جامعة الحكمة.. أول جامعة أهلية يعرفها التعليم في العراق

جامعة الحكمة.. أول جامعة أهلية يعرفها التعليم في العراق

ايمان مصطفى المحمدي

خطا التعليم الأهلي خطوات مهمة للاسهام في بناء الحياة الثقافية،ونجح في مختلف مراحل التعليم، فلم يقتصر دوره على حدود الدراستين الابتدائية والثانوية،وإنـّما امتد الى الدراسات العليا،وقد تمثل ذلك بتأسيس الجامعات،ولاسيّما جامعة الحكمة الأهلية، التي ترجع فكرة انشائها الى عام 1931،عندما قام المشرف على جامعة جورج تاون أدموند ولش (اس جي) بمسح لاحتياجات العراق التربوية، ونتيجة لهذا المسح شكل رؤساء ثمان جامعات وكليات في الولايات المتحدة الامريكية مؤسسة لتوفير الدعم والمساعدة للعمل التربوي في العراق.

وبعد وصول البعثة الامريكية للآباء اليسوعيين الى العراق ودراستها واقع التعليم واحتياجاته،قدمت طلبا الى الحكومة العراقية في30 حزيران عام1932 للسماح لها بتأسيس مدرسة ثانوية بأسم «كلية بغداد»، فوافقت الحكومة على ذلك، وكانت الصفوف تقام في أماكن مؤجرة في المدينة حتى عام 1936 عندما تم شراء عقار في أطراف الصليخ،عند الطرف الشمالي للمدينة، لبناء خاص للثانوية وفق الطرز المعمارية الحديثة، التي تتوافر فيها القاعات الدراسية الواسعة،والمختبرات الحديثة، والاقسام الداخلية للطلاب، ويقبل فيها الطلبة المتميزون من خريجي المدارس الابتدائية،بعد إجراء امتحان للقبول وقياس مستوى الذكاء، فكانت بحق مدرسة علمية نموذجية،نمت هذه المدرسة وتوسعت بأستمرار حتى اصبحت تسع أكثر من(1000) طالب،ومدة الدراسة فيها خمس سنوات دراسية، تهيؤهم للحصول على شهادة البكلوريا العراقية بعد الامتحان الوزاري مع بقية الثانويات في العراق، وكان يدير هذه المدرسة عند افتتاحها الأب توماس هسي اليسوعي وحصل خريجوها على أعلى المعدلات، وقـُبل أغلبهم في الكليات العلمية، كالطب والهندسة وغيرها.

ونتيجة التوسع الذي حدث في الكلية تلقى الآباء اليسوعيون طلبات كثيرة من المثقفين والاصدقاء في العراق لتوسيع الكلية لتشمل الدراسة العالية وبعد دراسة طويلة تقرر مفاتحة الحكومة العراقية بشأن تأسيس (جامعة الحكمة) فقدم الأب توماس هسي اليسوعي مدير(كلية بغداد) طلبا الى وزارة المعارف، في 27 نيسان عام 1955، في عهد وزيرها خليل كنه، لمنح(كلية بغداد) الاذن للقيام بالتعليم العالي.

1

وافقت وزارة المعارف، في 5 مايس عام 1955،على مباشرة(كلية بغداد) التعليم العالي وفقا لما ورد في الفقرتين الاولى والثانية من طلبها،واحتفظت بحقها فيما يخص الفقرة الثالثة،أي: فيما يتعلـق بمنح الشهادات والدرجات الدراسية للمتخرجين،التي تـُمنح عادة في مختلف مراتب التعليم العالي،بما فـي ذلك منح البكالوريوس في التجارة والعلوم،الى أن تتم دورة كاملة،وتتبين الوزارة مقدار النجاح والتقدم الذي تحرزه هذه الدورات.

رحب رئيس الوزراء نوري السعيد بفكرة انشاء (جامعة الحكمة)، وشجع المسؤولين في مدرسة (كلية بغداد)على تحقيق هذا المشروع ومنحت الحكومة العراقية رسميا، في العام الدراسي 1955-1956، قطعة أرض مساحتها (272) دونما من الأراضي الأميرية لبناء الجامعة في منطقة الزعفرانية، وهي ضاحية جديدة عند الطرف الجنوبي لبغداد، في تشرين الثاني عام 1957 تم وضع حجر الأساس في الزعفرانية،وأكملت عمارة هذه الجامعة في أوائل عام 1959 حيث انتقلت اليها الدراسة.

قدم الاب توماس هسي اليسوعي طلبا آخر الى وزارة المعارف، في 30 مايس عام 1956،أي: بعد مرور سنة كاملة على طلبه السابق وعلى موافقة الوزارة على مباشرة التعليم العالي في (كلية بغداد) للموافقة على تسمية مؤسسته بأسم (جامعة الحكمة) وقد وافقت الوزارة،في 9 حزيران1956،على هذه التسمية(1)،

كما وافقت على تعيين الأب جوزيف ال0راين عميدا لها(2) 0

وبناءً على هذه الموافقة تأسست (جامعة الحكمة) الأهلية،وبدات الدراسة فيها في بداية العام الدراسي 1956-1957(3)0ومدة الدراسة فيها أربع سنوات،وتقبل الطلبة خريجي الدراسة الاعدادية (الفرع العلمي).

