حسن حنفي .. أنسنة الدين

حسن حنفي .. أنسنة الدين

علي حسين

"لقد منحني الله الصفاء لقبول الاشياء التي لا أستطيع تغييرها ، والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع تغيرها ، والحكمة لمعرفة الفرق"
رينولد نيبوز

أنهى الموت رحلة حسن حنفي قبل أن ينتهي من مراجعة جديدة لأحد أكبر العقول الفلسفية ، وأفضلها « فريدريك هيغل « . كان يأمل ان يختتم رحلته الفكرية بكتاب عن الفيلسوف الالماني الشهير الذي تعرض لسوء فهم حسب قول حنفي ، حتى نشأت صورة له مختلفة تماما عن هيغل الحقيقي الذي عاش وكّون فلسفته من خلال تجاربه الشخصية والظروف العامة لعصره. في كتابه ذكريات « وكان آخر مؤلفاته يكتب حسن حنفي :» لم يَبق لي إلا هيغل لبيان أهمية هذه الفترة من الفلسفة الغربية، فقد استطاع هيغل أن يُحوِّل الدين إلى فكر، والعقائد إلى حياة « .
حسن حنفي الذي رحل عن عالمنا قبل ايام قليلة ، لم تكن رغباته تقتصر على الكتابة والقراءة ، بل السعي لجعل الدين يكتسب افضل مظهر ممكن في مجتمع يعكس خيارات الناس واختلافاتهم الطبقية والثقافية . وقد استندت افكاره الفلسفية الى مرتكزات ثالوثية : (التراث ،والارث الغربي،والواقع ). فعلينا ان نعيد فهم التراث بما يناسب ضرورات الواقع وحاجاته ، ونتعامل مع الارث الغربي تعاملا نقديا لا مجرد نقل وترجمة ، وإنما إعادة انتاجه وإرجاعه الى أصوله ، كل هذا يتم باطار نظرية للواقع . يشرح لنا صاحب كتاب « الاستغراب « كيف أن الفكر عندنا لم يتحول الى تطبيق يمس حياة الناس : « عيبنا اننا نريد الانتقال من الدين الى الثورة من دون تحويل الدين الى فكر ، ثم ننقل الفكر الى الواقع « ، يكتب محمود أمين العالم : ان حسن حنفي لا يقف عند تجديد التراث بل يسعى « بجرأة وتَفتح واستنارة الى تجديد العقيدة نفسها ، فهو يحول علم الله الى علم الانسان « – محمود امين العالم مواقف نقدية من التراث – ولعل المشروع الأبرز لحسن حنفي هو ان ينقل التراث الى الانسان ، بمعنى ان يكون الانسان محور قراءة التراث ، فهو يسعى للجمع بين التراث والتغيير الثوري الاجتماعي ، هاجسه الاساسي هو الانسان الفاعل الحر المتجدد ، ولهذا اطلق على مشروعه الفلسفي اسم « التراث والتجديد « .
يتذكر حسن حنفي كيف ساعده سبينوزا على ذلك عندما عثر عليه اثناء دراسته في باريس عام 1956 : « كنت أقرأ كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة وأرتعش فرحا ، فهذا الكتاب ينتقل بي بين نقد التخلف الى نقد السياسة والخوف والمعجزات ونقد الاستبداد « وبعد عودته الى مصر وتعينه أستاذا في الجامعة ، كانت أول جملة كتبها على السبورة لطلبة الفلسفة هي عنوان كتاب سبينوزا « رسالة في اللاهوت والسياسة « ، فقد كشف له الفيلسوف الهولندي الذي عاش مطاردا بسبب آرائه الصادمة حول الدين والخرافات ، من ان حرية الفكر ليست خطرا على الايمان ، ولا على سلامة الدولة ، بل ان القضاء على حرية الفكر يشكل خطرا على الايمان والدولة .وعندما يقرر ان يترجم كتاب « رسالة في اللاهوت والسياسة « يُصدِر الكتاب بهذا الاهداء : « إلى من ينظرون إلى الكتب المقدسة نظرة علمية « . لم تكن ترجمة سبينوزا عند حسن حنفي محاولة للتعريف بفيلسوف مارس تاثيرا كبيرا على تاريخ الفكر البشري ، وانما كان الهدف منها هو استخدام افكار سبينوزا للتنبيه من خطر الاستبداد ، وعندما تعرض لحملة بسبب ترجمة رسالة في اللاهوت والسياسة باعتبار ان سبينوزا كافر ، يكتب :» انا اشرح سبنوزا وكانط كنوع من الحماية للمجتمع « – حسن حنفي مقدمة في علم الاستغراب – . يتعلم من سبينوزا ان الغرض من إقامة نظام سياسي ليس السيادة أو القهر أو إخضاع الشعب ، بل التحرر من الخوف : « أي إن غرَض التنظيم في المجتمع هو الحرية « – مقدمة رسالة في اللاهوت والسياسة - .
