ناجي السويدي فقيه الدستور العراقي

ناجي السويدي فقيه الدستور العراقي

حميد المطبعي

ناجي السويدي احد رموز التشريع العراقي، وكان قبل ان يضبط بنود الدستور العراقي 1924 قد تلقى فيصل الاول على يديه التفقه بالدستور وبمواده القانونية، وقال للملك المؤسس: (علينا منذ الآن ان نبني عراقا دستوريا، الكل فيه يفكر ويعقل الحياة)، وتدفأ فيصل بكلامه ورد: (اخي: ان الامة اعلى من اسرتي، والوطن اعلى من خصوصياتنا جميعا..) .

ومضى السويدي في اجتهاده القانوني يبني هياكل الدولة الوليدة، هنا يشرع نظاما للدبلوماسية العراقية وهنا بصمة اخرى لبرلمان او مجلس اعيان حتى استحق لقب: (فقيه الاكثرية) على حد تعبير ياسين الهاشمي، الذي وجد فيه ليس خطيب الجميع فقط بل هو الذي ستتحد في افكاره الحرية بالمساواة، والارادة بوعي العصر الحديث!

وعندما اسس نقابة المحامين 1933 خاطب الجمهور القانوني: (نحن في بداية الطريق وان كنا اهل سبق حضاري.. وعلينا ان ننتزع حقوقنا من ايدي الانكليزي شيئا فشيا..) وهتف احد محامي النقابة الجديدة: (بدعم القانون وبدولة حق القانون سندعم استقلالنا) وعلق السويدي على الهتاف: (نعم نعم.. القانون هو قمة الحرية)!

ولشهرته في فكرة الدستورية، وشهرته في بناء قواعد اكثر الدساتير العربية، بمعاونة السنهوري فقيه القانون المصري، منح عضوية في الاكاديمية الدبلوماسية العالمية وعضويات آخر قانونية وسياسية في بلدان اوربية 1930 - 1935.. وعهدئذ اراد الانكليز تعويقه في المجال التشريعي لكنه صاح في وجوههم: (ان مهنتي وطن يتقدم..) ولما احمر وجهه في عام 1941 وضع يده بيد رشيد عالي الكيلاني واسس”حكومة الدفاع الوطني”بداية لطرد آخر قوافل الاحتلال الانكليزي من العراق، لكن الحكومة سقطت في لحظة غادرة وجاء المحتل بقفل عيني ناجي السويدي ونفاه الى روديسيا وهناك في غربته ومنفاه وضؤل جسده الشريف مات شهيدا في اسمى مراتب الشهادة الوطنية! وناجي السويدي (1882 - 1942) كأي رمز له امتداد في التاريخ العراقي له مؤيدون وخصوم فخصومه اخذوا عليه:

1. انه ملكي، وما دام العهد الملكي مدانا، فالسويدي مدان.2. فيه ثنائية - بين الوطنية والانكليزية المستوردة.3. الاكاديمية العراقية لم تحسم هويته الانتمائية، فقد وقفت الموقف القلق ازاء ادواره الوطنية.

اما الوثائق الاجنبية فقد:

1. وصفته الوثائق العثمانية بأنه”يتستر بغطاء العثمانية لتمرير وطنياته السرية».

2. وصفته المس بيل بأنه: (ذكي لكنه مراوغ كالسمكة..

3. وجاء في تقرير بريطاني: (مستقبل ناجي السويدي ينذر بالخطر).

وقد ارتفع في اعين مؤيديه من خلال:

1. قال لفيصل الاول وكان يرأس الوزارة العراقية 1930:”آن الاوان لطرد المستشارين الانكليز في الوزارات العراقية، لكن الملك المؤسس رفض طلبه قائلا:”الزمن مازال زمن الانكليز”.واستقال:”اما انا فلست متفائلا..”.2. نقح كثيرا في نصوص المعاهدة العراقية البريطانية لصالح حقوق العراق، ولذلك تربص بتاريخه الانكليز..3. لم يخضع للاراجيف عندما صرخ في يوم بوجه نوري السعيد:”كفى ذلا فالعراق اقوى من تارخ الانكليز..”.4. لم يدنس يده امام خزينة الدولة، وكان دائما يقول لفيصل الاول واتباعه :”الكفاف هو الوطنية..».

ولد في بغداد ويتصل نسبة بالاسرة العباسية عريقة الجذور، وكان اجداده يتزهدون بجدهم المعتصم بن هارون الرشيد واليه ترجع شجرتهم النسبية.. اما لقب”السويدي”فجاء اليهم عن طريق جدهم الشيخ عبد الله السويدي 1693 - 1761 الذي عرف بتوقيع رسائله وخطاباته باسم”سويد”احد اقاربه من جهة الام، ثم مدّ سويد الى سويدي كايقاع محبب لدى العامة، فحل اللقب الجديد محل اللقب القديم”آل مرعي”وراح الناس ينادونهم باسم آل السويدي الذي نبغ فيهم فقهاء وبلغاء منهم في القديم”عبد الرحمن زين الدين”ومنهم في العراق المعاصر”يوسف السويدي”1853 - 1929 وهو والد ناجي السويدي.. الذي شغل رئاسة مجلس الاعيان 1925 - 1929، وشقيقه”توفيق السويدي”احد رؤساء الوزارات العراقية، فهم بيت اصالة وزعامة وانحياز الى عراق متعدد الاعراق.

