الفنانة عفيفة إسكندر.. جوانب خفية من حياتها

الفنانة عفيفة إسكندر.. جوانب خفية من حياتها

كمال لطيف سالم

الحديث عن الفنانة القديرة عفيفة اسكندر يعد حديثا ذا شجون لاهمية هذه الفنانة الكبيرة من جهة وصمتها عن الغناء قبل الأوان من جهة اخرى.. عفيفة اسكندر نجمة الغناء العراقي لما يقارب الخمسين عاما قدمت فيها كل ألوان الغناء وعلى نحو جميل مثير...

عفيفة اسكندر صوت ملأ اسماعنا لسنين طويلة.. صوت لونه فريد ورائع يحمل نكهة بغدادية اصيلة.. عذوبته تنساب كماء زلال...وعفيفة فنانة شغلت الناس دهرا طويلا بعذوبة وحلاوة صوتها وفطنتها ودرايتها وتذوقها الموسيقى لكل شيء جميل واصيل وكان احد عشاق فنها الصحفي الرائد الراحل صادق الازدي الذي لازمها لمدة طويلة وعنها يقول: (كنت من سهار الليل.. ومن الطبيعي ان اعشق الصوت الجميل.. وابحث عن الراقصات والرشيقات! ومن الطبيعي ان اتعرف على مونولجست جميلة التقاطيع في صوتها حلاوة، وفي ادائها لمنولوجاتها ما يجعلها اقرب الى القلوب وألصق بالنفوس)!.

و هي صوت غنائي قدم لأسماعنا اجمل الاغنيات واعذب الألحان طوال ما يقارب اربعين عاما واثرها مازال خالدا في الاذهان وذكراها لم تزل نضرة، رغم انها حبست صوتها عن جمهورها بإرادتها وحرمته من نعمة الاستمتاع به لأسباب غير معروفة ولا معقولة، ولا اجافي الحقيقة اذا قلت ان صوتها ما زال مطلوبا, وبحماس شديد من قبل الجمهور، رغم ان التلفزيون والاذاعة تنكرا لهذه الموهبة الكبيرة بفنها وشخصها..

و هي ليست بمطربة عادية، لأن صوتها من الاصوات المثقفة والجميلة ذات النكهة المحببة، وهي اضافة لجمالية صوتها ودورها الكبير في الحركة الفنية كانت ذات تأثير كبير في الحياة السياسية ايضا.

لقد دخلت عفيفة اسكندر عالم الفن وهي في سن الثامنة من عمرها عام 1935، عند ولوجها لعالم الفن الكبير ودهاليزه المتعددة ومسالكه الوعرة.. تزوجت (بإجبار من اهلها) في سن (12) عاما من رجل عازف وفنان قدير عمره يتجاوز (50) عاما التزمها بالفن فضلا عن والدتها التي تدعى (ماريكا دمتري) و هي يونانية الاصل (و كانت عازفة على 5 آلات موسيقية و كانت توبخ عفيفة لانها لا تعزف على اي آلة موسيقية ) وتعمل مطربة في ملهى هلال عندما كان يطلق عليه اسم (ماجستيك) وانشئ بعد احتلال بغداد في منطقة الميدان بباب المعظم، كما هو حال بقية الملاهي التي ظلت تعمل الى عام 1940، وكانت والدتها المشجع الاول

للدخول في عالم الفن (و كانت عفيفة تدرس في مدرسة الطاهرة فخافت عليها والدتها من الطريق فأرسلتها الى الملا فحفظت القرآن و احبت اللغة العربية التي كانت تتقن لفظها بشكل مضبوط و لذلك كانت تختار قصائدها من دواوين الشعراء الكبار) . و اول درس تتعلمه عفيفة في حياتها هو صفعة من امها التي تقول لها :لن تصبحي فنانة حقيقية و عندما تصبحين كذلك تحدثي بالفن

