أفريقيا و معوّقات الثورة الخضراء

أفريقيا و معوّقات الثورة الخضراء

ترجمة / عادل العامل
لقد أدت الثورة الخضراء، التي حصلت في المقام الأول نتيجةً للتطورات التكنولوجية، إلى تحسن تجهيز المياه و تطبيقات زراعية أفضل، إضافة إلى هذا، فإن المكننة الزائدة للعمليات الزراعية و استخدام معايير حماية النبات ساهما أيضاً في ظهور " الثورة الخضراء "

في بلدان كثيرة نامية في العالم، و بوجهٍ خاص في الهند، كما يقول الدكتور رافيندر رينا من جامعة بابوا غينيا الجديدة في مقاله.
و يُرى الآن أن مستويات الانتاج الزراعي في الهند أكثر انخفاضاً، فعلى سبيل المثال، كان معدل الناتج الزراعي خلال النصف الأول من القرن مجرد 0.8 بالمئة سنوياً. فالرز، الذي يشكل 50 بالمئة من إنتاج الحبوب الاجمالي، هبط في الفترة نفسها بمعدل سنوي مقداره 0.09 بالمئة بينما كان نمو السكان بنسبة 0.67 بالمئة سنوياً، و تراجع توفر الحبوب الغذائية لكل فرد بنسبة 26 بالمئة بين عامي 1911 و 1941. إلى جانب ذلك، أن المستوردات، التي بلغ متوسطها قرابة 5.9 مليون طن سنوياً خلال أوائل الستينيات من القرن الماضي، وصلت إلى رقم قياسي بارتفاع 10.4 مليون طن في عام 1955، و وجدت الهند نفسها في نوع من الوضع الذي تجد أريتريا و بلدان أفريقية أخرى كثيرة أنفسها فيه اليوم.
و توافقاً مع هذا، فإن الكفاح يشتد في أفريقيا بشأن أفضل الطرق لرفع انتاجية القارة الزراعية المنخفضة، و ضمان أمن غذائي طويل المدى و واسع الانتشار. و بالرغم مما يُتفَق بوجهٍ عام على أنه إمكانيتها الزراعية العظمى، فإن أفريقيا اعتمدت لوقتٍ طويل على المستوردات الغذائية و بوجهٍ خاص خلال أوقات الأزمات الطبيعية أو التي من صنع الانسان. فوفقاً للمفوضية الاقتصادية لتقرير أفريقيا، فإن هذه القارة تُنفق 25 بيليون دولار على المستوردات الغذائية و تتلقى مساعدة غذائية بقيمة(2) بيليوني دولار سنوياً، مع معاناة ثلث سكانها من جوع مزمن.
مع هذه الاحصائيات المتجهمة، يمكن للواحد أن يفكر بأن أية جهود لتعزيز إنتاجية أفريقيا الزراعية ستلقى الترحيب، و لكن الحال ليست هكذا مع هذا بسبب النزاع بين مؤيدي طريقتين مختلفتين أساسياً للزراعة. فمن جهة، هناك أولئك الذين يحثّون على التبني الواسع النطاق لأساليب " الثورة الخضراء "، كتلك التي تسببت في زيادات دراماتيكية في الانتاجية الزراعية في آسيا و أميركا اللاتينية في الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي،وهي تتضمن استخدام بذور تجارية هجينة بدلاً من البذور التي يدّخرها الفلاحون و السائدة الاستخدام في أفريقيا، كما تتضمن طرق الثورة الخضراء الاستخدام الكثيف للأسمدة و المواد الكيميائية المكافحة للحشرات الضارة. و عموماً، فإن هذه الطرق تتقبل أي ابتكار قائم على التكنولوجيا لتحسين محاصيل الحقول، بما في ذلك تعديل المورّثات.
و يعتقد بعض الخبراء بأن طريقة الثورة الخضراء ليست فقط غير مناسبة لأفريقيا، بل و تنطوي على إمكانية التسبب في الضرر أكثر من النفع. و في الوقت الذي تتسع فيه مجالات عدم اتفاقهم مع طرق الزراعة القائمة على التكنولوجية البايلوجية، فإنهم أكثر صخباً في معارضتهم لإدخال الحبوب المعدَّلة جينياً إلى أفريقيا.
و من الحقائق المعروفة هناك أن معظم الزراعة في أفريقيا يقوم بها فلاحون مالكون صغارلاستهلاكهم الشخصي. و الطرق المستعملة لا تختلف إلا قليلاً عن طرق الزراعة التقليدية المطبقة لأجيال عدة، مع شيء من الطرق الحديثة الانتقائية. و التطبيق التقليدي للحراثة المتغيرة استجابةً لتناقص خصوبة التربة لم يعد عملياً مع تزايد عدد السكان، أي أن التُرَب أصبحت تُستغَل من دون فترات راحة لاستعادة وضعها السابق، ما تسبب في تراجعات حادة و سريعة في الخصوبة.