تتسم أعمال حسن حنفي في مجال التأليف والترجمة والتي تجاوزت الـ « مئة كتاب « بانها تُعلي من شأن الانسان ، وفي جميع هذه الكتب كان الراحل يسعى لأن يكون الانسان موضوع الفلسفة .
الصبي المولود في الثالث والعشرين من شباط عام 1935 ، في واحد من اقدم واعرق احياء القاهرة الشعبية « حي الشعرية « لعائلة من الطبقة المتوسطة ، الوالد يعمل عازفا لألة الترمبون ، وكان يأخذ ابنه ليتفرج على عالم الموسيقيين ، لكن الصبي الذي أغرم بأيام طه حسين وكتابات العقاد ، خطط لأن يصبح رساما ، درس فن البورتريت ورسم عدد من الموسيقيين مثل بتهوفن وشوبان الى جانب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ، مع مرور الوقت يكتشف ان الوقت الطويل الذي يقضيه في الجلوس على منضدة الرسم ، عليه ان يخصصه للقراءة وكتابة قصائد لم يسمح لأحد بقراءتها .في الجامعة وهو يدرس الفلسفة وجد نفسه وجهاً لوجه أمام معلم من طراز خاص ، أسمه عثمان امين ، أستاذ فلسفة يعشق ديكارت وينتقد الفلسفة الوضعية التي كان ينادي بها زكي نجيب محمود ويدافع عن كانط وهيغل ومن خلاله يدرك اهمية الاختلاف في الرأي وتبادل وجهات النظر، وكان قد تعرف فبل الجامعة على « عثمان امين « من خلال كتاباته التي كان ينشرها في مجلة الثقافة وخصوصا المقالات التي نشرت عن جمال الدين الافغاني الذي شغف به حسن حنفي وبكتاباته عن تحرير الامة الاسلامية ، وستظل في ذاكرته عبارة الافغاني الشهيرة « القوة هي دعامة الحق ، لا خير في حق لا تدعمه قوة « . بعد عودته من باريس ينشر مقالات عن الافغاني يؤكد فيها ان « تحرير الارض لا يتم إلا بالكفاح المسلح وهذا ما اثبته التاريخ « – حسن حنفي «الافغاني باعث النهضة الفكرية «– .
ستشغله قضية التحرر من الاستعمار ليجد في دراسة نشرها استاذه عثمان أمين عن الفيلسوف الالماني يوهان فيشته الدافع للعمل السياسي فينضم الى حركة الاخوان المسلمين ، لكن سرعان ما سيتركها بعد ان هاجم الاخوان ثورة مصدق عام ١٩٥٣ ، ووصفوه بأنه شيوعي، وأيدوا الشاه، ، عندها وصف توجههم باليميني، :» لان الإسلام مع التأميم وضد حكم الملوك، وأن الأفضل جعل الشعار كتابا وقلمَين وليس مصحفًا وسيفَين- بقصد شعار الاخوان المسلمين - فالمصحف والسيفان دعوة للقتال، والكتاب والقلمان دعوةٌ للعلم « – ذكرياتي - .
بعد ذلك يتذكر فيشته فيخصص له كتابا بعنوان « فيشته فيلسوف المقاومة « اعتبره الفيلسوف الامثل له « مازالت عباراته تصارع في نفسي ( الأنا تصنع نفسها ) « وهو يعترف ان فيشته غير حياته « لا يوجد مفكر اتصل بفشته إلا وغير حياته « . وسيكتب التلميذ حسن حنفي ، أولى مقالاته يشيد فيها باستاذه عثمان امين الذي يناقش كل شيء، ولا يفوته شيء، ويغريه أن يعيد صياغة المفاهيم الفلسفية والفكرية ، لتنشأ علاقة بين الأستاذ والتلميذ ، وفي قاعة الدرس يشرح الاستاذ كيف يمكن تطبيق نظريات ديكارت على الواقع العربي المعاصر، لكنه سيختلف معه حول أفكار محمد عبده ، الذي كان عثمان أمين يضعه في مكانة متميزة ، فيما كان التلميذ يرى يوجه النقد لـ «محمد عبده « لانه يعتبر أن العقل في حاجة إلى وصيٍّ ، وذات يوم يكتب الطالب حسن حنفي على السبورة «أُحِب محمد عبده ولكن حُبي للحق أعظم .»
