مصطفى علي : هكذا دخلت أول حلقة إشتراكية في العراق

مصطفى علي : هكذا دخلت أول حلقة إشتراكية في العراق

خالد غزال

ذكر مصطفى علي “ إن أول ما تعرفت بمحمود احمد السيد وحسين الرحال عن طريق عوني بكر صدقي عام 1920،الذي كان طالباً معي في دار المعلمين الابتدائية ومحمود أحمد كان يزوره في هذا الدار, كنا نلتقي في حفلات المولد النبوي الشريف وعزاء الإمام الحسين(عليه السلام)

التي كانت تقام في الجوامع قبيل ثورة العشرين، بقصد تحريض الشعب على مقاومة الاحتلال البريطاني, فالتقيت حسين الرحال العائد حديثا من ألمانيا وهو مزود علمياً وفكرياً بمبادئ الماركسية.. التي كان يجهل مصطفى علي فكرها العميق،فكان ذلك التعارف نقطة تحول كبير في حياته لأنها وجدت له الحرية في التعبير لقضايا اجتماعية وتفسيرات لها، كانت تدور في ذهنه،والتي لم يجد لها إجابة في قراءته للأديان وخصوصا مشكلات المجتمع العراقي بما فيه الاجتماعية, فوجد في الماركسية التي شرحها له الرحال خير معين لحل تلك المشكلات. في الحقيقة إن أول حلقه شكلها حسين الرحال في بغداد تعود لعام 1922م ,وكان على اطلاع كافي بالفكر الماركسي،فقد عاد حديثا إلى العراق وكان طالبا يدرس في ألمانيا في بدايه الحرب العالمية الأولى، وأصبح شاهداً على ثورة الشيوعيين في ألمانيا ومنهم عصبه سبارتاكوس ،التي فهم على انها ثوره للشيوعيين من العمال،وقد ساعده على فهم تلك الأحداث قربه من منطلق الثورة، بل وله زملاء في الدراسة كانوا مشاركين فيها، أضف إلى إتقانه لغات عده، ساعده على دراسة النظريات الاقتصادية من أصولها الماركسية وفي عام 1921 عاد إلى العراق ليلتف حوله مجموعه من الأصدقاء وكان يقرأ ويترجم لهم من الكتب والمجلات الأجنبية فيستوعبها ويلخصها لهم،وكانوا يناقشون هذه الأفكار ويتحمسون لها ليصبح هذا التجمع من الشباب طليعة التقدميين في العراق.

وقد ألتف حول حسين الرحال مجموعة من الشباب الواعين وكانوا ينحدرون من أحياء بغدادية غالبية سكانها من الكادحين المعروفين،فوجدوا هؤلاء الشباب غايتهم بهذه الرؤى التي طرحها الرحال كحلول لمشكلات مجتمعهم, لكل من مصطفى علي،عبد الله جدوع, سليم فتاح, إبراهيم القزاز. عبد الفتاح إبراهيم,محمود أحمد السيد الذين انتموا للفكر التقدمي,ولقد ازدادت الآلام الطبقية وتطورت حينما طال شبح الحرب العالمية الأولى وضربت بأسواطها ظهور الجياع من الفقراء في المدن و الريف على حد سواء وازدادت مشاعر الحقد على الطبقات الغنية المستفيدة من احتلال إصدارين للعراق،صار معظم هؤلاء الأغنياء من طبقة الملاكين والتجار إلى جانب إصدارين مباشرة.

على الرغم من كون حسين الرحال، يُعدُّ المعلم الأول للفكر الاشتراكي، إلاّ أنه جعل تقدمه علمياً عندما وصف الرحال بأنه يُعدُّ النواة الأولى للمجتمع الثقافي التقدمي في العراق، لكنه لم يقدم للشعب العراقي ما كان يجب أن يقدمه من ترجمة أو تأليف وكان يقرأ المجلات والجرائد الأجنبية فيستوعبها ويلخصها لأصدقائه وسائلية، وأول سماع هؤلاء الشباب بكلمة الشيوعية بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق حسين الرحال، لقد كانت كلمة الاشتراكية وكلمة البلشفية موجودة ومتداولة قبل الرحال ,أما مصطفى علي فيذكر” إن أول معرفة له بالشيوعية،عندما قرأ عدد صفحات جريدة الأمل الصادر عددها الأول في الأول في تشرين الأول 1923”،كان يصادف يوم الاثنين وذلك عن طريق أخبار نشرتها الجريدة في هذا العدد حول إضراب الشيوعيين في ألمانيا وتحركاتهم في أماكن أخرى أصبحت جماعة الرحال أشبه ما تكون حلقة للفكر الماركسي في العراق فأصبحت أول مدرسة ماركسية كرست نشاطها للجانب الأدبي،وكان مصطفى علي أحد أقطاب تلك الجماعة التي كانت أشبه ما تكون بحلقة مساعدين لحسين الرحال وكان أعضاء الحلقة يتصلون بشيخهم في غرفه داخليه في جامع الحيدر خانه في بغداد،مما ساعد على توفير الصومعة في الجامع،الذي أصبح يشبه المنتدى الثقافي، إن أحد أقطاب المجموعة هو محمود احمد السيد،حيث كان والده إماماً للجامع، وكانت الحلقة تشهد طروحات فكرية تقدمية، والمفارقة العجيبة،كانت في تلك الغرفة صورتين .الأولى كانت لكارل ماركس والأخرى للينين، بين هاتين الصورتين علامة خطر الموت(جمجمة وعظمتان متقاطعتان) ، أطلقوا على أنفسهم تسمية ماركسيين، أو أنهم جماعة تدرس أفكاراً جديدة، وكان الرحال يشير إليهم بأنهم(جماعتي) ، وانصب اهتمام هذه الجماعة على تطبيق الفكر الماركسي على أوضاع العراق الاقتصادية والاجتماعية في ظل السيطرة الاستعمارية إصدارة المتمثلة بسلطات الانتداب إصدار في العراق.