و كانت شابة مغناج في عام 1935، وذكية جدا كما تقول والداتها لها دوما.. والتف حولها شخصيات مهمة وذات مكانة اجتماعية.. وغنت لهم المنولوج لمدة (5-6) دقائق باللغات: التركية والفرنسية والالمانية والانكليزية ويسمونها بالمونولوجست، وعملت مع الفنانة (منيرة الهوزوز) حيث كانت تغني معها مقابل دينارين و كذلك عملت مع الفنانة (فخرية مشتت).. ظهرت لاول مرة على المسرح في ملهى صغير بمدينة اربيل في اواسط الثلاثينيات وكانوا يسمونها (جابركلي) او المسدس سريع الطلقات... اتت هذه التسمية من صفة الغناء الذي ادته غناء سريعا نتيجة لصغر سنها وعدم نضوج صوتها آنذاك.. واول اغنية غنتها في اربيل (زنوبة.. آه من زنوبة عم بتعيط وتنادي خطفها البغدادي آه من زنوبة) غنتها بعمر 8 سنوات الا انها حصلت على نقد لاذع من احد الاشخاص . الا ان شخص آخر صعد الى المسرح و طلب منها غناء (عنتر يا عنتر) لان ابنه يحبها . وغنت في ارقى ملاهي العاصمة بغداد منها ملهى (الجواهري) و(الهلال) و(كباريه عبدالله) و(براديز).. علما ان الملاهي كانت سابقا افضل من النوادي الاجتماعية الموجودة حاليا..

ذكريات فنية

يتحدث الناقد عادل الهاشمي عن ذكرياته الفنية مع صاحبة الصوت الشجي فقال: في العام 1962 اقيمت حفلة كبيرة في كلية العلوم في الاعظمية وكانت المطربة عفيفة اسكندر هي فارسة الحفلة، وكان الجمهور يترقب ظهورها وحين اعتلت خشبة المسرح كانت عاصفة من التصفيق تملأ الاسماع، بدأت تغني ما يطلبه جمهورها من اغنيات لأنها تحترمه كثيرا» فغنت (كلب كلب واحمله احمله ومحصن بله وقيل لي قد تبدلا) وهي من ألحان رضا علي و(يا عاقد الحاجبين) الحان علاء كامل و(تعيش انت وتبقى) لناظم نعيم و(عين كوليلي اشبيج) لاحمد خليل واثناء انتهائها من بعض الاغنيات حدث ان طلب احد الحاضرين اغنية (تكتب يا قلم) ولأنها لا ترفض اي طلب لجمهورها فقد لبت طلب هذا المستمع لكن المشكلة حصلت عندما تعذر على الفرقة الموسيقية ان تعزف اللحن وهو لحن قديم جدا «فحصل نوع من التفاوت بين اداء الفرقة وصوت المطربة ومع ذلك اصرت على ان تؤدي الاغنية كاملة رغم تخلف الفرقة عن اداء مقاطع اللحن، واذكر ان الفرقة كانت تتكون حينها من الفنانين خضير الشبلي (آلة القانون) وخزعل فاضل (على الجلو) وكريم بدر (على الكمان) وكريكور (على الناي).

وفي حفلة اخرى كانت تغني اغنية (اي والله على عنادك) من ألحان الفنان عباس جميل وهي اغنية جميلة تعتمد على قالب شعبي وفيها لازمة موسيقية سريعة الحفظ في نهاية عقد الستينات, وقد اثارت الاغنية اعجاب الجمهور الى الحد الذي اجبر المطربة عفيفة على ان تعيد مقاطع الاغنية مرات عدة ثم انتقلت الى اغنية اخرى وما ان انتهت منها حتى عاد الجمهور الى طلب اغنية (على عنادك) مرة ثانية، ولبت طلبهم لكن دون ان تكمل الاغنية بأكملها.

