من ذكرياتي مع الاستاذ عباس العزاوي

من ذكرياتي مع الاستاذ عباس العزاوي

سالم الالوسي

يتردد على الدوام، على السنة المؤرخين والكتاب والباحثين داخل العراق وخارجه اسم علمين بارزين من اعلام المؤرخين المعاصرين هما الاستاذ عباس العزاوي المحامي والاستاذ عبد الرزاق الحسني (رحمهما الله)، وقد ترك كل منهما مكتبة من المصادر والمراجع الباحثة في تاريخ العراق واقوامه ونحله واحاوله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها من المعلومات التي اصبحت مصدرا ومنبعا يستقي منه الباحثون وطلاب المعرفة كل نافع ومفيد.

لقد وضع الاستاذ العزاوي عددا من المؤلفات وحقق اسفارا نفيسة من ذخائر التراث العربي الاسلامي ونقل عن التركية والفارسية جملة من الكتب الباحثة في تاريخ العراق وعلومه وادابه وفنونه. وقد اضطلع المؤرخ العزاوي بمهمة صعبة وشاقة جدا وهي سد الثغرة الفاصلة بين انحلال الخلافة العباسية وسقوط بغداد عام 656 هـ (1258م) على يد جحافل المغول بقيادة هولاكو، وبين احتلال بغداد عام 1225 هـ - 1917م) من قبل الجيش البريطاني، وانتهاء السيطرة العثمانية على العراق في الحرب العالمية الاولى (1914 – 1918).

تاريخ العراق بين احتلالين

وقد نتجت جهود المؤرخ العزاوي بتأليف كتابه الكبير المفيد الموسوم بـ (تاريخ العراق بين احتلالين) الذي يتألف من ثمانية مجلدات، احتوت على تفاصيل الحوادث والوقائع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المتصلة بالعراق والدول المجاورة، تلك الاحداث المحصورة بين احتلال المغول لبغداد واحتلال الانكليز لها.اما المؤرخ الاستاذ عبد الرزاق الحسني، فقد تولى اكمال، حلقات السلسلة من تاريخ العراق من قبل الانكليز الى تاريخ سقوط الملكية بعدد من المؤلفات ابرزها (تاريخ الوزارات العراقية) المؤلف من عشرة مجلدات تضاف الى هذا المصدر المفيد عشرات من الكتب التي تناولت البحث عن الاقوام والطوائف والعقائد والثورات في العراق.

وكان العلامة العزاوي في مقدمة المتكلمين والمناقشين مع اقرانه وزملائه، وكان من بين اولئك الحضور ممن يطيل البقاء مستمعين ومستفيدين من ثمار علوم هذه النخبة الممتازة من العلماء والاساتذة ومعارفهم، نذكر منهم الدكاترة مصطفى جواد، جواد علي، احمد سوسة، محمود الجليلي، جابر الشكري، صالح احمد لعلي، عبد العزيز الدوري، فرج بصمه جي والاساتذة، طه باقر، فؤاد سفر، بشير فرنسيس، يعقوب سركيس، احمد حامد الصراف، عبود الشالجي، عبد المنعم الغلامي، ورفائيل بطي، حسين جميل، صادق كمونة، ضياء شكارة، الشيخ كاظم الدجيلي وشقيقه الشيخ جواد الدجيلي، الشيخ مهدي مقلد، روفائيل بابو اسحاق، ناصر النقشبندي، عبد الرزاق الحسني، مير بصري، يوسف غنيمة، ويوسف يعقوب مسكوني، وكان الاستاذ كوركيس عواد مدير المكتبة يستقبل ضيوفه ويدير المناقشات برحابة صدر وبشاشة.

كانت صلتي بالمؤرخ الكبير عباس العزاوي وثيقة كنا كثيرا نلتقي في مكتبة المتحف العراقي اوقات الدوام الرسمي او في المقهى البرازيلية في الباب الشرقي عصرا اغلب ايام الاسبوع كان رحمه الله ودودا كريما، اهداني اكثر مؤلفاته. وكانت داره محجة للعلماء والمؤرخين والمستشرقين على اختلاف جنسياتهم يلجأون اليه في سؤالاتهم واستسفاراتهم والاطلاع على النوادر من المخطوطات والكتب النفيسة في مكتبته التي كانت تعد من اهم المكتبات واعظمها في عدد المخطوطات والكتب ومن اثمن المجموعات الخطية في العراق وكان وكان حريصا على جمعها وحفظها خلال مدة جاوزت نصف القرن، صرف خلالها من الجهود والاموال من خالص حلاله في حيازتها وشرائها من داخل العراق وخارجه من تركيا وايران وسورية ومصر ولبنان وبعض الاقطار الاوروبية.

الموت حق ونهاية

وقد انتابته اواخر ايامه عدة امراض اضطر من جرائها الى الرقود في (مستشفى الراهبات) في الكرادة الشرقية من شهر كانون الاول من عام 1970، كنت مواظبا على عيادته وتفقد احواله الصحية، وفي احدى الزيارات حدثني طويلا عن خططه ومشروعاته في المستقبل اذا ما مد الله له في عمره وخرج من المستشفى مشافى معافى، اما اذا قضت ارادة الله سبحانه وتعالى بالارتحال الى الاخرة، وهذا مآل الانسان الحتمي، فانني ارى يا سيد سالم – والقول ما يزال للاستاذ العزاوي – ان اوضاعي الصحية اخذت في التردي ولست ممن يخشى الموت فهو حق وهو نهاية كل البشر، ولا تنسى الاية الشريفة (انك ميت وانهم ميتون)، ولكنني اخشى واخاف على مصير مكتبتي، وكما تعلم انها تضم اكثر من (3000) ثلاثة الاف مخطوطة وعدة الوف من الكتب والمصادر والمراجع، وقد هداني التفكير الى فكرة اقامة بناية خاصة بها يكتب على مدخلها (مكتبة عباس العزاوي المحامي) تشرف عليها وعلى ادارتها هيئة امناء من اصدقائي الذين ائتمنهم واثق بهم وباخلاصهم وكفاءاتهم ومعرفتهم باهمية المكتبة وما تحويه من النوادر والنفائس لاسيما المخطوطات، فكثير منها مكتوب بخطوط مؤلفيها، قلت له: ومن هم اعضاء هيئة الامناء! قال: في مقدمتهم:الاستاذ حسين جميل، صادق كمونة المحامي، كوركيس عواد، مير بصري، وانت يا سالم وولدي السيد فاضل العزاوي المحامي. وقد اعلمني ابني بالروح السيد رفعت عبد الرزاق وهو مؤرخ حصيف دؤؤب ان اغلب ما تركه العزاوي لم يزل في العراق في مكتبتي الاثار العامة والمجمع العلمي العراقي، بضمنها اوراقه المخطوطة من رسائل ومراسلات وتعليقات.

وفي فجر يوم 17 تموز من عام 1971 ارتحل المؤرخ الكبير العلامة عباس العزاوي المحامي الى عالم الخلود، دون ان تتحقق امنياته في مصير مكتبته، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

من كتاب (من ذكرياتي) المعد للنشر