في الجامعة سيثير اهتمامه زكريا ابراهيم مدرس الفلسفة العائد من باريس وفي جعبته الظاهراتية والفلسفة الوجودية. وكان يقول لطلبته ان الفلسفة توقفت عند أدموند هوسرل وهو الذي وضع اسس الظاهريات ، والذي ستمارس فلسفته فيما بعد تاثيرا كبيرا على افكار حسن حنفي .
تتسم معظم أعمال حسن حنفي بالنبرة التحليلة التي تطرح اسئلة حول الأزمات التي تعاني منها مجتمعاتنا ، حيث تأتي مناقشة الواقع في صدارة اهتمامات حنفي ، ليس فقط لأنها تعكس حقيقة المنهج الذي اختطه لنفسه ، بل لأنه شاهد على نمط التخريب الذي تتعرض له الثقافة الحقيقية .وفي تصديه لمشكل الفكر والحرية يحاول أن يصبح إمتداداً لفلاسفة التنوير ، فينشر أول كتبه عام 1976 « قضايا معاصرة» ، الجزء الاول منه بعنوان « في الفكر العربي المعاصر» ، وفي هذا الكتاب الذي تناول عددا من القضايا التي تهم واقع الثقافة العربية المعاصرة ، يلجأ حسن حنفي الى هوسرل وفلسفته الظاهراتية ، حيث يقوم بتحليل الظواهر الاجتماعية « لاقامة نوع من الظاهراتية الاجتماعية الهدف منها تجاوز المناهج الاكاديمية النظرية او التطبيقية من اجل اتصال مباشر بالفكر ورؤية مباشرة للواقع « – قضايا معاصرة الجزء الاول – ، وفي عام 1977 يصدر الجزء الثاني من « قضايا معاصرة « بعنوان « في الفكر الغربي المعاصر « ويحتوي على دراسات عن أشهر فلاسفة الغرب ممن ساهموا في تحديث مجتمعاتهم ، وفي هذا الكتاب يحاول ان يطبق منهجه في « الاستغراب « حيث يعيد كتابة الفكر الفلسفي الغربي من منظور شرقي يريد من خلاله التعبير عن الوضع الراهن للفكر العربي المعاصر ، وهكذا نجد ان الجزء الاول يعبر عن وضع « الأنا « والجزء الثاني يعبر عن وضع « الغير « وكلاهما يسلطان الضوء على عدد من القضايا الحيوية التي تهم المثقف العربي والتراث ، وهو الموضوع الذي لم يكف حسن حنفي يوما منذ عودته من فرنسا في منتصف الستينيات بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الفلسفة بالدعوة الى دراسته بكل ما يملك من حماسة وإيمان ، وبكل ما يتاح له من وسائل النشر ، كتب ، صحف ، مجلات ، وسينصب جهد حسن حنفي على تتبع موضوعة التجديد في التراث العربي ، فهو يرى ان التراث ليس مخزونا ماديا يظهر في كم هائل من المخطوطات القديمة وحوادث التاريخ ، وانما هو بالاساس مخزون نفسي لدى الجماهير يمارس تاثيرا مباشرا على حياتها وكثيرا ما يقف عقبة في في وجه محاولات الاصلاح :» لما كان التراث إذن ليس مخزونا ماديّا في المكتبات، وليس كيانا نظريا مستقلا بذاته، فالأول وجود على المستوى المادي، والثاني وجود على المستوى الصوري، فإن التراث في الحقيقة مخزون نفسي عند الجماهير. فالتراث القديم ليس قضية دراسة للماضي العتيق، فحسب، الذي ولى وطواه النسيان، ولا يزار إلا في المتاحف، ولا ينقب عنه إلا علماء الآثار، بل هو أيضا جزء من الواقع ومكوناته النفسية، ما زال التراث القديم بأفكاره وتصوراته ومُثله موجها لسلوك الجماهير في حياتها اليومية إما بعاطفة التقديس في عصر لا يسلك الإنسان فيه إلا مداحا، أو بالارتكان إلى ماضٍ زاهر تجد فيه الجماهير عزاء عن واقعها المضني» – حسن حنفي التراث والتجديد -
