بصراحة مع هاشم الرجب عن المقام العراقي وتدوينه

بصراحة مع هاشم الرجب عن المقام العراقي وتدوينه

عادل الهاشمي

أخذت مشكلات المقام العراقي تتسع يوما بعد يوم من خلال مجمل التطورات الاساسية التي تطرا على الفن الموسيقي والغنائي لذلك لم يعد ملائما ان يحتفظ المقام العراقي بزمنية مشادة بوسائل اندرجت ، انما الملائم فعلا ان يتخطى كقواعد نغمية في الغناء – المقام العراقي مقام غنائي وليس مقاما موسيقيا – جميع هذه الوسائل ويتحرك بانفتاح جديد الى مجالات لا تجد من الابداع والتجدد والابتكار.

* وجريا على النهج الثابت الذي عرفت به صفحات قانون من مجلة “الف باء” كان لنا هذا اللقاء مع فنان المقام العراقي – فهما واداء – الحاج هاشم الرجب صاحب المؤلفات العديدة مثل (المقام العراقي) الذي صدر في عام 1961، و(بحث في الابوذية) الذي طبع على نفقة وزارة الاعلام عام 1962 ومؤلف (من الشعر العامي المذيل) عام 1964 ومؤلف (حل رموز كتاب الاغاني عام 1967 ومؤلف (مجموعة ابيات من الابوذية) طبع عام 1949 وغيرها من الكتب المعدة للطبع حاليا.

تدوين المقام

بين الفكرة والتطبيق..

- الى اي مدى يمكن لنا فيه ان نتحرك نحو تدوين المقام العراقي؟

* تدوين المقام العراقي في اطار المفكرة لا يخلو من فائدة كبيرة، ولكن التساؤل الذي يسبق كل اجابة، هو هل يمكننا تدوينه؟ ولكي اكون منصتا لابد لي من التحديث بصراحة ونزاهة علمية.

واجابتي على هذا السؤال ستكون بالنفي ، فنحن لا نستطيع ان ندون المقام العراقي تطبيقيا لسببين، اولهما.. هناك مدارس فنية في قراءة المقام، لعل ابرزها رشيد القندرجي، حجي عباس الشيخلي.. قدو الاندلي.. يوسف حريش.. سلمان موسى.. محمد القبانجي، في الاطار الزمني لهؤلاء يبرز الفرق جليا بين الاوائل الخمسة الذين يعتلون المدرسة التقليدية القديمة الذين يحاذرون بخشية اية اضافات ينقلونها الى البناء الفني للمقام، اما محمد القبانجي فهو يمثل المدرسة الحديثة الجديدة التي حاولت ان تعطي للمقام بعدا جديداً على المستويين التعبيري والادائي، والمسألة التاريخية التي رافقت ظهور القبانجي في قلب الحياة الفنية للمقام اعطت لنا فهما صحيحا لكثير من قراء المقام الذين اعتبروا القبانجي هو رمز الخروج على تقاليد المقام الثابتة في حين ان القبانجي حاول ان يضفي على اداء المقام نزعة جديدة، المهم تعود الى مسألة تدوين المقام.. هذه المسألة والحالة هذه ستصدم بحقبة من قضية الاختيار! من سيقع عليه الاختيار ليكون قاعدة فنية تتلقى عندما الاصوات لكي يدون بموجبات ملامحا المقام!

السبب الثاني، توجد في البناء المعماري للمقام العراقي مناحي فنية متشابهة لا يمكن ان تتوضح في التدوين ، مثلا بدوة القاري، وبدوة المحمودي بيات العجم والمثلوي، القزقز والجبوري.

وواقع الحال ولوجود التقدم التقني في مجال التسجيل، فمسألة تدوين المقام لم تعد معضلة ضرورية!

الاذاعة والتلفزيون.. مدرسة للحفاظ على المقام العراقي..

- ماذا ترى من السبل الكفيلة للحفاظ على الثروة المقامية؟

* للحفاظ على ثروة المقام العراقي.. لابد من تحقيق عنصرين فنيين الاول، الاكثار من عرض غناء المقامات من الاذاعة والتلفزيون.. فهذه مسألة تربي في ذاكرة الناس عظمة هذا الفن ومدى استيعابه الحاذق لالوان الانغام الكثيرة، مع احداث برامج تعليمية لدراسة المقام واصول غنائه عن طريق استقطاب اصوات الهواة الذين يرون في المقام صورة فنية رفيعة ومجالا حيويا لممارسة الفن الحقيقي.. في الماضي كان المقام العراقي يقرأ في المقاهي وهي مدارس عرضه وتتبعه ، وحاليا فالمدرسة الحقيقية للحفاظ على اصوله هي الاذاعة والتلفزيون، هذا من جهة ومن جهة اخرى يبقى معهد الدراسات النغمية هو الرافد الاخر الذي اوكلت له مهمة الحفاظ على هذه الثروة النغمية وهذا يدعو بالضرورة الى ان يكون القائمون عليه هم من قراء القابو دراسية وطالب الدراسات النغمية حتى يتمكن من هذا الفن يجب عليه ان لا يمارس قراءته في الاذاعة والتلفزيون لحين انتهاء دراسته.

