ما جدوى استمرار ارتفاع نسب الفائدة فـي المصارف الاهلية بعد انحسار المخاطر؟

ما جدوى استمرار ارتفاع نسب الفائدة فـي المصارف الاهلية بعد انحسار المخاطر؟

تحقيق/ المدى الاقتصادي
يمثل القطاع المصرفي اهمية كبيرة في الاقتصاد الوطني ، وماتزال المنظومة المصرفية في العراق بشقيها العام والخاص بحاجة الى تغييرات بنيوية ترتقي بالاداء بما يتناسب وطبيعة مرحلة التحول الاقتصادي والاستثمار الاجنبي المتوقع دخوله إلى العراق .

وفي ظل ارتفاع نسب الفائدة في المصارف على الرغم من التحديثات التي اجراها البنك المركزي العراقي تشكلت رؤى لدى المستهلكين والخبراء سنعرض لها من خلال هذا التحقيق .

الإصرار على رفع الفائدة
كثر في الآونة الأخيرة طرح سؤال في الأوساط الاقتصادية مفاده ما السبب في بقاء الارتفاع بسعر الفائدة بعد زوال المخاطر التي كانت تبرر ارتفاع نسب الفائدة ؟
نائب المدير المفوض لمصرف عبر العراق سهيل العباسي قال : كان البنك المركزي يصدر جداول اسعار فائدة كل ستة اشهر و يلزم به المصارف ، و لكن بسبب كثرة المصارف حرر البنك المركزي المصارف وبدأت المنافسة بين المصارف.
و اضاف العباسي : القروض ينبغي ان تكون انتاجية تدعم الدخل القومي في انتاج سلع و خدمات و البنك المركزي اخطأ في استثمار 20% كودائع من المصارف ما دفع المصارف الى العزوف عن الإقراض لأنها وجدت في الافادة من الايداع في البنك المركزي عملية مربحة بشكل سهل و غير قابل للخسارة .
وتابع العباسي: العمل المصرفي يجب ان يكون بذراعين الاول يستقطب العملة في حساب ودائع جارية و توفير ودائع لأجل الإقراض و المصرف يجب ان يستفد من سياسته الاستثمارية و المسألة طبيعية و الفجوة التي تتحدثون عنها بين فائدتي الدائن و المدين موجودة حتى في الخليج .
فيما قال مدير مصرف المنصور: المصارف تعتمد على معدل سعر الفائدة ضمن السياسة النقدية التي يعتمدها البنك المركزي إضافة التكاليف الاستثمارية و ثمة تفاوت من مصرف الى اخر بأحتساب معدلات اسعار الفائدة وفق السياسة الاستثمارية و أوجه الاستثمار المتاحة ، فأسعار الفائدة تتحدد وفق السياسة الاستثمارية التي يعتمدها المصرف إضافة إلى السياسة المالية للبنك المركزي، ففي مصرفنا لم تتغير نسبة الفائدة منذ سنة فنحن نأخذ على الاقراض 10% و عند النظر لنسب الفائدة يجب ان تؤخذ ودائع المواطنين لدى المصارف التي ينبغي الاحتفاظ 20% منها كأحتياطي قانوني لدى البنك المركزي و 80% متاحة للاقراض في المصارف و المصارف تعتمد على السياسة الاستثمارية و الفرص المتاحة امامها و تأمين اموالها ازاء المخاطر لان الفائدة ليست عائداً استثمارياً فقط ، بل تتضمن المخاطر المستقبلية و تحرم من الاستثمار في الافادة من هذه المبالغ الى اثر التسجيل إضافة الى تقلبات أسعار الصرف كلها عوامل تؤدي الى ارتفاع اسعار الفائدة.
اما المستشار في مصرف الشرق الاوسط فاروق صالح الرمضاني تحدث قائلاً : الكلف الادارية في العراق عالية جداً و الاسعار الربحية اكثر من 10% فالرواتب مرتفعة و توجد منافسة غير مشروعة في القطاع الخاص فمصرف يعطي مليوناً و نصف مليون دينار وآخر يعرض مليونين ويوجد طلب متزايد على القروض و يعتبر العراق سوقا فالعراق الان توجد به الكثير من المشاريع الاستثمارية وأضاف: أما مسألة الفائدة على الادخار فتحدد وفق حاجة المصرف من السيولة إضافة الى ثقة الزبائن بالمصرف فمثلاً انا اعطي 4% كنسبة فائدة على القروض بينما مصرف اخر يعطي 7% لكن الزبائن تتجه إلينا لثقتها بالمصرف على حد قوله .
فيما قال مدير الحسابات في مصرف الخليج التجاري يوسف فضيل : ان نسب الفائدة في المصارف تتحدد وفق نسبة الفائدة بودائع المصارف في البنك المركزي لذلك فقد انخفضت نسب الفائدة مؤخراً بسبب انخفاض نسب الفائدة في البنك المركزي الى 4% بعد ان كانت 20% .
المحلل الاقتصادي الدكتور طالب الطباطبائي قال:أن بقاء نسب الفائدة مرتفعة في المصارف الخاصة امر غير مبرر اقتصادياً لان التضخم حالياً تراجع من 50% الى 25% فليس من مبرر اقتصادي لبقاء الاسعار مرتفعة إضافة لمسألة ان البنك المركزي يقبل اموال البنوك كودائع لديه و اصبحت المصارف تلجأ الى الايداع (اوفر نايت) و فق البرنامج الايداعي اليومي لرؤس الاموال المصرفية بفائدة و يشجع المصارف على عدم الاتجاه للاستثمار و المخاطرة كأن يعجز احدهم عن التسديد او ان المقترض ينهار اقتصادياً مما يسبب شللاً في المصارف و البنك المركزي يرى في هذا حماية لاموال الناس لكن يؤثر سلباً و بنتائج مدمرة اقتصادياً في حركة البنك العادي من جهته في الاستثمار و في ظل هذه الحالة عندما ايداعات البنوك تبتعد عن الاقراض و تلجأ لاسلوب (اوفر نايت) و تبريرهم لذلك ان الاقراض تكتنفه مخاطر بحكم أن الامن غير مستتب ، فهذا الاجراء منتقد من قبل البنك المركزي إذ أن الفائدة 15% تشجع البنوك على ايداع اموالها و ان لا تتجه للاستثمار .