في السوربون يقرر ان تكون رسالته الاولى للدكتوراه بعنوان « المنهج الإسلامي العام» والتي أعجب بها المستشرق ماسينيون ، والرسالة الثانية بعنوان « من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل» التي أهداها الى أستاذه بول ريكور الذي سيتعلم منه أن الفلسفة إذا أريد لها أن تكون معرفة منظمة فينبغي عليها ان تسعى الى تجديد الموروثات القديمة للعصور القديمة، لأنه لا يمكن للمرء أن يكون له «مستقبل» إذا لم يكن له «ماض». لا يمكننا أن نأمل إذا لم يكن لدينا ذاكرة. ولكن يجب علينا إعادة تشكيل ذاكرة لا تكون تكرارية بل ذاكرة إبداعية. هذا هو أحد أهداف الفلسفة كما شرحها له بول ريكور ، وهو ما دفع حسن حنفي فيما بعد في معظم مؤلفاته واختياراته المترجمة، أن يتعامل مع الفلسفة على انها ليست مجرد تجميع لآراء ، أو رواية لأفكار معزولة ، وإنما مساهمة جادة وفاعلة في تغيير المجتمع ... عندما قدم رسالته « من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل» الى لجنة المناقشة قال عنها فيلسوف ومؤرخ للفلسفة الفرنسية اتين جيلسون «هذه أول مرة أرى فيها أحدا يدرس وحي إبراهيم بطريقة جان بول سارتر، يدرس القديم بلغة الجديد « .
يتعلم من هوسرل مثلما تعلم من سبينوزا وكانط وهيغل وفيورباخ وماركس ولسنج وتوما الاكويني ، إن كل مذهب من مذاهب الفلسفة یكشف عن جانب من جوانب الحقیقة . كان في الجامعة قد تعرف على فلسفة هوسرل من خلال استاذه زكريا ابراهيم الذي نشر في نهاية الخمسينيات سلسلة من المقالات عن الفلسفة الظاهراتية وهي الفلسفة التي لم تجد لها رواجا كبيرا في الثقافة العربية ، ولم تكن معروفة إلا في نطاق محدود ، حيث ترجم تيسير شيخ الارض نهاية الخمسينيات كتاب هوسرل « المدخل الى الفينومينولوجيا « ، وقد ايقن حسن حنفي وهو يقرأ كتابات هوسرل ان هناك في الفلسفة مناطق جديدة لم تكن مأهولة من قبل ، ومنها قضية الدين عند هوسرل والتي سيخصص لها حسن حنفي اكثر من مقال كان ابرزها بعنوان « فينومينولوجيا الدّين عند هوسرل « – نشر في مجلة الفكر المعاصر عام 1970 – ناقش من خلاله قضية الله عند هوسرل ، حيث يرى حنفي استنادا الى هوسرل ان الله لا يتدخّل في العالم، وليس له دور في حفظ العالم الخارجي، أو ما يعرف بـ «العناية الإلهيّة»، وايضا لا يتدخل في النّظام العقلي، وفي قوانين الرّياضة، وطبيعة الأشياء، والخلاصة: أنّ الله - عند هوسرل كما عند حنفي فيما بعد - غير فاعل في العالم، عكس تصورات اللاهوت الديني على اختلافها. لكن الله يتحوّل إلى موضوع حضاري عند هوسرل، الله كتطوّر وكفاية واكتمال، الله هو العقل الشّامل، يظهر من خلال الإنسان، وينظر هوسرل إلى اللّه بوصفه دليلًا على كمال البشرية ، ويكتشف حسن حنفي من خلال ظاهراتية هوسرل أن الإرادة الإلهيّة تتحقق بتقدم التاريخ وقوانينه ، وان لا فرق بين الله والتقدم البشريّ، ويجد حسن حنفي ضالته في محاولة إيمانويل كانط التفرقة بين الدين والكهنوت ، وان دين العقل يحتوي على قوانين ومبادئ عملية ضرورية ، بينما الكهنوت هو دين الشعائر والمظاهر الخارجية التي تقترب من النفاق والنفعية وتقع في الجهل والخرافة .
