الفنـــان سعدون العبيـدي .. مخرجاً ومعلماًومكتشفـا..

الفنـــان سعدون العبيـدي .. مخرجاً ومعلماًومكتشفـا..

عبدالرحمن التميمي*

يعد الحديث عن فنان عراقي بحجم الاستاذ المخرج (سعدون العبيدي) ، مؤسس ومدير (فرقة مسرح الرسالة عام 1972) ، حديثا لا يخلو من خفايا تاريخ طويل يحمل بين طياته احداثا ومواقف كثيرة عن تاريخ المسرح العراقي منذ خمسينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا . بل وأسرار وخفايا هذا الفن الساحر الذي يطلق عليه فن المسرح .

كان لي الشرف ان اتعرف على استاذي (سعدون العبيدي) منذ مطلع الثمانينات حين كنت طالبا في معهد الفنون الجميلة / بغداد .. في الدراسة الصباحية .. اذ كان يواظب على متابعة عروض الطلبة للصفوف المنتهية في المعهد وكان مهتما بمراقبة واكتشاف الطاقات لاستثمارها في تجاربه المسرحية .. اذ كنا نلتقي في مناسبات مسرحية لتبدأ علاقتنا تتوطد يوما بعد يوم .. حتى جمعنا لقاء يختلف عن جميع لقاءاتنا السابقة .. اثناء عرض مسرحيتي الصامتة (سيمفونية الضحكة) وهي من تأليفي وإخراجي وتمثيل (الفنان الراحل محسن والشيخ والفنان فاضل جتي والفنان الراحل عبد الوهاب عبد الحميد والفنان جبار عبدالكريم) وهي من انتاج منتدى المسرح في دائرة السينما والمسرح عام (1985) وبإشراف الاستاذ الفنان (مقداد مسلم) ، في الطابق الرابع ، وبعد انتهاء العرض أصر الاستاذ (سعدون العبيدي) على إستضافتنا والاحتفاء بنا وإبداء اعجابه بالعرض وطلبه منا للانضمام الى فرقة مسرح (الرسالة) التي كان يديرها بوصفه مؤسس ومدير الفرقة ، ويساعده في الادارة الاستاذ الفنان الراحل والمخرج السينمائي (سلام الاعظمي) ، ومن هنا بدأت رحلة مغايرة تتجه نحو بناء جمالي جديد ودرس جديد وصف جديد مع الاستاذ والفنان الجمالي المميز (سعدون العبيدي) ..

تزامنت رحلتنا مع الفرقة متغيرات الحصول على مقر جديد نستطيع عبره اعادة كل النشاطات الفنية وبشكل سريع ، اذ تم اختيار مقر في شارع الرشيد بالقرب (من نقابة الفنانين حاليا) ، لتستمر اللقاءات وتنتج عروضا تراوحت ما بين الفن الصامت والمحكي ، ليلتحق بنا بعدها الفنان الراحل (حنين مانع) ، اذ قدمت الفرقة العديد من العروض المسرحية منها : ـ

اولى التجارب التي خضناها مباشرة مع الاستاذ (سعدون العبيدي مؤلفا ومخرجا) كانت مسرحيته الصامتة (صور من الحياة) عام (1985) ، وهي من شخصية واحدة يلعب ادوارها الراحل (محسن الشيخ رحمه الله) وكان تصميم الاضاءة للراحل (عبدالامير مهوس) والمؤثرات الموسيقية والصوت (عبدالرحمن التميمي) ومنفذ الاضاءة (فاضل جتي) والإدارة المسرحية (جبار عبدالكريم) ، وقد تم عرضها في بغداد ، ومن ثم انتقل العرض الى مدينة بابل ولمدة (تسعة ايام) على صالة مسرح (بهو الادارة المحلية) ، وهي عبارة عن عدة لوحات تتسم بالإنسانية العالية والشفيفة لرحلة انسان يتطلع نحو السلام والحرية والهروب نحو الفضاءات الرحبة وأجمل ما في هذا العرض تفاعل العائلات الحلّية مع تفاصيل العرض على مدى تسعة ايام .