مناظرات شعرية وفنية وسياسية

اما بخصوص الجانب السياسي في حياة المطربة عفيفة اسكندر فقال الناقد الهاشمي: «عرف عنها التزامها الشديد بالنظام الملكي واحتفالها المتواصل برجالاته وكانت تمتلك علاقات خاصة ومميزة برئيس الوزراء نوري سعيد الذي كان من اشد المعجبين بصوتها واناقتها! وسجلت بصوتها مشاركتها في اغلب الاحداث السياسية التي حدثت في العهد الملكي، لأنها انطلقت بموقعها هذا من ايمان بأن هذا العهد يعمل جاهدا من اجل ترضية الاطراف والتشكيلات السياسية آنذاك».

ولأنها مطربة مثقفة ومحبة للشعر وتواقة للأدب كان مجلسها (الذي يوجد في منزلها الواقع في منطقة المسبح في الكرادة )، و هو يضم ابرز رجالات السياسة والادب والفن والثقافة في البلاد.. لا يخلو من المناظرات السياسية والشعرية والفنية والادبية حيث كان يضم كبار الادباء والسياسيين والفنانين منهم نوري السعيد وابنه صباح والوصي عبدالإله وتوفيق السويدي وسعيد قزاز وخليل كنة وفائق السامرائي عضو حزب الاستقلال وعضو مجلس الامة، والنائب حطاب الخضيري، واكرم احمد وحسين مردان وجعفر الخليلي وابراهيم علي والمحامي عباس البغدادي وخصوصا العلامة الدكتور مصطفى جواد مولعا بفنها وجمالها كان يحضر الى مجلسها باستمرار ويصحبها كثيرا ويقبل يدها في نهاية كل اغنية فضلا عن الفنانين حقي الشبلي وعبدالله العزاوي ومحمود شوكة وصادق الازدي والمصور آمري سليم والمصور الراحل حازم باك.. واسماء كثيرة اخرى

أول مطربة تغني القصيدة

والمطربة عفيفة تعتبر نتيجة لكثرة مطالعاتها للشعر اول مطربة عراقية غنت الشعر وقدمت ما يقارب 60 قصيدة ولم يعرف عن مطربة عراقية اخرى غنت هذا العدد الكبير من القصائد، لا سيما وان غناء القصيدة في الغناء العراقي يكاد يكون محدودا جدا، وقد غنت لأساطين الشعراء مثل سناء الملك والبهاء زهير والشيخ علي الشرقي وطبقة الشعراء المحدثين.

و اول اغنية لعفيفة اسكندر فيقول الهاشمي: «حسب معلوماتي ان اول اغنية سجلتها للإذاعة العام 1937 هي (برهم يا برهوم يا بو الجديلة عذبت حالي وايدك طويلة) ثم اعقبتها بأغنيتها الثانية (زنوبة) بعدها اتجهت في الغناء الى قطبي التلحين العراقي (صالح الكويتي وداود الكويتي) واشتهرت بسرعة بسبب رصانة صوتها وعذوبته ووقفت بسرعة بمصاف اشهر مطربات ذلك العصر كزكية جورج وسليمة مراد وسلطانة يوسف وصديقة الملاية وزهور حسين.

مطربة العراق الاولى

سافرت الفنانة عفيفة اسكندر الى خارج العراق كثيرا واحيت العشرات من الحفلات الغنائية في اميركا واوروبا ومصر ولبنان وسوريا والاردن، ولكثرة حفلاتها وحلاوة صوتها وعذوبته فقد لقبتها الصحافة العربية بألقاب عدة وقالت المجلات اللبنانية عنها مطربة العراق الاولى.

ـ و قد عملت لمدة طويلة مع فرقة (بديعة مصابني) في مصر وهي اشهر راقصة وممثلة مصرية في الاربعينيات.. وكذلك عملت مع فرقة تحية كاريوكا.. وابرز مشاركاتها العربية هي التمثيل في فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الراحل الكبير محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة وغنت فيه لكن لسوء الحظ لم تظهر الاغنية عند عرض الفيلم بسبب المخرج الذي حذفها لطول مدة العرض التي تجاوزت الساعتين.. ومثلت في افلام اخرى بلبنان وسوريا ومصر منها القاهرة ـ بغداد