بقاء الارتفاع و تعليمات البنك المركزي
تتجه الانظار في الوسط الاقتصادي نحو البنك المركزي الذي ينتظر منه اتخاذ اجراءات لاصلاح النظام المصرفي ، و نحن حملنا القضية لمستشار البنك المركزي الدكتور مظهر محمد صالح الذي حدثنا قائلاً: أن المشكلة كبيرة و نحن حددناها و هي لا تعكس قوة الوساطة في البلاد، بل تعكس ضعفا، فالفائدة في مصارف العالم لا تتجاوز ثلاث نقاط اما في مصارفنا فالفائدة على القروض من 12% الى 18% بينما فائدة الادخار بحدود 6% و في كل الاحوال معدل فارق القائدة بين الدائن و المدين و السبب ان مصارفنا في طبيعتها متحفظة و لا تتحمل مخاطر و هذا عكس العمل المصرفي في العالم و اذا خاطرت فأنها تأخذ فوائد كبيرة بحجج الامن ومخاطر السوق و الظروف السياسية فالحكومة مثلاً حتى الآن غير مشكلة، فالمصارف تكتفي بمصادر الربح الكبيرة و المصارف خالية من الاقراض الذي يقترب على الطبقة المقربة من بعض اصحاب المصارف و لا تعطي قروضاً في العادة ، و الذي يربح من عمليات غير مصرفية لا يسمى مصرفاً و بيع العملات في المزاد ، و بالنسبة لنا كبنك مركزي نعطي حرية مالية لكن هذه الحرية يجب ان تحترم و السوق يجب ان يخضع لضوابط ، و البنك المركزي سيعمل على توجيه المصارف للوساطة المالية الصحيحة و الربح من خلال الائتمان و ليس من خلال عمليات شبه مصرفية ، و سياسات البنك المركزي تقوم على العقلانية و خدمة الاقتصاد الوطني .
أما معاون مدير عام مراقبة الصيرفة و ليد عيدي عبد النبي فقال لنا : كبنك مركزي و في طريق تحرير المصارف اطلقنا حرية المصارف بتحديد الفائدة وفق قوى السوق و التنافس بين المصارف و قد لاحظنا وجود فجوة كبيرة بين حساب الدائن و حساب المدين و الفائدة الدائنة و هي زهاء 6% الى 7% و بلغناهم بمعالجة هذه الفجوة الكبيرة و بعضهم استجاب و البعض الاخر لم يستجب ، ولدينا نظام تقييد المصارف و نحدد مدى تقيد اي مصرف بتعليمات البنك المركزي الذي يؤثر على تقييمه فالملتزم يأخذ درجة اعلى من غير الملتزم لكن انخفاض قيمة الضمان المقدمة تعد عاملاً من عوامل الارتفاع و هو من المخاطر التي تهدد السوق بتعرض المشاريع و المقترضين للمخاطر الامنية فعملية الائتمان و الاسترداد تمثل جزءاً من المخاطر و نأمل ان تنخفض نسب الفائدة بعد التحسن الامني و نأمل في البنك المركزي بعد ما كان العراق طارداً للاموال ان يكون جاذباً للاستثمارات الاجنبية و هذا بدأ يتضح من عقود إدارات المحافظات و الشركات و المشاريع المنفذة في الشمال و الجنوب كما من الملاحظ وجود فروع المصارف الاجنبية التي فتحت في العراق و لدينا طلبات قيد الدراسة و هذه كلها عوامل جذب فعندما تصرف شيئاً يأتيك مقابل له فبلدان الخليج و الاردن مايدخل لها اكثر مما يخرج .