ابتدأت الدراسة في الصفوف الأولى في أيلول عام 1956، وبلغ عدد الطلاب المقبولين في السنة الاولى (49) طالبا وفي 12 مايس عام 1960 اعترفت جامعة بغداد بالقسمين الأول والثاني من الجامعة، بعد أن طلبت رئاسة جامعة الحكمة في 24 تموز عام 1959 من وزارة التربية والتعليم اﻹذنَ رسميا بمنح الشهادات والدرجات العلمية ومعادلتها وقد قامت الوزارة بتأليف لجنة، في 28 ايلول عام 1959، ضمت كلا من السادة: الدكتور(جميل الملائكة)،رئيس قسم الهندسة المدنية في كلية الهندسة،و(الدكتور سبوريوس) رئيس قسم الهندسة الكهربائية، و(عبد الجبار رمو)رئيس قسم الهندسـة الميكانيكية، و(منير الزبيدي) رئيس ملاحظي التعليم الاهلي وسكرتير اللجنة.

وبعد عدة اجتماعات، كان آخرها في 28 كانون الاول عام 1959، درست اللجنة خلالها مفردات مناهج جامعة الحكمة،والمعلومات الأخرى، وبعد المداولة قررت اللجنة أنّ نوعية الدراسة وطريقة التدريس ومؤهلات هيئة التدريس والمختبرات جيدة وبمستوى جامعي لايقل عن المستوى الذي عليه الكليات العراقية ثم قامت لجنة من وزارة المعارف بزيارة (جامعة الحكمة) بصحبة عميد (كلية الهندسة) في(جامعة بغداد)، و(عميد كلية العلوم)، واطلعت على مناهج الدراسة،كما اطلعت على قرار اللجنة المؤلفة بأمر وزير المعارف بشأن معادلة شهادة جامعة الحكمة وتقدير مستوى الدراسة فيها وقامت بتأليف لجنة أخرى في مركز جامعة بغداد لدراسة الموضوع دراسة دقيقة، ثم قررت اللجنة تأييد قرار اللجنة السابقة،كما أقرَّت بأنَّ مستوى الدراسة في (جامعة الحكمة)معادل لمستوى الدراسة في (جامعة بغداد)، واعترفت أيضا بأنّ الشهادة التي تمنحها (جامعة الحكمة) للمتخرجين فيها معادلة لشهادة البكالوريوس التي تمنحها (جامعة بغداد) للمتخرجين فيها وبموجب القرار ذي الرقم (2665) والمؤرخ في 10 آذار عام1960، قرر مجلس المعارف،بجلسته الرابعة عشرة المنعقدة في 11 مايس عام 1960، تأييد قرار لجنة معادلة الشهادات وفي 12 مايس عام 1960 اعترفت جامعة بغداد بالقسمين الأول والثاني من الجامعة وقد أدّى هذا الاعتراف الى توسع الدراسة في الجامعة، فافتتح في 3 حزيران عام 1964 (قسم الآداب) لدراسة اللغة الانكليزية، وبلغ عدد الطلاب المقبولين فيها (30) طالبا، منهم (7) طلاب و(23)طالبة.

نـُظـمت (جامعة الحكمـة)على وفق الأسس الادارية للجامعات الامريكية،وشكلـت ثلاثـة مجالس:

(1) مجلس الأُمناء (2) مجلس الادارة(3) المجلس الأكاديمي (الهيئة التدريسية)0 ويرأس(مجلس الادارة) رئيس الجامعة الأب الدكتور جون بي بانكس اليسوعي.وقد بلغ عدد الطلاب المقبولين فيها في عامها الدراسي الاول (49) طالبا، ثـم ازداد عددهم الى (62) طالبا في العام الدراسي 1957-1958وعدد التدريسين (14)على الملاك،و(5)محاضرين للعام ذاته.

سعت الحكومة الى تعريق جامعة الحكمة، لأسباب سياسية بعيدة عن العلمية، فخسر العراق مؤسسة أكاديمية على درجة عالية من الرقي العلمي، ففي 12 أيلول 1968 صدر القرار التالي عن مجلس قيادة الثورة:-

(نظـرا لأنّ القائمين على ادارة جامعة الحكمة يهدفون الى أمور لاتتفق والمطالب الوطنية والقومية وحيــث إنّ الضرورة تقضي بتعريق هذه المؤسسة وتوجيهها الوجهة العلمية السليمة، فقد تقرّر أن تتخذ الدوائر المسؤولة الاجراءات اللازمة لتعريق هذه الجامعة، وجعلها تحت اشراف الحكومة مباشــرة من كافة الوجوه).

عن رسالة ( التعليم العالي في العراق)