في لقاء نادر، عفيفة إسكندر.. سيدة الغناء العراقي

في لقاء نادر، عفيفة إسكندر.. سيدة الغناء العراقي

لأن اللقاء مع الفنانة عفيفة اسكندر شبه مستحيل بسبب اعتكافها وامتناعها عن اللقاءات الصحافية فقد اخذنا نبحث في (الدفاتر العتيقة) عن لقاءات صحافية لنتعرف على آراء عفيفة في الحياة الفنية.جريدة «الجمهور» اللبنانية اجرت لقاء مع عفيفة نشر في 22 اب 1963 بعنوان «كروان العراق تتمنى ان تكون صحافية» جاء في اللقاء:

*كم اغنية عملت هنا؟

- سجلت سبع اغان جديدة واستغرق وقت اعدادها وانجازها بحدود خمسة اشهر.

*وهل الامور كانت مشجعة؟

- مع الاسف الاجور جدا ضئيلة,,, واتمنى ان تعدل حسب مكانة الفنان.

*بماذا تعرفين الفنان؟

- الفنان الحقيقي هو وجه البلد الصحيح واداة اعلامية جيدة.

*هل ستركبين قطار الزواج؟

- لقد فاتني القطار قبل ان اصله,,, ولم ألحق به.

*ماذا عملت في سفرتك الى اوروبا وما هي انطباعاتك عن الفن الاوروبي؟

- قدمت مجموعة من الاغاني العراقية في باريس وسان فرانسيسكو وغنيت «قطعات» غنائية عباسية واموية واندلسية في تلفزيون «بي بي سي البريطانية» وقد وجدت الفن والذوق الاوروبيين في غاية الروعة والابداع.

اتمنى ان اصبح صحافية

ولو عرض عليك ان تذهبي الى اوروبا للعمل هناك؟

- لا اقبل بذلك لانني اشعر ان بلادي هي قطعة من جسدي.

ما هو املك في الحياة؟

- احب ان اصبح صحافية,,, ولو وفقت سأصدر مجلة اسبوعية تضم مختلف المواضيع والابحاث.

وقد سئلت عفيفة ذات مرة عن احب اغانيها الى نفسها فقالت بلا تردد اغنية «حركت الروح».

لا تحب الشعر الحر

*ومن هو احسن كاتب لديك؟

- هناك مجموعة من الكتاب ابرزهم ستيفان زمايغ وتشارلز ديكنز وجان جينيه ومن الكتاب العرب العقاد والمازني ومن الشعراء العباس بن الاحنف.وعفيفة لا تفضل القصة على الشعر لانها حسب وصفها، محاولة لتجديد المعلومات وهي تدعي انها لم تفهم الى الان معنى واحدا لقصيدة واحدة من الشعر الحر! ولكثرة عشاق صوتها وشهرتها الواسعة فقد حزن الكثيرون عندما سمعوا عام 1963 نبأ من اذاعة لندن عن وفاتها اثر عملية جراحية اجريت لها في باريس.

لكن النبأ كما اتضح بعد وقت قصير نبأ غير صحيح وانه مجرد اشاعة غير ان هذه الاشاعة اثبتت ان للفنانة عفيفة آلاف المعجبين الذين تألموا كثيرا وحزنوا لذلك الخبر.

وكانت عفيفة في باريس فعلا، وعندما سمعت بالاشاعة اسرعت بالعودة الى بغداد لتكذيب الخبر في الصحافة والاذاعة والتلفزيون وامام جمهورها.

العلاف: بدأت راقصة

كما كتب الاستاذ عبدالكريم العلاف في كتابه المعروف «قيان بغداد في العصر العباسي والعثماني» الصادر عن منشورات دار البيان ببغداد عام 1969 الطبعة الاولى، يقول العلاف عن عفيفة اسكندر: «هي قلب الجمال النابض اودعت يد القدر فيها اوصافا بدنية وخلالا نفسية فهي لا تستطيع ان تخفي محاسنها، بل تبدت وتجلت في اكمل جمال في نظر عشاق الجمال، جمال ساحر من صنع الخلاق لا صنع الحلاق لم تجد فيه شذوذا، ولابعدا عن الحقيقة المجردة من كل تقليد وكل مايشين كانت اعز احلام عفيفة وامانيها ابان طفولتها ان تكون مغنية لا راقصة والرقص الفني (البيزنطي) ترثه عن امها (ماريكة دمتري) ظلت عفيفة رغم صغرها والبيئة الصغيرة التي نشأت فيها تعلل نفسها بتلك الاماني حتى هيأ الله لها احد المشاهير الموسيقيين فحدثته عن امانيها وما يلم بخاطرها واستشف الرجل من حديثها رغبة قوية فيما تصبو اليه، فقلت لها بصدق واخلاص كوني راقصة تكوني مغنية فالرقص والغناء صنوان لاينفك احدهما عن الآخر ففكرت طويلا وخالت مايكون من امرها اذا هي احجمت ثم ما يكون اذا هي تراجعت؟ وفي هذا التفكير العميق اختارت سبيل الرقص اولا، على حد قول الشاعر «واول الغيث قطر ثم ينهمر» وراحت تخترق كل العقبات التي تحول بينها وبين امانيها فأخذ ذلك الرجل يرعاها ويبذل قصارى جهده في تعليمها تعليما فنيا محكما حتى نضجت وبدت علائم الفوز والنجاح تبدو على محياها فأعانها مرشدها واستاذها فضمها الى «ملهى الهلال» واندفعت ترقص فكان لرقصها رنة استحسان مما شجعها على الاستمرار فيه كل ليلة وما فتئت حتى انطلق صوتها من اعماق قلبها بأغان شائعة يومذاك فاحسنت فيها واجادتها وظلت هكذا حتى اعتلت كرسي الاذاعة فراحت تنثر درر اغانيها فتشنف آذان مستمعيها وكلهم آذان صاغية اليها وفي هذا الاقبال والفوز المستمر التفتت الى ما ينظمه النظامون اليها من الشعر الشعبي فاستطاعت بفضل نباهتها ان تميز بين الغث والسمين وكانت تختار الذي يروق لها ويوافق ذوق ابناء الشعب وهذه بادرة طيبة قلما توجد عند بعض القيان اللواتي عاصرنها ولما شعرت ان الشعر الشعبي لايفي بمرامها ركنت الى الشعر الفصيح فاتخذت شعر البهاء زهير رائدا لها وراحت تتغنى به فكان نصيبها الفوز والنجاح.

