره المعروف بقصر الذهب. ومسجده وحولها ثلاثة أسوار مدورة الشكل بينها قطائع الأمراء، ودور كبار رجال الدولة وغيرهم، وفي كل سور اربعة أبواب متقابلة، تؤدي إلى أربعة جهات، طريق البصرة وطريق الشام وطريق الكوفة وطريق خراسان، واتخذ في أعلى الشعار ما يشير إلى شروق الشمس، وفي أسفله أرض العراق الخضراء ونهر دجلة الجاري وسط بغداد، واتضح فيما بعد أن الشارة هذه أقرب إلى تمثيل مجد بغداد التاريخي كما أنها قريبة إلى حاضرها.

عن رسالة : تاريخ أمانة العاصمة (بغداد) 1921 - 1939