انعكاس الارتفاع على ثقة الجمهور و حجم التعامل المصرفي
زبائن المصارف من مدخرين و مستثمرين تحدثوا لـ (المدى الاقتصادي) عن آرائهم بخصوص نسب الفائدة في المصارف، محمد علي صاحب (48 عاماً) قال: ان التعامل المصرفي يجب ان يكون اكثر سهولة ليتيح فرصاً استثمارية فالمصارف تشترط على القروض ضمانات بأضعاف نسب القروض بالاضافة الى ان معاملات الإقراض لا تتم بذات الانسيابية التي تتم بها معاملات الادخار و فتح الحساب .
فيما قال المواطن كرار : (انا لدي بكلوريوس ادارة و اقتصاد) بناءً على تعاملي مع المصارف الاهلية التي يفرضها طبيعة عملي فالعمل المصرفي في العراق لازال مشوهاً و غير مستكمل لعناصر العمل اذ انهم لا زالوا يتجهون للادخار و التحويل و الصيرفة و يهملون الاقراض الذي يعد بأعتقادي عنصراً مهماً في العمل المصرفي .
فيما قال المواطن علاء مصطفى: أنه كان لديه قطعة ارض يريد ان يبني عليها عمارة تتضمن محالاً تجارية و شققاً سكنية و انه لم يستطع الحصول على قرض من اي المصارف الاهلية إلا بعدما تعرف على احد السماسرة الذي سهل عملية الاقتراض مقابل نسبة 5% من اجمالي مبلغ القرض على حد قوله .
فيما قال ماجد عبد الرضا : انا تاجر اسافر خارج العراق لذلك انا مطلع على عمل المصارف العالمية و عندما اذهب للمصارف الاهلية في العراق يقولون لي اننا لا نمنح قروضاً فتساءل ماذا تعمل تلك المصارف إذاً؟

تعارض السياسة المالية والنقدية
استاذ الادارة و الاقتصاد في الجامعة المستنصرية د. احمد الوزان تحدث لنا قائلاً : ان الارتفاعات و الانخفاضات البسيطة في سعر الفائدة تؤثر بشكل مباشر على عملية الاستثمار و الاقبال على الاستثمار لان المستثمر يجري مقارنة بين ما يحصل عليه من الاستثمار وبين فرصة استثمار المال في البنك في ظل سعر الفائدة السائد فقرار الاستثمار يبنى على اساس المقارنة بين مردود الاستثمار المتوقع و المردود المتحصل من وضع الاموال بالبنك في ظل سعر فائدة معين فتأثير سعر الفائدة في الدول المتقدمة اقتصادياً يؤثر على الاستثمار ، واضاف الوزان : بالنسبة لنا في العراق بسبب عدم الاستقرار و المخاطر الاستثمارية بحكم عملية الانتقال من نمط الاقتصاد الشمولي الى نمط اقتصاد السوق الحر لذلك من الطبيعي ان تكون هذه المرحلة قلقة و مضربة و ادوات السياسة النقدية لا تكون فعالة في تحفيز الاستثمار فالبنك المركزي يستخدم سعر الفائدة و التسهيلات الائتمانية في اطار سياسة انكماشية و الهدف الرئيس للبنك المركزي هو تحقيق استقرار في الاسعار بعكس هدف وزارة المالية المسؤولة عن السياسة المالية التي تسعى دائماً لتوسيع الانفاق بينما البنك يحاول أن يوقف الانفاق الحكومي فثمة تناقض بين من يهدف الى الاستقرار و الاستثمار ، واكد الوزان : ان الحل الحقيقي سيكون بعد ان تستقر عملية التحول الاقتصادي التي نشهدها حالياً و تستقر المؤسسات و التشريعات و يستقر الوضع الامني تصبح عملية الاستثمار خاضعة للسوق و في هذه الحالة سيصبح البنك المركزي مؤثراً و يؤثر سعر الفائدة في الاستثمارات بعد ان تتسق العلاقة بين السياسة المالية التي تبحث عن التوسع و الانفاق الحكومي وبين السياسة النقدية التي تهدف الى الاستقرار بالمستوى العام في الاسعار.