جانب خفي في حياتها

ويواصل الناقد الهاشمي حديثه فيقول: «الى جانب وجاهتها ودورها المعروف هناك جانب خفي من حياتها الخاصة قد لا يعرفه الكثير، اذ انها كانت وراء الكثير من حملة الشهادات والكفاءات فقد تابعت دراستهم بالتعضيد المادي المباشر، بل ان كثيرا من العوائل كانت تلجأ الى عفيفة اسكندر لمساعدتها وهي تستجيب لهذا الجانب الانساني، ولم يعرف عنها انها تخلت عن احد المحتاجين ممن طلب مساعدتها وكانت تطلب منهم عدم ذكر اسمها وراء ذلك، لأن هذا عمل لله وحده.

تقييم صوتها

يذكر الاستاذ عادل الهاشمي عن تقييمه لصوت عفيفة فيقول: «عفيفة تستثير فضول الذاكرة الفنية لأصول الغناء دون ان تزودها بأي تفسير نفسي ومعرفي، ففي هذا المحيط الفني يجول المغني وتتفحص الاذواق لذلك بقيت طريقة عفيفة اسكندر في الغناء تحمل نزوعا نحو التعلق الشديد او الرفض الشديد، اذ انتقلت حنجرتها الفنية بين الغناء البدوي والغناء الحضري باقتدار وتمكن عجيبين، وبكثير من دواعي الانشاد الحر غير المقيد، وعفيفة تستحضر قواها الصوتية في ابراز الاسلوبية التي طبعت غناءها فهي تمتلك حضورا مع تنوعات محدودة، وتقيد صوتها بإعداد صارم بل تغني بلهجة عراقية مصحوبة باحتياطات حجازية تارة وخليجية تارة اخرى مع اشهار التأثرات البارزة في الغناء المصري، وسر صوتها ينبئ عن دخول انتصار في مجال الغناء، وفنها الادائي توفر على خاصيتين اساسيتين هما العبور الى الاسماع والاستيطان في الذاكرة وهذا في حد ذاته يعكس تألقا للغناء العراقي، وهو تألق يأتي على اية حال من كونه يتحدر من نوع بيئوي عراقي صميمي.

احداث و قضايا في حياة المطربة

أ) تحت تهديد السلاح

تميزت حقبة الثلاثينات بانها حفلت باحداث جسيمة مثل دخول العراق الى عصبة الامم ثم وقوع انقلاب بكر صدقي ضد وزارة طه الهاشمي واستيزار حكمت سليمان,,, وحصل في تلك الايام ايضا ان منتديات وملاهي بغداد عرفت المطربة الحسناء عفيفة اسكندر واشتهرت في تلك الاوساط وتردد اسمها بين كبار مسؤولي ذلك العهد وفي مقدمتهم علي الحجازي مدير الشرطة العام وهو ضابط من بلاد نجد والحجاز جاء مع عائلة الملك فيصل الاول وسكن العراق وحصل فيها على عدة مناصب وكان يرتبط بصلة وثيقة بالوصي على عرش العراق عبدالاله, وقد ارتبط الحجازي بالمطربة عفيفة بعلاقات وثيقة.

وكان الحجازي يحضر معظم حفلات عفيفة وفي جلساته الخاصة كان يلتقي بها بحضور صاحب سينما الشعب في ادارة السينما وهو من اليهود العراقيين,,, وفي تلك الجلسة بدأ يتحدث مع عفيفة وقال لها انه على استعداد لتنفيذ كل طلباتها وهنا اشتكت عفيفة له من تصرفات اليهودي صاحب السينما الذي اغمط لها حقا وهي تطالبه باجورها كاملة,,, فثار الحجازي رغم انه صديقه، وانتزع مسدسه وهدد صاحب السينما بالقتل اذا لم يدفع 500 دينار حالا لعفيفة ,,, وامام هذا التهديد استسلم اليهودي صاغرا ودفع المبلغ كاملا «وعين تضحك وعين تبكي» كما يقول المثل!!

