الزواج الثاني لصالح جبر .. حقائق وتداعيات

الزواج الثاني لصالح جبر .. حقائق وتداعيات

د حميد حسون العكيلي
أدى نوري السعيد واجبه المكلف به من قبل الوصي على أحسن ما يرام, عندما حل مجلس النواب، وأجرى انتخابات جديدة، لذا رأى إن مهمته الرئيسة قد انتهت، وسارع إلى تقديم استقالته الى الوصي في 11 آذار 1947، ليمهد الطريق أمام صالح جبر،

الذي كان المرشح الوحيد لخلافته، وقد كلفه الوصي عبد الإله بتشكيل الوزارة في 29 آذار 1947، ليكون أول شيعي يترأس حكومة بعد اربعين وزارة تعاقبت خلال أكثر من عقدين ونصف العقد تقريباً من عمر النظام الملكي في العراق. مع العلم، إن صالح جبر تربطه مصاهرة مع أسرة الشيخ عداي الجريان، والتي اثير حولها الكثير من الجدل, لعل أبرزه ما تحدث به كامل الجادرجي عندما قال هذا الكلام :
«.... والمتصلون بصالح جبر اتصالاً وثيقاً كانوا يعتبرون زواجه الأخير من إحدى بنات الإقطاعيين الكبار بعد حوادث عام 1941، الشيخ عداي الجريان شيخ البوسلطان في الحلة، بداية التحول في حياته الخاصة والعامة، فبينما كان صالح جبر قبل هذا الزواج، مضرب الأمثال في نزاهته كموظف إداري، وانه كان يحمل آراء شبه تقدمية، أصبح بعد هذا الزواج من ذوي المطامح المادية، وقد أخذ صالح اولاً يسند أقارب زوجته، ثم تحول إلى سند للإقطاع نفسه».
وقد اتفق عبد الرزاق الظاهر إلى حداً ما مع رأي الجادرجي عندما قال عن مصاهرة صالح جبر هذا الكلام :
«إن زواج صالح جبر من ابنة عداي الجريان جعله في عِداد الطبقة الحاكمة، التي تعيش في مستوى الأمراء وكبار المتمولين، حين صار من كبار المزارعين في قضاء الصويرة، وله عشرات الالوف من الدونمات والمشاريع الزراعية».
فيما لم يتملك الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، مشاعر حزنه بسبب فقده لأخيه “جعفر” في وثبة كانون الثاني عام 1948، والذي حمّل صالح جبر المسؤولية الكاملة عن مقتله, لنقرأ معاً ماذا كتب الجواهري عن هذا الموضوع تحديداً:
«... وبعدها دارت في مجالس العراق وصالوناته، احاديث عن فضائح تزكم الأنوف، فصالح جبر يسعى إلى أن يزيد مقامه، ويرسخ اقدامه، بأن يتزوج على زوجته الاولى ابنة الإقطاعي الكبير عداي الجريان، المهيمن على أخصب الأراضي الزراعية في الحلة وجوارها من أرض الفرات».
ومن الجدير بالذكر، إن زوجة صالح جبر الاولى قد توفيت عام 1935، وزواجه الثاني قد حصل بعد سبع سنوات، فأين زوجته الأولى، ثم ما هي الرائحة التي تزكم الأنوف، عندما يتزوج الشخص على زوجته وهي على قيد الحياة.
أما صديقه عبد الكريم الازري، فقوّم هذه المصاهرة بهذا الشكل :
«إن صالح جبر يعتبر نشأته في بيئة فقيرة متواضعة منقصة تحتاج إلى تغطية، وإنه حقق هذه التغطية بالمصاهرة مع أبرز شيوخ عشيرة البوسلطان في لواء الحلة، بأن يتزوج من بنت الشيخ عداي الجريان».
وفي الواقع، ان الازري لم يكن موفقاً في تقويم مصاهرة صالح جبر, لأن الأخير قد تم زواجه عام 1942، اي بعد وفاة الشيخ عداي الجريان بسبع سنوات، وحينها لم يكن صالح جبر مجهول المكانة، حتى يقال بأنه استغل هذه المصاهرة وسيلة لتحقيق اغراضه السياسية وطموحاته الشخصية، خصوصاً انه كان قبل هذا الزواج من النخبة السياسية الاولى، التي ارتقت أعلى المواقع في الدولة والعراقية، لاسيما في وزارة الداخلية، التي أصبح وزيرها لخمس مرات.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : هل أثرت مصاهرة صالح جبر مع أسرة عداي الجريان على نزاهته, فإن الأحداث تشير إلى إن الرجل ظل نزيهاً لاسيما عندما وصل به الأمر إلى طرد أخيه رضا جبر من وظيفته، بسبب شبهات تتعلق بالنزاهة, لذا عدّ من الأشخاص العصاميين المكافحين الذي صنع نفسه بنفسهِ، وهو مثال للموظف القدير، النزيه، الحازم، الحاسم في قراراته، لكن شعوره بالضعف أمام الشخصيات الكبيرة في العهد الملكي، دفعه لمصاهرة أسرة عداي الجريان في لواء الحلة، اللواء الذي له ثقله الكبير بحكم قربه من بغداد.
ومهما يكن من أمر، فإن مصاهرة صالح جبر مع أسرة الشيخ عداي الجريان لم تكن يوماً من الأيام سُلماً ليتدرج من خلاله صالح جبر المواقع السياسية، ولم يحقق منها منافع شخصية، لذا فإن الشكوك التي أثيرت حول هذه المصاهرة لا تخرج عن نطاق دائرة التسقيط السياسي حتماً. ولكن يجب أن نؤكد على أن أسرة الشيخ عداي الجريان قد استفادت من هذه المصاهرة كثيراً, حيث بقيت هذه الأسرة محافظة على وجودها في مجلس النواب. أما بالنسبة لـ (صالح جبر)، فنكتفي بالقول، إن اصهاره كانوا الملاذ الآمن له عندما عصفت به رياح السياسة بعد وثبة كانون الثاني 1948، ولم يلجأ لغيرهم للخروج من الأزمة.
ثمة حقيقة تاريخية؛ وهي إن المصاهرات وصلات والقربى أصبحت حجر عثرة أمام بعض الوزراء، فمثلاً عندما تبنى وزير المالية عبد الكريم الازري مشروع توزيع الاراضي الاميرية على الفلاحين، وتطبيق قانون إعمار واستثمار مشروع أراضي الدجيلة عليها، إلا إنه اصطدم بواقع المصاهرة عندما أراد توزيع الاراضي التابعة إلى أصهار وزير الداخلية صالح جبر، شيوخ البوسلطان من آل الجريان. لنقرأ معاً ماذا دوّن لنا الازري في مذكراتهِ عن هذا الموضوع تحديداً :
«إن توزيع الأراضي على الفلاحين سيخلق مشكلة لصالح جبر، مع انسبائه من آل الجريان، شيوخ البوسلطان التي تنتمي إليهم زوجة صالح جبر فضيلة، والذين كانوا سيحقدون عليه لو اقر توزيعها على الفلاحين، وسلبها منهم، لذلك قام صالح جبر وطلب إليّ أن امهله مدة لكي يدبر الامر ... وشعرت بأني قد تسببت في إحراجه وأوقعته في محنة شديدة، وهكذا بقيت قضية الأراضي معلقة في مجلس الوزراء، بانتظار كتاب وزارة الداخليةإلى إن استقالت الحكومة».
عن رسالة : المصاهـرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرهما السياسي في العراق الملكي