لويس أراغون وإلزا تريوليه .إنشودة الحب والنضال

لويس أراغون وإلزا تريوليه .إنشودة الحب والنضال

غيث خوري

كل من يكتب عنه ملزم بكتابة شيء عن إلزا، لأنه يعتبرها ملهمته ومعلمته، وأنه لم يشع إلا بوجودها، وهو يرى أنه مادامت كذلك فكل كتابة عنه من دون الإشارة إلى أنها هي العبقرية، وهو انعكاسها، افتراء على الحقيقة . إنهما لويس أراغون وإلزا تريوليه .

لاشك أن لويس أراغون واحد من أهم الكتاب الفرنسيين وأكثرهم تأثيراً في القرن العشرين، كان أراغون روائياً وشاعراً وناقداً فنياً، وعضواً بارزاً في الحزب الشيوعي والمقاومة الفرنسية، وبقي طوال حياته شخصية رئيسية في المشهد الثقافي الفرنسي، وقد عرف بأعماله السريالية إلى جانب اعتباره شاعراً للمقاومة .

لا يخفى على أحد أن “إلزا” هي المرأة التي جن بحبها أراغون فكتب عنها عدة مجموعات شعرية، "نشيد إلى إلزا 1941"، "عيون إلزا 1942"، "إلزا 1959"، "مجنون إلزا 1963"، لكن القليلين هم الذين يعرفون أن إلزا ليست مجرد معشوقة فحسب، إنها رفيقة درب أراغون وحامية هذا الدرب، هي الزوجة والملهمة، بل هي المركز الذي تشع منه أجمل قصائد الشاعر وأرقها .

التقى أراغون إلزا تريوليه في عام 1928 في مقهى في مونبارناس، وتزوجا في عام 1939 وبقيا معاً 42 سنة، وإلزا هي كاتبة من أصل روسي تنحدر من عائلة شاعر الثورة الروسية مايكوفسكي، وهي أول امرأة حائزة جائزة “غونكور” الأدبية الرفيعة من فرنسا عام 1945

وحكاية أراغون وإلزا ليست حكاية عادية إنها نوع من الأساطير التي استطاعت قدرة الحب الخلاقة أن تحولها إلى حقيقة، إنها أسطورة تحدث في عصر ودّع منذ زمنٍ بعيد عهد الأساطير والحكايات الخارقة التي تُحكى في ليالي الشتاء الطوال حول المواقد المتوهجة . وعن حبه الكبير يقول أراغون: “إلزا التي شاركتني الحياة والمستقبل شاركتني الآلام والعذاب . . إلزا التي شاركتني كل ما في الحياة من نبضات . . كانت هي مستقبلي . . وكانت هي شعري . . وكانت هي حروف المعرفة والمستقبل في حياتي” .

كما قدمت إلزا كل جهدها لمساعدة أراغون للاستمرار في عمله وإنتاجه الإبداعي، حيث كانت تصنع المجوهرات والحلي للصالونات الباريسية، ولكن إلزا بقيت في الوقت نفسه ملأى بالطموح والرغبة لتحقيق ذاتها على الصعيد الثقافي، واستمرت بالكتابة والنشر باللغة الروسية .

عاش الزوجان حياة مملوءة بالنضال والمقاومة، حيث انضما إلى حركة المقاومة في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي إسبانيا أيام حكم الطاغية فرانكو، كما وقف أراغون إلى جانب القضايا العربية، ودعم حركة التحرر في الجزائر من المستعمر الفرنسي، وعارض العدوان الثلاثي على مصر، وتحمل الكثير من الاستهجان والرفض الغربي نتيجة هذه المواقف .

وفي العام 1951 قرر الزوجان أن يتركا الحياة الباريسية الصاخبة، واشترى أراغون منزل “لي مولان” الواقع على وادي “ريمارد” وأهداه إلى زوجته ليكون لها منزلاً في فرنسا بعد أن غادرت موطنها الأصلي، كتكريم لها والتخفيف عن حياة الغربة التي كانت تعيشها، ولهذا المنزل تاريخ طويل يمتد إلى القرون الوسطى، وكان يشكل حتى قيام الثورة الفرنسية جزءاً من ملكية الأمير روهان روشفور .

وفي المبنى القديم، قام الزوجان بإنشاء صالة لاستقبال الفنانين والأدباء في إطار تكريس الإبداع وعرض لوحات الفنانين، وربما كان ذلك تعويضاً عن حياة اليتم التي عاشها أراغون إذ تعهدت برعايته جدته مارغريت، وهي التي أطلقت عليه اسم لويس أراغون، وكان أراغون يمضي الليل والنهار في تسويد الصفحات تلو الأخرى في مكتبه في الطابق الأرضي . وفي هذا المنزل كتب أعمالاً عديدة من عام 1951 إلى 1970 منها، “الأسبوع المقدس” 1958 و”الموت” 1965 و”الأبيض أو النسيان” 1967 و”إلى هنري ماتيس” ،1971 كما كتب في هذا المكتب “تاريخ الاتحاد السوفييتي” 1917 إلى 1960 .

وبعد وفاة إلزا لم يستطع أراغون العودة إلى هذا المنزل لما له من ذكريات عزيزة مع محبوبته التي أنارت درب حياته، وكتب فيها أجمل أشعاره “عيون إلزا” التي يقول فيها:

عيناك من شدة عمقهما رأيت فيهما وأنا أنحني لأشرب/ كل الشموس تنعكس/ كل اليائسين يلقون فيها بأنفسهم حتى الموت/ عيناك من شدة عمقهما . . أني أضعت فيهما ذاكرتي .

عن : الخليج الثقافي