إن السماد زاد غالي الثمن فوق تحمّل غالبية الفلاحين الصغار الواسعة في القارة الأفريقية. و تُستخدم طرق دعم التربة التقليدية المتمثلة في استعمال السماد الحيواني، و الرماد و السماد العضوي (أي المواد النباتية المتحللة)، بصورة غير ثابتة و غير منتظمة لأسباب متنوعة. و معظم الزراعة تتم اعتماداً على المطر، مما يخلق مشاكل إضافية حين تصبح المواسم أقل قابلية للتنبؤ بها و تزداد حوادث الجفاف، كما تتسبب الأمراض و الحشرات الضارة في خسائر فادحة في المحصول.
إن الجهود المبذولة للانكباب على الكثير من هذه القضايا على مر السنين قد ذهبت سدىً بفعل ضخامتها، و حجم القارة، و الافتقار إلى التمويل المدعوم الكافي و الإرادة السياسية، و عدم الاستقرار السياسي و أمور أخرى. و حيثما تبدأ قضايا الزراعة تكون موضع الاهتمام، فإن تحديات تنمويةً أوسع تجعل مع هذا الزراعة الأفريقية أقل فعاليةً بكثير في التخفيف من الفقر ما يمكنها أن تفعل، وقد كانت هناك نتائج مختلطة لجهود الحكومات المنفردة لمعالجة الكثير من القضايا ذات العلاقة و المؤدية إلى إنتاجية زراعية منخفضة على مر العقود.
و آخر الجهود البارزة الشأن للتوجه نحو هذه المشاكل الكثيرة تتضمن مقاربات جديدة لأمور سبقت تجربتها إضافة إلى استخدام ستراتيجيات جديدة. و قد عقد الاتحاد الأفريقي في نايجيريا عام 2006 مؤتمر قمة بشأن التسميد، و كان هدفه المعلَن هو إيجاد طرق تزيد دراماتيكياً فرص الحصول على الأسمدة أمام الفلاحين الأفارقة.
و تتضمن آخر الجهود الرفيعة الشأن للتوجه نحو هذه المشاكل الكثيرة مقاربات جديدة لأمور سبقت تجربتها،و كانت تلك هي المحاولة الأولى للانكباب على القضية على مستوىً قارّي، لكن لم تكن هناك سوى أخبار قليلة عما تمخض عن تلك القمة.
و المسعى الآخر الذي اتّسم بالتأكيد الشديد على التكنولوجيا البايلوجية هو (التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا) المشكَّل حديثاً. و يعتزم هذا التحالف على نحوٍ طموح معالجة قضايا توزيع أوسع للبذور الهجينة،و فرص وصول الفلاح إلى السماد و المواد الأخرى، و تدريب علماء محاصيل و عمال تمديد أفارقة أكثر، وغير ذلك من الأمور، و هذا أيضاً المسعى الأول للتعامل مع القضايا الكثيرة جداً ذات العلاقة بالزراعة عبر أفريقيا. و هاتان المبادرتان، و الكثير من المبادرات المتناثرة الأصغر المستندة على المبادىء العامة نفسها، تلقى معارضةً شديدة من شبكة من جماعات الفلاحين الأفارقة، و منظمات بيئية و غير حكومية متصلة بالموضوع، و ذلك لأسباب متنوعة، من بينها أن الأسمدة و الكيميائيات الزراعية تلوّث البيئة و هي غالية جداً و لا يمكن بالتالي استخدامها باستمرار، و أن التفكير بالثورة الخضراء يجعل الفلاحين معتمدين كثيراً على مواد المجهزين المتاجرين بالأعمال الزراعية.
و يؤكد هؤلاء المعارضون أن البذور المعدّلة التجارية يمكن أن تنتج غلالاً أفضل من تلك التي يدّخرها الفلاحون، في ظروف مثالية معينة، لكن هذه الظروف المثالية نادراً ما تتوفر في أفريقيا، و تؤدي بالتالي إلى غلال ليست أعلى درجةً، بل و أكثر كلفة من تشكيلات البذور الفلاّحية التي توارثها الفلاحون من جيل إلى جيل. هذا إضافةً إلى أسباب أخرى لمعارضة الثورة الخضراء في أفريقيا تتعلق بالأرض و استغلالها لمحصول واحد و فقدان التنوع الحياتي تبعاً لذلك.
عن / Africa Economhc Analysis