ويضيف العلاف: «وأهم شيء في طبيعتها انها تكره ان تنال شيئا مقابل ماتجود به وقد شاءت طبيعتها ان يكون العطاء ديدنها وان كانت معسرة,,, هذه هي عفيفة فهل تراني انحرفت عن الحقيقة؟ لست ادري»!!

ولم يشر المؤلف الى اسم الرجل الذي اخذ بيد الفنانة عفيفة اسكندر الى الغناء والفن لكن «ملهى الهلال» كانت تديره المطربة سليمة مراد آنذاك واشتغلت فيه راقصة «ماريكة دمتري» ام الفنانة عفيفة اسكندر وكان هذا الملهى باسم «ماجستيك» انشئ بعد احتلال بغداد في منطقة الميدان كما حال بقية الملاهي وظلت هذه الملاهي تشتغل في الميدان الى عام 1940.

حازم باك مجنون عفيفة

اما المصور الصحافي حازم باك فيقول لقد تعرفت عليها في الخمسينات ابان اشتغالي كمصور صحافي في جريدة الشعب حين ذهب اليها مع القاصة الفلسطينية الراحلة (سميرة عزام) لاجراء لقاء صحافي معها فزرناها في بيتها بالمسبح وبعد ترحابها بنا قادتنا الى التعرف على نواحي الجمال في منزلها.

شاهدنا الاثاث الفاخر والديكورات الرائعة التي تنم عن ذوق جميل وشفاف وفي احدى الغرف كانت آلة البيانو تستقر هادئة تشعر كأن الانغام تنبعث منها لتجعل النفس مطمئنة ,ومنشرحة وفي مكان اخر وجدنا المكتبة التي تستقر فيها مئات الكتب,,, وقد كانت كتب الشعر هي المميزة من بينها، لاسيما ان عفيفة كانت مغرمة بالشعر وفي زاوية اخرى انتصب جهاز التلفزيون شامخا (علما ان قلة من بيوتات بغداد كانت تمتلك مثل هذا الجهاز آنذاك) وكان يرافقنا في جولتنا داخل المنزل كلبها وحارسها العزيز

وقد زارتني في الاستديو الخاص بي - يقول باك - مع السيد كريم بدر عازف الكمان المعروف ومدير شؤونها الفنية لغرض التقاط صورة جديدة لها، وبعد ايام عادت لتسلم الصورة التي كبرتها بحجم كبير (شيت) ووضعتها في المحل جنبا الى جنب صور السيد مؤيد البدري المعلق الرياضي المشهور! وحين لمحت عفيفة صورتها مع صور المحل في الداخل اعجبت بها كثيرا ودفعت تكاليفها بالرغم من عدم اتفاقي معها حول ذلك وطلبت مني ابقاء الصورة معلقة في مكانها، وفي احد الايام خطر ببالي نقل الصورة الى واجهة المحل الامامية وفعلت ذلك فعلا وبعد ذلك كان يأتي رجل في الاربعين من عمره ويبدو انه غريب الاطوار يقف امام صورتها يتطلع اليها يوميا وفي نفس الموعد وفي يوم ما ادخلت الصورة الى داخل المحل وعندما جاء في اليوم التالي ولم يجدها اقتحم المحل في نفس موعده وهدد وتوعد اذا لم تعد الصورة الى مكانها وخرج لايلوي على شيء ونزلت عند رغبته واعدت الصورة الى واجهة المحل ومن يومها اصبحنا نسميه «مجنون عفيفة».

الحزن في ملامحها

اخيرا يقول المصور باك: «ان عفيفة فنانة خفيفة الظل تجمع ما بين حلاوة الصوت والصورة، وهي من القليلات من المطربات العراقيات اللاتي يملكن هذه الصفة المزدوجة، اضافة الى ذلك كانت مجاملة كثيرا وحساسة جدا، ويظهر الحزن على محياها الجميل بوضوح.

جريدة الجمهور اللبنانية 22 آب 1963