عندما قدمنا مسرحية (ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي)

عندما قدمنا مسرحية (ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي)

يوسف العاني

حين قدمنا مسرحية (ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي) الذي تولى اعدادها والاشراف على اخراجها الاستاذ سامي عبدالحميد, تركت هذه المسرحية اثراً يحمل نكهة الشعبية العراقية ولا أقل البغدادية الأصيلة مع التناول المبتكر لقضايا عديدة من تأريخ شعبنا العراقي, سياسياً واجتماعياً وفكرياً.. وكانت من البساطة والسهولة –كما يبدو- مايمكن ان يوضع في اطار الاعمال الصعبة التي تحتاج الى جهود عدة كي تصل بعد ذلك الى تلك البساطة والتي اسمها, البساطة الصعبة!

المهم ان تناول شخصية الملا عبود الكرخي في عام 1982 جعلنا نربط بين الوقائع السياسية المطروحة في المسرحية والظرف الذي نعيش فيه ربطاً لاتجد فيه المباشرة القسرية بقدر ما كان الابتكار فيه حالة ابداعية متجددة.

كنت افكر بهذه المسرحية طوال الفترة التي قدمتها فرقتنا –المسرح الفني الحديث- على مسرح بغداد.. وامكانية تبنيها لتقديمها في اي مكان اخر.. وقدر لي السفر لحضور اجتماعات اللجنة التنفيذية للمسرح العالمي في باريس بوصفي عضواً فيها عام 1984 وكانت مسرحية الكرخي هاجساً في خاطري: ان اقدمها.. وحدي.. لونا من الوان (المونودراما).. وكان النص صعباً.. وبعد انتهاء مهمتي هناك وحضوري مهرجان نانسي.. عدت لباريس وقررت بالاتفاق مع المركز الثقافي العراقي تقديم المسرحية في قاعة المدرسة العراقية ودعوة عدد من الاشقاء العرب والاصدقاء الفرنسيين.. ولم اكن حتى تلك الساعة قد وضعت صيغة تقديم المسرحية!!

التقيت الفنان الشاب (محمد سيف) وكان يدرس المسرح بباريس.. وبالفنان (عدنان شلاش) وقد خرج من المستشفى معافى.. تمثلت الامر بوجود هذين العنصرين محمد ان يكون راوية ويمكن ان يؤدي بعض شخصيات المسرحية.. وعدنان يمكن ان يغني بعض مقاطع من المسرحية بصوته الشجي وقد يدخل في حوارات هنا وهناك فلم اكن اريد ان احركه لان اثار مرضه مازالت بادية عليه.. ورحت اعد النص بهذا التصور.. واجرينا التدريبات وحولنا العرض المسرحي لقاء عائلياً بانارة بسيطة وبعرض تتخلله مداخلات من المشاهدين.. وتم العرض بنكهة خاصة وكان الملا عبود الكرخي مسرحياً قد ولد بين المجموعة كلها.. الذين قدموا العرض والذين يشاهدون.

عام 1985 كلفت بتقديم العرض في المركز الثقافي العراقي بلندن وكنت عائداً من تونس.. حملت النص المسرحي معي.. وكنت اعلم ان الفنانة (احلام عرب) وهي ممثلة جيدة موجودة في لندن.. حسبت حسابها وقررت ان تشترك معي في العرض.. وهذا يتطلب صيغة غير تلك التي قدمت بها المسرحية في باريس.. علمت قبل سفري ان احلام عادت الى بغداد وصلت لندن..! مصادفة التقيت بسيدة عراقية تعمل في القسم العربي باذاعة لندن وكانت تعمل في تلفزيون بغداد: (سلوى الجراح) صوتها جميل ويمكن ان تكون شخصية عراقية تؤدي اغنية (المجرشة) وتمثل شخصيات اخرى.. وافقت بحماس.. ووافق ايضاً الصديق الدكتور سعدي الحديثي المشاركة معنا.. والدكتور سعدي طاقة كبيرة تولى امر الغناء بصوته المؤثر الجميل.. وتولى التعليق على بعض الاحداث.. ثم قمت انا بتحويل العمل ابتداء الى محاضرة عن المسرح العراقي وكيف قدمت مسرحية (الملا عبود الكرخي) ببغداد وحديث عن شخصية الملا عبود الكرخي.. وخلال المحاضرة وحين اضع (السدارة) على رأسي تتحول المحاضرة الى مسرحية فنبدأ بالتمثيل نحن الثلاثة.. وحين اخلع (السدارة) اعود الى المحاضرة والكل يستمع حتى الذين يمثلون معي.. وهكذا تحولت المسرحية الى (محاضرية) اي انها محاضرة ومسرحية في آن واحد.. استطعنا ان نكسبها حالة مبتكرة لكنها طريفة وممتعة في آن واحد.

عن الحوار المتمدن