سعدون العبيدي ومسرحية إبن ماجد

سعدون العبيدي ومسرحية إبن ماجد

د. سعد عزيز عبد الصاحب

لا غرو ان إمتياز المسرح العراقي منذ بواكيره الاولى يكمن في تعدد تياراته واتجاهاته المسرحية والمشارب العديدة التي اتخذها رواده فضاءا للدرس والتحصيل المعرفي والثقافي ، فمسرحنا له آباء كبار تلقوا معارفهم في امريكا وروسيا والكتلة الشرقية وفرنسا والمانيا اضافة الى انكلترا التي جاء منها الفنان سعدون العبيدي متخرجا من معهد (جيلد هول) في ستينيات القرن المنصرم ليشكل تيارا مضافا لمسرحنا بفواعل فنية جديدة ومبتكرة ،

اذ اتخذ العبيدي من عنوان (المخرج المؤلف) سبيلا معرفيا للدخول للعملية المسرحية ، فهو يكتب نصه بنفسه ويخرجه بنفسه ايضا ، فالمسرحية تخرج لديه من راس واحد الا فيما ندر من مسرحيات لاخرين احبها دراميا وتمكن من اخراجها ومنها مسرحية (ابن ماجد) للكاتب والممثل الراحل عزيز عبد الصاحب (1937 ـ 2007) والتي تشكلت حبكتها في ذهن (عبد الصاحب) في ضوء قصيدة شعرية نشرها في مجلة الاقلام البغدادية عام 1975 عنوانها (نداءات عند عبارة ابن ماجد) حولها الى مسرحية درامية ونيط اخراجها الى اكثر من مخرج في الفرقة القومية للتمثيل انذاك فقرأها قاسم محمد ومحسن العزاوي وأحبا اخراجها ، الا انهما كانا مشغولين باخراج مسرحيات اخرى الى ان وصلت الفنان سعدون العبيدي فقرر العمل على اخراجها فورا لما وجد فيها من صراع درامي محكم البناء وجدل حواري عال بين البحار ابن ماجد والقرصان فاسكودي غاما واللغة الشعرية ذات الصور الدرامية التي كتبت بها، فقبول العبيدي لاخراجها جاء بسبب كونها مسرحية جيدة الصنع تتوائم فكريا مع المسرحيات الكلاسيكية والطرازية العالمية التي تربى عليها العبيدي في ثقافته المسرحية المحافظة وايمانا منه بأن لا قائمة تقوم للمسرح العراقي بدون توافر النص المحلي الجيد.

نلاحظ ان أغلب النصوص التي اخرجها هي محلية اما كتبها بنفسه او لمؤلفين عراقيين اخرين كمعاذ يوسف وعزيز عبد الصاحب وغيرهم ، كانت اضافة العبيدي الجوهرية إخراجيا على نص ابن ماجد هي في ايجاد مبنى تشكيلي وتكويني يحول معطيات النص البحرية الى حالة اجرائية بصرية على خشبة المسرح فصمم العبيدي ديكورا طرازيا فخما لسفينة بحرية عملاقة ـ فهو رسام بارع يرسم ديكورات أعماله بنفسه ـ نفذها السينوغراف المصري (صلاح حافظ) وعمل ميزانسينات حركية للممثلين ابرزت قيمة الصراع بين القرصان البرتغالي والبحار العربي .

اغرت ثيمة المسرحية (قتل الخبرة العربية) العبيدي في انتاج قراءة اخراجية من مفهوم استغرابي ـ عكس استشراقي ـ لفهم الشرق للغرب من جهة وتعديل مسار الحكاية الشائعة والمغلوطة عن البحار العماني ابن ماجد في انه من عبد الطريق للبرتغاليين في الوصول الى الهند للحصول على التوابل لقاء رشوة مادية كبيرة .. اي قراءة تصحيحية للتاريخ تعيد القيمة الاعتبارية والاخلاقية للبحار العربي ، اكتشف العبيدي الجانب النفسي المؤامراتي للصراع بين الشخصيات على ظهر السفينة فاختار ممثلين داخليين (جوانيين) في تعبيرهم الصوتي والحركي هما الراحلين (سامي السراج )و(حسن عبد) لتمثيل شخصيتي (ابن ماجد) و(فاسكودي غاما) لديهما القدرة على تثوير الداخل وما يعتريه من لحظات غليان او هدوء .. هيجان وانبساط لادامة عنصر الصراع الدرامي واسند دور الام الافريقية لـ(ازودوهي صاموئيل) وكانت هناك جوقة افريقية غنت ورقصت بانغام افريقية شجية وكانوا بحارة السفينة ، واشترك الممثلون غازي الكناني وكنعان علي وشهاب احمد وطه درويش وصلاح مونيكا وغيرهم في اداء الشخصيات الاخرى ، قدمت المسرحية على خشبة مسرح الرشيد في شتاء عام 1982 وعرضت مدة عشرة ايام متتالية حضر في اخر ايامها وزير الاعلام في نظام البعث المقبور لطيف نصيف جاسم بمعية احد الفنانين الرواد حيث شاهدا جزءا من المسرحية وخرجا في الربع الاول من بدايتها بعد ان اشار الرائد المسرحي للوزير بان المسرحية لا تصب في خدمة عنوان (مسرح المعركة) العنوان الايديولوجي لعروض تلك الفترة فتوقف عرض المسرحية وغمط حقها في التمثيل المسرحي الخارجي او عرضها في الداخل اسوة بعروض الفرقة القومية الاخرى ، واعيد عرضها بعد عشر سنوات في احتفالية عيد تاسيس الفرقة القومية للتمثيل كواحدة من عروض الفرقة المتميزة وبنفس الكادر تقريبا وحل الممثل (عبد الستار البصري) بديلا عن الممثل (سامي السراج ) الذي سافر الى الاردن في دور ابن ماجد ، وحل كاتب السطور بديلا للممثل كنعان علي في دور ابن ماجد صغيرا .