الاصوات الحالية

لا تبشر بالجديد العميق

- هل تستطيع الاصوات الفنائية الحالية في المقام العراقي ان تقرب هذا الفن العظيم الى اسماع الجيل الجديد؟

* لا تتجاوز الحقيقة اذا نبهنا الى قدرة الاصوات التي يمكن لها ان تقود هذا الفن النغمي الى اسماع جيلنا الجديد وان تؤثر فيه ، فما زالت المسافة بعيدة بين طموحنا الذي نرتجيه لاصوات المقام وبين واقع الاصوات الحالية المشتغلة في حقله الكبير، ان اخطر ما يتعرض له المقام هو غياب الاصوات العظيمة التي كانت تصدح بهذا الفن الجميل وتحاول ان تضفي عليه من فنون تنويعاتها الكثير من الملامح الدقيقة الاسرة الخلابة.. غير اننا والحالة هذه يجب ان لا تيأس، فما زال في الطريق من بقية.

الصوت النسائي

يصلح للمقام العراقي..

- هل تعتقد ان الحنجرة النسائية قادرة على ان تضيف شيئا الى فن المقام؟

* الصوت النسائي يصلح علميا لقراءة مقامات محدودة مثل بهيرزاري واروقة وشرقي راست ودشتي، غير ان للصوت النسائي مهمة جمالية وحضارية هي دفع المقام العراقي الى امتدادات ارحب في اسماع جيلنا وعصرنا.. ذلك ان الصوت النسائي بما فيه من عذوبة ورقة يضفي على المقامات التي تصلح له مسحة جمالية تقربه وتحببه الى نفوس السامعين، لذلك اني اعتبر نفسي واحداً من الداعيين الى تدعيم الاصوات النسائية المقتدرة في مجال اداء المقام العراقي.

صوتي يؤدي جواب الجواب!

- هل لك، ان تحدثنا عن امكانات صوتك؟ باعتبارك احد الذين اوقفوا حنجرتهم لخدمة هذا الفن؟

* لا اريد ان اطيل في هذا المجال .. كل ما استطيع قوله.. ان في صوتي قرارا قويا.

وله قدرة اداء جواب الجواب، ونحن بدورنا نتحدث عن صوت الحاج هاشم الرجب، ابتداء فان مقاماته الصوتية (الدرجات) خافتة وليست جهيرة عالية، فاننا لا نستطيع ان نتبين امتدادات صوته وملامح فنه الا من خلال الميكرفون، فان الحاج هاشم الرجب لا يصلح ان يكون مطربا قبل عصر الميكرفون، لانه قبل هذا العصر لا يمكن التعامل مع الفن الغنائي الا للاصوات القوية المجلجلة الوهاجة التي اذا غنت استطاعت ان تغطي دائرة واسعة من الاسماع بدون وسيط ميكرفوني يجسم الصوت، وعليه فان صوت هاشم الرجب متعدد الدرجات والمقامت لكنه خافت، لديه قرار عميق وجواب عالي، في صوته جزالة والمقدار اصيل في فن الاداء، يؤدي بفهم واستيعاب وقدرة عالية على هضم قواعد المقام باجادة وتمكن ودراية، يتسع صوت الحاج هاشم الرجب لاكثر من اربعة عشر مقاما سليمة.. وهذه الدرجات تؤهله لاداء جواب الجواب في بعض المقامات كما ان حنجرته تتدبر في طريقة القراءة حيث ترسم ظلالا تعبيرية جميلة ودقيقة تنسجم مع لون المقام ومنبعه النغمي الفياض.

- وعن ارائه باصوات قراء المقام الذين طرحنا اسماءهم عليه واجاب بثقة:

احدد زيدان.. قرار ضعيف وجوابات فاخرة قوية وصوت رخيم.

رشيد القندرجي.. مدرسة في قمة الاداء وصياغته في قراءة المقام تفوق صياغة استاذه احمد زيدان، غير ان صوته اعتيادي.

نجم الشيخلي.. صوته عالي.. ولا يعد مدرسة في غناء المقام.

عباس كبير.. قارئ مقام ممتاز، غير ان صوته في الميانات يجف.

محمد القبانجي.. صوت متكامل وفيه جمال وقوة وقرأ جميع المقامات وامتاز فيها وابدع ، وهو رأس المدرسة الحديثة في قراءة المقام.

يوسف حريش.. صوته فاخر وصياغته لاسلوب القراءة جميلة.. فهو بعد رشيد القندرجي في المقدرة الادائية.

سيد جميل بغدادي.. عالم في المقامات، لكن صوته لا يلائم قراءة المقامات.

سلمان موشي.. وصته جيد واداؤه يقتصر على فن التحارير.

حسن خيوكة.. يجيد البستة والابوذية..

جميل الاعظمي.. قارئ مجيد.

عبد الهادي البياتي.. قارئ حسن، صوته غير مشدود.. واسع الاطلاع في المقام.

يوسف عمر.. احسن قارئ في فن الاداء حاليا..

ويبقى الاجتهاد في العمل على تعميق المفاهيم الفنية وتجديدها للموروثات المقامية هو الانجاز الاكثر ايجابية حيث وتودع فيه فاعلية عصرنا الفائقة الرفيعة، واي عمل فني لابد ان يتواصل ويتصل بروح العصروان يمتلك الجور الى العصر الجديد وذلك باتاحة ما يعرف بالتفتح النغمي واطلاقات حرية الاضافة الايجابية ضمن الاطار القواعدي للمقام العراقي، ذلك لان هذا المقام يعاني حاليا من انصار على مستوى الدعم الاعلامي من اجهزة الاذاعة والتلفزيون.. وتبقى ملاحظة الفنان المؤلف المطلع الحاج هاشم الرجب هي دعوة الى تجديد الصلة بين هذا الموروث العظيم وبين الاجهزة القادرة على حفظه وتجديد صلته بروح العصر، فبغير الدعم الاعلامي تتعرض هذه الثروة النغمية الى الشبان والضياع! ولتبدأ من الان في مهمة تجديد المقام العراقي وتدعيمه!

مجلة الف باء 1984