لماذا يُكفّر سيد القمنى؟

لماذا يُكفّر سيد القمنى؟

عباس بيضون

سيد القمني يتهم بتهمة ازدراء الأديان، وازدراء الأديان جنحة أضيفت إلى القانون 1970، عهد الرئيس السادات، وليس المقصود بالأديان بالطبع سوى دين واحد هو الإسلام، فلم يعرف ان أحداً فى مصر حوكم وعوقب بتهمة الإساءة إلى المسيحية أو ازدرائها.

ثم أن ازدراء الأديان هو التعبير المموّه لكل اختلاف لا مع الدين فحسب ولكن لكل اختلاف مع تفاسير الفقهاء وإضافاتهم، وليس هؤلاء سوى رجال يخطئون ويصيبون. سيد القمني مفكر ذو نزعة انتروبولوجية، وأصحاب هذه النزعة لا يقدمون تراثاً على تراث ولا يستصغرون ثقافة أيا كانت، بما فى ذلك الثقافات البدائية. ليس لتهمه الازدراء إذاً محل. إنها تمويه لخلاف مع المؤسسة الدينية واعتراض على فهم للدين تبناه ودعا إليه فقهاء وشيوخ. هم أيا كان أمرهم ومكانهم، رجال فحسب وليسوا بأي حال معصومين أو مقدسين.

سيد القمني، يحاكم لأنه قال فى محاضرة، إن ما صار إليه الإسلام هو كونه نقل نظاماً قبلياً يتماهى ويذوب فى القبيلة إلى ما يعتبر قبيلة السماء، فبات المسلم يحسب أنه وحده ينتمي لرب السماوات ووحده يملك الجنة ووحده ذو العقيدة الصحيحة ووحده خير الناس وأكرمهم ووحده محبوب الله، وكل ما عداه عدو الله فليس سواه مكلفاً بالسيادة على الأرض وإخضاعها لرب العزة. هكذا يبدو الجمود العقائدي، لكل زمان ومكان، مقدمة فعلية للإرهاب، هذا الكلام على قسوته ليس بدون مقابل وليس بدون نموذج، فمن يتأمل فى «داعش» والمنظمات الإسلامية فى سوريا وغيرها اليوم، يفهم أن الآخر هو العدو وقتله، الجهاد لغة هو الغوص فى أحشائه، قتله فريضة دينية، بل هي الفريضة الكبرى. من يتأمل فى «داعش» وأمثاله من المنظمات لا يشك لحظة بأنه أمام الإرهاب، وانه أمام عقيدة عنوانها العداوة والقتل للآخر، بمن فى ذلك الآخر المسلم، والمختلف، أيا كان، هو العدو وقتله وتصفيته فريضة. حوكم السيد القمنى، وعوقب فى نظام يدعىصص الديموقراطية وينص دستوره عليها، والمحاكمة على ازدراء الأديان، أي مخالفة الإسلام بل مخالفة رجال الدين، أمر لا يتوافق مع الديموقراطية ولا مع الدستور فضلاً عن انه لا يعدو كونه ذريعة وتمويهاً لكل مخالف للمؤسسة الدينية، ولم يعتقل سيد القمني لكلامه فى محاضرته عن قبيلة الله، بل لأنه نبش فى كتب تتبناها المؤسسة الدينية وتتعهدها بالتوزيع بل وتقوم بتدريسها. وفيها من الانتهاك والبيدوفيليه والذكورية ما فيها. يمكننا من هنا أن نفهم سيد القمني حين يقول انه «كافر بالعبودية، كافر بسبي النساء، كافر بوطء الصغيرة، كافر بضرب الزوجات، كافر بتعدد الزوجات، لا بد من فرض العلمانية بالقوة». سيد القمني مختلف مع المؤسسة الدينية خاصة. بالنسبة له ليس الإسلام «كما هو متداول ومتاح فى عالمنا العربي والإسلامي» هذا الإسلام بمصطلحاته الصحراوية الجافة ومفاهيمه المغلقة، كما يصفها سيد القمني فى محاضرته، هو الخطر الحقيقي على العالم. ويذهب بعيداً حين يقول ان التفكير والتكفير فى هذا الإسلام مترادفان، ولأن سيد القمني ذلك المختلف فهو أيضاً العدو، إنه الآخر المزدري كما قذفه الله فى داخلنا، للحقيقة التي وحدنا نملكها. انه الآخر الذي لا يقبل كلامه كما هو، بل يقلب على مئة وجه وتنسب له تفسيرات شتى. وبالطبع لا يكترث أحد بردوده، فقد ظهر فى عناوين الصحف ذات يوم ان سيد القمني يطالب بنقل الكعبة إلى سيناء سعيا لما تغله من أرباح واستثمارات.