ب) يا حافر البير لا تغمج مساحيها

يذكر الفنان إلهام المدفعي نقلا «عن والده حسن فهمي المدفعي انه بعد انقلاب بكر صدقي اقيم احتفال في احد المنتديات البارزة في بغداد وطلب بكر ان توجه الدعوة الى المطربة عفيفة اسكندر للغناء فيه,,, وقد حضرت عفيفة الى الاحتفال من دون رغبة وبعد ضغط وإلحاح من الاصدقاء وبقية المسؤولين الذين ترتبط معهم بعلاقات طيبة من نظام نوري سعيد والوصي عبدالاله,,,, وما ان بدأ الاحتفال وصعدت عفيفة الى خشبة المسرح حتى جاء صوتها قويا وبرنين مؤثر وبلهجة معبرة لا تخلو من تذمر ووعيد ,,, فشدت باغنية:

«يا حافر البير لا تغمج مساحيها خاف الفلك يندار وانت تكع بيها».

وعندما التفت بعض الحاضرين الى جهة جلوس بكر صدقي وجدوا ان وجهه قد تجهم وامتقع بحمرة لا تخطئها العين ابدا.

ج) عفيفة اكتشفت صبيحة إبراهيم

في احد اللقاءات الصحافية قالت المطربة صبيحة ابراهيم ان عفيفة اسكندر هي التي اكتشفتها ودفعتها الى السير في طريق الغناء، وذلك عندما شاهدتها للمرة الاولى في احد صالونات الحلاقة وهي تدندن مع نفسها اي (صبيحة) وعندما سمعتها عفيفة اقتربت منها وصاحت (الله ـ الله صوتك حلو) ثم ربتت على كتفي (تقول صبيحة) وقالت الا يعجبك ان تصبحي مطربة وتغني في اماكن عامة ومعروفة, فالتفتت صبيحة الى امها التي كانت تجلس بعيدا عنها في الصالون ما رأيك يا امي, فرفضت في البداية لكن اصرار الفنانة عفيفة ومتابعتها لصبيحة اكثر من مرة جعلها تقتنع بالامر وتنطلق في عالم الغناء ومن ثم تصبح مطربة مشهورة وبذلك تقول صبيحة «ادين بالفضل الكبير للفنانة عفيفة اذ لولاها لما اصبحت مطربة».

واشار الموسيقار المرحوم منير بشير الى انه لم يكن يعزف في فرقتها الخاصة كما ورد في حديث الناقد سعاد الهرمزي بل كان عازفا في فرقة الاذاعة الخاصة وهي فرقة عزفت لكبار فناني القطر امثال محمد القبانجي ورشيد القندرجي وناظم الغزالي اضافة إلى عفيفة اسكندر.

د) شائعة موت عفيفة اسكندر

في اواسط الستينات انتشرت شائعة قوية حول وفاة المطربة عفيفة اسكندر ولم يعرف من كان وراءها هل هم المحبون لها بقصد الدعاية ام الحاقدون فمن يضرهم بخاصها,,, المهم التقط خالد ناجي الذي كان معد البرنامج التليفزوني «عدسة الفن» الاشاعة عبر البرنامج بقصد اخمادها فاجرى لقاء مع المطربة عفيفة وقد بدت في حينها منشرحة وفي احسن حالاتها وغنت لجمهورها بعض المــقاطع من اغنــياتها, وبعد حين تردد في الاوساط الصحافية والاعلامية ان عفيفة اسكندر هي نفسها التي أطلقت شائعة موتها! لكن المقربين جدا من عفيفة ينفون ذلك لان اخلاقياتها وسلوكها لا يوحي بما تردد في الاشاعة.