بعد تخرجه في المدارس العثمانية ببغداد انتمى الى الدراسة الفقهية على سياق رجال الدين والتقوى، وكان اول درسه على يد العلامة الشهيد محمود شكري الالوسي فأجازه قائلا:”انك راوية ومحدث”وضم في درسه الثاني - فقها ومنطلقا الى مدرسة”الشيخ غلام رسول المولوي”فمنحه اجازة في التفسير.. ثم اخبر والده بان الدروس الفقهية لا تسد رمقه الروحي، وادرك والده مرامي ابنه ناجي فوافق على سفره الى الاستانة لدراسة القانون في حقوق تركيا وتخرج فيها 1905.

ويعد اول عراقي يدرس في تلك الكلية، وكانت الاستانة في زمن دراسته”برميل بارود”وهي تتفجر على صيحات التحرر والانعتاق من قبضة السلطان الاستبدادي عبد الحميد العثماني. وكان السويدي احد احرار العرب مشاركا رفاقه من العرب”عزيز علي المصري”في الغضب على امبراطورية الرجل الهزيل.. ومندمجا مع احرار الترك”توفيق فكرت ونامق كمال”، في الدعوة الى الحرية والتحرر والمساواة، وفي يوم خطب السويدي امام تظاهرة:”تطالب باستقلال العرب».

وفي الاستانة ايضا اسهم بتأسيس الجمعيات العربية مع رفاقه العرب ومنهم شبيب الاسعد وشفيق المؤيد وشكري الحسني وهي الجمعيات التي طالبت باستقلال الولايات العربية نصل وصدقا وجهارا.

وشغل منذ بداياته الاولى مسؤوليات رفيعة لرفعة شخصيته وحصافتها.. فقد تولى القضاء في البصرة وبغداد واليمن، ثم تولى الادارة المركزية في الكاظمية 1911 والنجف 1913 وعمل في الداخلية العثمتانية، لكن العثمانيين حاولوا ايقافه عن الاصلاح فاستقال من وظائفه سنة 1918 والتحق بحكومة دمشق واليا على حلب ومستشارا للملك فيصل.

ورأى في الامير او الملك فيصل بن الحسين المصلح الكبير الذي سيصلح امة العرب، فسانده ودعا الى ولايته على عرش العراق وفي 1921 رأس الوفد الذي استقبل الملك فيصل في البصرة وهو يقول له:”انت ضمانتنا في اقاة الدولة العصرية”وابتسم الملك:”وانتم العراقيون يدي اليمنى”.وفي مخاض التأسيس الاول توقفت علاقة السويدي بفيصل ثم جزرت بعد ان نادي السويدي برفع شعار تقليص الامتيازات البريطانية 1930.

وعلى اعتاب دخول العراق الى الحرية البرلمانية شارك السويدي في صياغة برامج حزبية انتسب اليها ومنها”حزب الامة 1942”بزعامة الشيخ احمد الداود و”حزب التقدم”برئاسة عبد المحسن السعدون 1925.وحزبيته لم تكن تطمح لقيادة اعلى، بل لكي يجعل الاحزاب دستورية في اهدافها، ولكي يرشد الاعضاء الى الحركة الدستورية، وكان وهو في الاستانة يرى في”الحزبية”البيئة التي تنمو على تربتها بذور الهوية الوطنية، هوية الحرية حين تفرض سلطانها القانوني.

وكان قد مارس الوزارة بروح مرجعيته للقانون والحسم فيه لحظات الازمة، اعني انه كان وزير رأي لا وزير استشارة، وزير حرية الرأي والخيار الارادي وليس الوزير المنفذ في ماكنة الدولة، وهكذا هو في كل الوزارات التي انيطت به، ومنها وزارة العدلية والمالية والداخلية، ثم رأس الوزارة 1929 - 1930 وسار بها سيرة صاحب الارادة في تصفية الاستلاب والقهر الاجنبي.ثم مارس النيابة، في البرلمان في ثلاث مراحل 1925 - 1932، وكان صوته فيه يتناغم مع الناشطين في الحركة الوطنية والاستقلالية، وهو يكرر دائما مقولته البرلمانية:”النيابة قيادة وليست زعامة..”.وكان في عام 1925 قدم لفيصل الاول”لائحة قانون لبرلمان حرناجح”هو آذن : المشرّع بدستور والفقيه بروح الدستور ومرجعية القانون باحالة الدستور والقاضي المتفقه بأدب القضاء العربي القديم.

ومن غرائب السويدي انه لم يضع او يطرح مؤلفا في القانون، ولا ترك دراسة قانونية لتلاميذ كلية الحقوق، أذلك ناتج عن فقر في المعلومة؟

ام هو تواضع ابعده عن التأليف او التحقيق او هو شيء آخر؟ أظن انه غير هذا وهذا، انما هو انه كان يخشى ان يقع الخطأ هنا وهنا في تأليفه، ويكتشف الخطأ من قبل خصومه فيندم عليه وهو الذي خاف الزلل في طفولته الدينية، واعاب على الآخرين ان يقعوا في زلة لسان وهفوة عقل واهتزاز رؤية.. كان فاتحة عهد منذ صحا، ومنبر عهد منذ تكون قدرا مبدعا! .