اما التجربة الثانية فقد كانت مع عرض مسرحية (ايها الطائر لا يكفي ان تقول لا) وهي من تأليف وتمثيل (الراحل محسن الشيخ) ومن اخراج وتمثيل (عبدالرحمن التميمي) ، وإشراف الاستاذ (سعدون العبيدي) ومن انتاج (نقابة الفنانين المركز العام) اذ قدمت على خشبة المسرح الوطني في مهرجان (المسرح المقاتل) عام (1986).

وفي تجربة اخرى مغايرة اذ تم اختياري بطلا لمسرحية (نور والساحر) للفرقة القومية للتمثيل عام (1987) وبعد تمارين طويلة وبسبب خدمة العلم وقبل العرض بأيام قليلة اضطررت للانسحاب مرغما يملأني الكثير من الحزن .

اما التجربة الثالثة فكانت مع عرض مسرحية(تعويذة الكابوس مكعب) في مهرجان منتدى المسرح وهو عرض مونودرامي من تأليف وبطولة (عبدالرحمن التميمي) وإخراج (فاضل جتي) عام (1990) لتحصل على ثلاثة جوائز (افضل اخراج وتمثيل وإضاءة) .

اما التجربة الرابعة فكانت مع مسرحية (لعبة الخيول) لمنتدى المسرح عام (1993) وهي من تمثيل (د عبدالرحمن التميمي وجبار عبدالكريم) ، ومن تأليف وإخراج الراحل (حنين مانع) في باحة منتدى المسرح القديم . وحصولي على جائزة المركز العراقي للمسرح التابع للمركز العالمي .

وفي التجربة الخامسة تم تقديم العرض المسرحي (شكسبير والدمى) تأليف وإخراج الفنان الراحل (حنين مانع) على باحة منتدى المسرح .كما تم تقديم عدة عروض صامتة في مهرجان منتدى المسرح في منتصف التسعينات وما بعدها للراحل الفنان (محسن الشيخ) حتى توفاه الله عام (1999).

يعد الاستاذ الفنان (سعدون العبيدي) معلما من طراز خاص ، فهو يعتمد الانتقائية في إختيار نصوصه المؤلفة او المعدة او المترجمة بيديه ، ويؤكد في أولوياته على الممثل ، اذ يهتم بالتفسير والتحليل للشخصية في بروفات الطاولة بشكل كبير ، ويعد الممثل بالنسبة اليه الخامة الاساس التي سيضع عليه رسومات مخيلته الجمالية ، كما انه يهتم برسم المنظر بيديه فهو رسام بارع ومميز عبر فضاءات الفن التشكيلي التي يمازج ما بينها وبين فضاءات العرض ، دقيق جدا في تصميمه او اختياره لأزياء الشخصيات التي تملئ عروضه ، ويحرص على اداء الدور امام الممثل حتى لو كان محترفا ليس بقصد التقليد بل بدافع التحفيز لمخيلة الممثل في تطوير ادواته يوما بعد يوم حتى الوصول الى اليوم الاول للعرض ، كنت اراقبه بشغف وهو يعطي ملاحظاته للممثل ، كانت حساسيته عالية الدقة ومفرطة في نقل الشعور الى الممثل ، كما ان حاسته الجمالية وذائقته كانت من الدقة بحيث يتشارك مع التقنيين الاراء حتى الاستقرار على الصورة النهائية للعرض المسرحي .

كل الكلمات ومخرجاتها لن تستطيع ان تفي حق استاذي ومعلمي المبدع (الفنان سعدون العبيدي) بوصفه جماليا مغايرا ومكتشفا للكثير من الطاقات الشبابية منذ سبعينات القرن المنصرم حتى نهاية التسعينات ...

*الباحث الاكاديمي والمخرج المسرحي