وجرياً على طريقة أفلام أيام زمان، اشتركت الفنانة عفيفة اسكندر في فيلمين سينمائيين في نهاية الأربعينات، الاول فيلم(القاهرة بغداد) المرئي من اخراج بدرخان وانتاج شركة اسماعيل شريف بالتعاون مع شركة اتحاد الفنانين المصريين ومثل فيه حقي الشبلي وابراهيم جلال وفخري الزبيدي ومديحة يسري وبشارة واكيم.الا انه لم ينل نجاحاً يذكر من شأنه أن يعزز رصيد عفيفة اسكندر، لكنه عزز مسيرة السينما في العراق بتجربة في زمن كان يحتاجها فيه، لتسهم عفيفة في ريادة أخرى في تاريخ الفن العراقي و الثاني فيلم (ليلى في العراق) انتاج ستوديو بغداد واخراج احمد كامل مرسي ومثل فيه الفنانون جعفر السعدي والراحل محمد سلمان والفنانة نورهان وعبدالله العزاوي وعرض الفيلم في سينما روكسي عام 1949.

علاقتها المتميزة مع أهل الأدب، ليست سوى انعكاس طبيعي لعلاقتها بالأدب نفسه، فهي مغنية تكاد تنتمي لمغنيات العصر العباسي، في ما يتعلق بالثقافة الأدبية، رغم السمة العصرية التي طبعت تجربتها وسلوكها بطابع خاص، والبيئة التي حققت صلة نموذجية معها، فغنت قصائد رقيقة بدت متناسبة مع تجربتها ودللت على عمق اختياراتها من حيث اهتمامها بالجملة والمفردة، فغنت للعباس بن الأحنف في(أيا من وجهه قمر) و(بلغي يا ريح عنا) و(طال ليلي واشتياقي) و لاابن الفارض في( ته دلالاً) وللعشاق الأندلسيين، كالخطيب الأندلسي الأعمى في قصيدة (قيل لي قد تبدلا)

وكان الشاعر البغدادي الرومانسي(المرحوم شفيق القيمقجي) كان يفخر في أحاديثه بمقهى حسن عجمي، بشيئين اثنين: أشعاره التي كانت تذاع من دار الإذاعة العراقية حين يقرأها بحضور الملك فيصل الثاني، لكونه كان ضابطاً في الجيش الملكي، وبإعجاب عفيفة اسكندر بقصائده الرومانسية، حتى إنه كان يحتفظ بصورة فريدة ونادرة لها، يقدمها لكل من يريد أن يطلعه عليها من الخاصة، بمقدمة معتادة سأريك جسداً عبقرياً) وليس الجسد في الصورة إلا جسد عفيفة، فيما كان الشاعر الرومانسي كمن يحمل جسدها ساخناً في محفظته رغم إن الصورة تعود إلى أواسط الأربعينات.

ليس الشاعر المتمرد، ولا الصحفي الرائد، أو الضابط الملكي، هم العينة الوحيدة من الرجال الذين أحرقتهم نار عفيفة، فشيخ القبيلة ينضم إليهم في قافلة الوجد، ثمة قصص عن الشيخ الذي ضحى بمجده بين قومه وقطعان أبله وتخوم مقاطعاته المترامية، ليضيء ليله بالنار التي تتصاعد ألسنتها من عبارات عفيفة، وخفتها التي لا تخفت. لقد زارت عفيفة العالم بأجمعه، واقامت في باريس لاكثر من اربع سنوات واكثر الملحنين الذين تتعامل معهما هما (احمد الخليل) والملحن خزعل مهدي وكثيرة الاغاني التي كانت تقدمها هي (يا عاقد الحاجبين) و(ياسكري يا عسلي) و(اريد الله يبين حوبتي بيهم) و(قلب.. قلب) و(غبت عني فما الخبر) و(جاني الحلو.. لابس حلو صبحية العيد) و(نم وسادك صدري) وغيرها من الاغاني وبلغ رصيدها من الاغاني خلال مسيرتها الفنية اكثر من (1500) اغنية.

و من اغاني عفيفة اسكندر الاخرى نذكر : هلك منعوك – ما انسى بعد وياك ما انسى – حركت الروح لمن فاركتهم – يا لطيف – جوز منهم (عام 1961)– لا توقف بدربي – الف روح – يا حلو يا اسمر . و غيرها