لم يبال أحد برد سيد القمني الذي قال إن الكعبة لغة هي المقصد والمعبد، وأن سيناء مركز روحي فهي المكان الذي ظهر فيه الله لموسى فى عليقه مضيئة وأمره بغسل كعبيه، الأمر الذي لم يحدث بالنسبة للكعبة التي يطوف الناس حولها بأحذيتهم. لم يبال أحد برده حين قال إن الكعبة فريضة تعبدية وإن مشروعه سياحي بحت.

وكان أن صدر عن الأزهر نقد لسيد القمني فى كتابه «الحزب الهاشمي» «لقد خرج سيد القمني على كل معالم الشرف والدين حين قال فى أحد كتبه… «إن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) رغم أنفه وأنف من معه» قد وفر لنفسه الأمان المالي بزواجه من السيدة خديجة.. وبالطبع لم يلتفت المهتمون إلى رد سيد القمني الذي أعاد فيه ما ورد فى كتابه وهو غير النص الذي نسب إليه «معلوم ان المصطفى صلى الله عليه وسلم… تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها التي وصفها ابن اسحق بأنها «كانت امرأة ذات شرف ومال».. وفى ذلك يقول الدكتور أحمد إبراهيم الشريف «ثم ان النبي وجد بعد زواجه من خديجة، وهي إحدى النساء الغنيات الشريفات فى مكة نوعاً من الراحة النفسية، فخديجة الغنية بمالها.. كانت أقدر على توفير حياة زوجية هادئة رصينة هيأت لمحمد أن يتخفف من أعباء الحياة».. سيد القمنى الآن يتهم وبتهمة لا نعرف لها مثيلاً وهي ازدراء الديانات. ولسنا نفهم من هذه التهمة إلا أنها لا تجد فى نقد الخطاب الديني على حد صادق جلال العظم، سوى خروج على الأدب وقلة تهذيب. كل من يخالف الخطاب الديني فى شيء يوصف بأنه سفيه ولا نجد غير هذه الصفة له، فالخطاب الديني الذي يتجاوز الدين إلى المشتغلين به، مصون محصن ومن يخرج عن ذلك وقح يجوز تأديبه.

ألسنا فى ذلك نتجاوز قرونا لم يكن فيه الفكر سوى حوار مع الدين، ألسنا نتجاهل إلى ماذا انتهى هذا الحوار، سواء على صعيد المحاورين أو الدين نفسه. ألسنا نغفل عن الديموقراطية التي قد تكون شرط أولياً لمستقبلنا. ألا يعد هذا انتكاساً فى البلد الذي لم يهدأ بعد من انتفاضة مليونية فى سبيل الديمقراطية. ألا نشعر وسيد القمني فى السجن ان هذه الانتفاضة قد تكون ذهبت هباء، وان الإخوان المسلمين يهيمنون ولو من وراء القضبان، وان ليس فى الأمر سوى مباريات فى الرجوع إلى الخلف، ومزايدات فى الرجعية بل والقمع أيضاً.

عن جريدة السفير اللبنانية 2016