عاش حسن حنفي حياته مفكراً تصدى لمشكلات التراث والهوية والاسلام المعاصر ، مثلما تصدى لمشكلات الفلسفة بجميع جوانبها بوعي فلسفي وفكري منظم ويقض ، ولعل مشروعه “ مقدمة في علم الاستغراب “ الذي يؤكد انه وضعه اسسه بعد ان رأى أن التيارات العلمانية منفصلة عن التراث وتاريخها العربي، في حين أنها تربط نفسها بتراث وتاريخ الغرب، وأصبحت امتدادًا لروافد وجذور الغرب، ، فالاستغراب هو الوجه الآخر والمقابل من “الاستشراق”، فإذا كان الاستشراق هو رؤية الشرق فقط، فإن علم الاستغراب يهدف إلى فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر. ويرى أن مهمة علم الاستغراب رد ثقافة الغرب إلى حدودها الطبيعية بعد أن انتشرت خارج حدودها إبان عنفوانه الاستعماري في حوار مع مجلة العربي وردا على الاتهام باعتماده على المناهج الغربية على الرغم من مهاجمة الغرب في علم الاستغراب، يرد حسن حنفي: كثيرا ما يسألني الناس بعد أن أبدع أحد الأعمال، ما منهجك في ذلك؟ ومهما أجبت فإنني الخاسر. لو قلت إن منهجي تحليلي أو وصفي أو بنيوي أو جدلي، قالوا: فلم تنقد الغرب إذن ؟ أنت ابن الغرب. فأرد: ( وداوني بالتي كانت هي الداء). ومع ذلك يظل موقفي ضعيفاً. لو قلت إن منهجي هو منهج تحليل التجارب، ردوني إلى أحد المناهج الغربية، ( المنهج الظاهري) وأنا قمت برسالتي الأولى عن المنهج الظاهري في عام 1965. ولي كتابان بالفرنسية في تفسير الظاهريات وظاهريات التفسير.
على أية حال يبدو أن المنهجية ـ وهي السمة الغالبة في الفكر الأوربي ـ أصبحت الإطار المرجعي الوحيد لأي بحث عربي يبدع شيئاً. إن المنهجية مهمة بطبيعة الحال، وأنا أردت المنهجية التي أشرت إليها في ( التراث والتجديد)، لأن التراث هو حي بوصفه مخزوناً نفسياً. وأنا أحيل النص إلى التجربة الشعورية التي أحياها، وفي الوقت نفسه أنقل التجربة الشعورية إلى تجربة العصر وتجربة المجتمع. إن منهجي هو منهج تحليل التجارب، تحليل النص باعتباره تجارب حية، لأن التراث مازال حياً فينا، وهو من ثم إعادة اختيار بين البدائل، فإن لم يسعفني ذلك أبدعت بدائل جديدة لم يبدعها القدماء. صحيح أن لي منهجاً ولكن مهما تكلفت في المنهج فإن الغرب قد فاز وأصبح الإطار المرجعي الغربي هو مقياس الحكم باستمرار، وأصبح البحث العربي في موقف لا يحسد عليه لأن إبداعه يحال دائما إلى مذهبية غربية. قد نكون بحاجة إلى مزيد من الوقت والعمر حتى تتعدد مراكز الإحالة فيما يتعلق بقضية البحث” – مجلة العربي الكويتية حوار جديد حول التراث والتحررحزيران 1979-
يرفض حسن حنفي ان يوضع في خانة الفلاسفة ، وهو يرى انه صاحب فكر ، لان الفيلسوف لديه نظرية “ وانا ما ازال احاول وأجتهد وأفكر وأعيد تأويل الماضي ونقده “ . كما انه يسخر من الذين يصفون كتاباته بانها نخبوية ، فما يكتبه حسب قوله هو ثقافة وطنية تحرك المثقفين “ أحاول ان أحول الافكار الى المستوى الشعبي “ ، يسخر من الذين يصنفونه في خانة فكرية معينة فالتصنيفات بالنسبة له عديدة ، فهو عند السلفيين ماركسي، وعند الماركسيين سلفي . يصر على ان منهجه في قراءة التراث هو منهج تحليل النص التراثي الديني باعتباره تجارب حية ، وأن مطالب العصرهي التي يجب ان تكون أساسا لتفسير وقراءة هذا التراث .