اندمج مصطفى علي مع الجماعة بمشاعر المدرك بأن الأفكار التقدمية هي من بناء الوطن، وقد عرف الرجل مقداره فما تخطاه،حصر كتاباته في المقالات الحماسية التي رد بها على أعداء السفور والتقدم، ويذكر احد رواد الاشتراكية عن بدايات معرفته بالاشتراكية، بعد أن انتقلت إلى المتوسطة اتصلت بزميل اسمه رشيد مطلك وهو من محلة قنبر علي وكان في محلتهم مقهى يجتمع فيه شلة من الشباب الماركسي كان من بينهم مصطفى علي وحسين الرحال وكانوا يناقشون قضايا تتحدث عن الشيوعيين والبلشفيك.

لم تكتفِ هذه الجماعة بالبحث عن الحلول الواقعية للمجتمع وما يعانيه من تخلف في ظل الانتداب إصدار،بل رافقه تقريرهم عن الحلقة ونشاطه والوضع العام في العراق إلى لينين عبر بلاد فارس،وقد سافر أحد أعضاء الحلقه وهو(كمال صالح) إلى طهران حاملاً التقرير، وأوصله إلى السفارة السوفيتية هناك،وطبقاً لما ذكره حسين الرحال فان السفارة نصحتهم بالتخلي عن النشاط المستقل والعمل في صفوف الحزب الوطني الذي يتزعمه جعفر أبو التمن، إلاّ أن الحلقة استمرت في اجتماعاتها لمناقشه الأوضاع العامة في البلاد،وما يثار من قضايا اجتماعية واقتصادية عامة أخرى بهدف التوصل إلى وجهه نظر موحده،على الرغم من أنهم لم يتفقوا على اسم معين مسبقاُ، إلاّ أنهم اتخذوا لهم شعارات خاصة استعاروها من حركة الثوار الإيطاليين من أتباع غاريبا لدي،وهو الرب والشعب، كانوا يريدون فيه تحرير الريف مما لحق به من أضرار وشعوذة، والإيمان بالشعب لكنهم ركزوا نشاطاتهم على القضايا الفكرية،ولم يولون الجانب السياسي أي اهتمام خوفاً من ردة الفعل الحكومي لأنهم رأوا أن عليهم أن يعملوا بين الجماهير لتوعيتهم بالأهداف لغرض تحقيقها، كان هاجس البحث عن شكل من أشكال الرابطة المعقدة فيما بينهم تستحوذ على اهتمامهم.

لقد حاولت أن توفق مابين الماركسية وطبيعة المجتمع العراقي المعروف بميوله الدينية والاجتماعية المحافظة وفي ظل التوجهات الجديدة التي بدأت تطرحها جماعة الرحال وردود الفعل العنيفة من قبل القوه المحافظة،لاسيّما بعد ما بدأت تطرحه من قضايا مست جوهر المجتمع منها قضية تحرير المرأة وغيرها من القضايا التي سببت ردود فعل عنيفة، بل وتابعت مديرية التحقيقات الجنائية بتقرير لها عن جماعة الرحال، بأن الشيوعية في العراق كانت في بدايتها فكرة مجرده تجول في أذهان أناس قليلين كانوا من الطبقة المثقفة وقد وصلتهم هذه الفكرة عن طريق شيوعي سوريا ولبنان الذين كانوا يرسلون الكتب والمطبوعات الشيوعية إلى زملائهم في العراق،فأخذوا يرسلونها لغرض دراسة شخصية فقط،ثم يحتفظون بمثل هذه الكتب في مكتباتهم أو يعيرونها إلى أصدقائهم الذين يميلون إلى قراءتها وتفهم مضمونها كتب أحدهم واسمه(بطاطو) إنه شاهد في التحقيقات الجنائية تقريراً عن مجموعة من الماركسيين ومنهم، أحمد السيد حسن الرحال،عوني بكر صدقي، مصطفى علي، ينص هذا التقرير على ظهور أول حلقة من الماركسيين العراقيين حاولوا تأسيس أول منظمة شيوعية ضمت هؤلاء.

عن رسالة ( مصطفى علي ودوره ... )