.. رحلة مليئة بقصص الحب

.. رحلة مليئة بقصص الحب

في هذه المقالة عن عفيفة اسكندر نتناول بعض الاحداث والحكايات التي حصلت معها وكان ابطالها بعض الشعراء والفنانين، كقصة الحب المختلفة والتي كان بطلها الشاعر حسين مردان، كما سنتعرف على ما دار بينها وبين الفنان خليل الرفاعي في اول لقاء بينهما، اضافة الى موقف له دلالة معبرة بينها وبين المطرب الريفي المعروف عبدالجبار الدراجي.

وعن ذكرياته مع رائدة الطرب «عفو» قال لنا الفنان خليل الرفاعي: «امتازت عفيفة بعدة جوانب في شخصيتها فهي اضافة الى كونها صاحبة صوت جميل وحنجرة طوعتها لألوان كثيرة من الغناء كانت تساعد الكثير من الفنانين من هم بحاجة مادية او معنوية نتيجة لقسوة الحياة، وهي تساعدهم بشتى الوسائل ودون ان تبوح بذلك ولا تجعل اي احد يعرف بذلك». وتابع «مرة شاهدت الفنان خزعل فاضل الملحن وعازف الجلو وملحن اجمل اغنية في تلك الفترة «حنة حنة بيديها» وكان يشكو من ألم في عينيه ولما عرفت عفيفة خبر هذا الفنان رصدت له مبلغا ارسلته اليه كي يسافر الى الخارج وذهب ثم عاد معافى, وحاليا يملأ الحزن قلبي لأن هذه الفنانة التي قدمت العون لجميع الناس تعاني من المرض واتمنى لها الصحة والعافية والعمرالمديد.

أول مطربة في التلفزيون

ويضيف خليل الرفاعي ان «عفيفة كانت اول مطربة تظهر في التلفزيون العام 1956 حين غنت من شاشة التلفزيون في المعرض البريطاني قبل ان تشتريه الحكومة العراقية، وعفيفة فنانة مثقفة ولبقة بالكلام واختيار العبارات الملائمة وفي الوقت المناسب».

مداعبة

ويقول الرفاعي: «في العام 1946 تم تعييني في الاذاعة على اساس الاجور الاسبوعية وكنت في يوم ما جالسا مع بعض المذيعين فتقدمت مني عفيفة ثم مسحت على رأسي بيدها وقرصت وجنتي وقالت مداعبة من أين لكم هذا الحلو؟» فأجابها المذيع محمود المعروف مداعبا، تعنين هذا الاسمر فضحكت، وضحك الجميع وبعد مدة قصيرة غنت الفنانة عفيفة اغنية (يا حلو يا اسمر، غنى بك السمر) لا لأجل المداعبة التي ذكرت وانما لأنها كانت تجيد غناء الشعر القريض والشعر الشعبي على حد سواء».

يمة انطيني الدربين

اما مطرب الريف المعروف «عبدالجبار الدراجي» فقال عن تجربته معها: «عرفت فيها مطربة متميزة وتستحق التعاون معها لما تتسم به من خلق وصوت جميل وشخصية جذابة، ولما كانت عفيفة تسمع بأغنياتي وألحاني طلبت مني (من خلال احد الاذاعيين) ان اكتب لها أغنية، وبما ان عفيفة فنانة كبيرة واصيلة وتحترم نفسها وفنها فقررت ان اكتب لها ما يتناسب وقيمتها الفنية، فكتبت لها «مسافرين» وأغنية اخرى بعنوان «انطيني الدربيل» وقد اعجبت بهما كثيرا وحاولت ان تغير كلمة اخترتها من الفلكلور في اغنية «يا يمة انطيني الدربين»، وفي البداية حاولت الاعتراض لكن بعد النقاش معها وهي صاحبة تجربة ثرية في الغناء اقنعتني برأيها وكان لها ما ارادت.

قصة حب مختلقة

وقد حدثني الزميل زهير احمد القيسي عن قصة الحب المختلقة التي كان بطلها الشاعر حسين مردان فقال: «عندما عاد حسين مردان من بعقوبة الى بغداد شابا متشردا بوهيميا ما بين عامي 1947 و1948 خالي الوفاض إلا من موهبته، وجد ان طريق الشهرة بواسطة الشعر مسدود امامه فصمم على ان يشق طريقه في الحياة عبر نمط جديد من الشعر لا يخلو من جرأة في تناول قضايا المرأة والجنس اضافة الى احاطة نفسه بهالة من القصص والحكايات الغريبة والعجيبة, وقد كنت انا شاهد عيان وزميلا ملازما لأدباء تلك الفترة ومن بينهم حسين مردان وقد استطاع عبدالمجيد الونداوي وغائب طعمة فرمان ان يجدا له غرفة صغيرة تؤويه في مقر جريدة الاهالي (في محلة البقجة في الميدان الذي صار الآن المركز الثقافي في ظهر وزارة الدفاع), وكان حسين يلتقي بهذين الصديقين وبعض الاصدقاء الباقين من الادباء والمتأدبين في كازينو بلقيس في شارع ابي نواس ويبدو انه دعي ذات مرة الى الملهى الذي كانت تغني فيه عفيفة اسكندر فعشقها ومن ذا الذي لا يعشق عفيفة في تلك الايام وهي على ما هي عليه من جمال وشهرة وحلاوة صوت؟، وربما استطاع حسين ان يذهب الى بيت عفيفة مرة واحدة من خلال دعوة بعض اصدقائها المقربين اليها وينتهي كل شيء على مسرح الواقع، اما الخيال فقد انشأ حسين مردان مع عفيفة اسكندر قصة حب خارقة للمألوف وراح يرويها للناس والاصدقاء بكل جدية، ولا اعتقد ان هناك من كان يصدق بتلك الحكايات الخرافية، غير ان الجميع كانوا يحبون حسين مردان ويأنسون الى احاديثه حتى الكاذب منها، ان من ارخ لهذه الحادثة او القصة المختلقة هو الكاتب العراقي الراحل غائب طعمة فرمان في روايته «خمسة اصوات» التي مثلت سينمائيا في العراق بفيلم عنوانه «المنعطف» مثل دور حسين مردان في الفيلم الفنان يوسف العاني كما قدمتها فرقة ابراهيم جلال المسرحية في مسرحية بعنوان (خمسة اصوات) مثل فيها دور حسين مردان الفنان عبدالخالق المختار واخرجها الفنان محمود ابو العباس، وفي هذه الرواية يروي فرمان بلسان حسين مردان ان قصة الف ليلة وليلة عبر غرامه بعفيفة اسكندر.

حمام وردي معطر

كان المرحوم حسين مردان يروي يوما كيف ذهب الى بيت عفيفة واخذ حماما ورديا معطرا ثم جاءت اليه بعشاء مؤلف من اطعمة نسمع بها ولا نراها، وكيف ارتدى بيجامة حريرية واستلقى على الفراش الوثير وكيف شرب عصير البرتقال قبل العشاء، وكان حسين مردان يروي هذه الحكاية وثيابه معفرة بالتراب ولم يحلق ذقنة ولم يستحم قبل شهر ولا يملك ثمن سيكارة وتفوح منه رائحة العرق والوسخ, والأمر كله متروك لعفيفة ذاتها ان تلقي الضوء على طبيعة علاقتها بحسين رحمه الله.

مجلة الاذاعة والتلفزيون اذار 1977