الحلة في خمسينيات القرن الماضي .. صراع سياسي بين حزبي نوري السعيد وصالح جبر

الحلة في خمسينيات القرن الماضي .. صراع سياسي بين حزبي نوري السعيد وصالح جبر

د. ستار علك الطفيلي

في عام 1949، قدم نوري سعيد طلبه الى وزارة الداخلية لتاسيس حزب الاتحاد الدستوري وقد اجيز الحزب وتألفت اللجنة العليا للحزب من نوري السعيد رئيسا وعبد الوهاب مرجان نائبا وخليل منة سكرتيرا وجميل الاورفلي محاسبا، ورشدي الجلبي امينا للصندوق

اشترك بالانتماء الى هذا الحزب اغلبية اعضاء النخبة السياسية الحلية، التي كانت تمثل لواء الحلة في المجلس النيابي، فبالإضافة الى انتماء عبد الوهاب مرجان واشغاله منصب نائب الرئيس، فقد انضم الى الحزب كل من: عبد المحسن الجريان وعبد المنعم رشيد وغانم الشمران وجعفر الصميدع ومخيف الكتاب ومهدي الهيمص وعبد الرزاق شرف(26)، وكذلك كان من اعضاء الهيئة الادارية للحزب أنور الجوهر وهو محام حلي معروف، وكذلك كان حسن علوان المطيري من المنتمين للحزب.

يتضح ان النخبة السياسية الحلية المنتمية لحزب الاتحاد الدستوري، هي من الملاكين ورؤساء العشائر المعروفين بثقلهم في منطقة الفرات الاوسط وارتباطاتهم الخاصة مع الكثير من الشخصيات العراقية المعروفة، اذ استطاع نوري السعيد ان يحقق بهم ومن معهم من المنتمين الى الحزب تكتلا قويا داخل المجلس النيابي، ولا سيما ان النخبة السياسية الحلية المنتمية لحزبه كانت جميعها في المجلس المذكور.ولم يكن حزب الجبهة الشعبية، الحزب الوحيد الذي انبثق عام 1951، ففي العام نفسه، قدم الح جبر طالبا الى وزارة الداخلية لتاليف حزب يسمى (حزب الامة الاشتراكي)، و اجيز الحزب في 24 حزيران 1951.

يذكر ان الاقطاعيين، وممن امتهنوا السياسة، هم الاغلبية الكبيرة في هذا الحزب ، كما ان الحزب لم يكن اشتراكيا كم هو واضح من عنوانه، اذ ان المنتمين اليه لا يعون مفهوما ولا معناها ، وجاء انتمائهم لمصالح شخصية، فالحزب يحظى برعاية الانكليز والبلاط، وكان ظهور حزب الامة الاشتراكي ممثلا برئيسه صالح جبر الى الساحة السياسية لموازنة القوى، لاسيما ان فكرة التعاون بين نوري السعيد وصالح جبر في عمل حزبي موحد باءت بالفشل، فجاءت الموازنة والصراع بين حزبين اتفقا على رعاية الصالح البريطانية، والسير في ركاب البلاط الملكي، أما الساسة البريطانيون، وابدو رغبتهم في صالح جبر كشخصية سياسية قوية يستطيعون بها مناوبة نوري السعيد عند الضرورة.

أما النخبة السياسية الحلية ، فلم ينضم منها لحزب الامة الاشتراكي سوى دوهان الحسن ، و السيد جعفر القزويني، وكان الاول من شيوخ العشائر البارزين ، وصاحب الاراضي الزراعية الواسعة ، أما الثاني فقد جمع بين الاملاك الواسعة ، و التجارة ، و الاراضي الزراعية.

ويبدو ان انتساب دوهان الحسن لحزب الامة الاشتراكي نوعا من الرد على نوري السعيد الذي منعه الاشتراك في انتخابات المجلس النيابي في دورته الثانية عشر ، وقد نقل الشيخ خوام دوهان الحسن المناقشة التي تحصل بين والده، والشيخ مخيف الكاتب المنافس للشيخ دوهان الحسن في المنطقة الانتخابية قائلا : « كان منافسه بالمنطقة المرشح مخيف الكاتب الذي كان من جماعة الباشا نوري السعيد آنذاك ، وفي الانتخابات قدم دوهان التامينات وهي مبلغ مئة دينار، اثناء الدعاية ارسل متصرف لواء الحلة ، واخبره بان يسحب التامينات ، ويتخلى عن الترشيح بأمر الباشا نوري السعيد، وتم فعلا سحب المبلغ وتخلى عن الترشيح»، اما السيد جعفر القزويني ، فقد كان من العناصر الفاعلة والبارزة في الحزب ، فهو أحد مؤسسيه ، كما انتخب لعضوية اللجنة العليا للحزب .

كان للسيد جعفر القزويني أثره المتميز في وضع منهاج الحزب ، الذي بحث في الشؤون الخارجية ، وأكد فيها تعزيز الاستقلال لكيان الدولة ، و القضية الفلسطينية ، وتكوين اتحاد يضم الدول العربية . اما في الوضع الداخلي، فتناول توطيد النظام الديمقراطي ، وضمان الحقوق الدستورية ، كما دعا الى الاخذ بمبدا الانتخاب المباشر، واصلاح الجهاز الحكومي وتطهيره من العناصر الفاسدة ، ثم عرض الحزب اهدافه في الشؤون المالية و الاقتصادية، وتلخصت في ثلاث اتجاهات ، نقدية وزراعية وتجارية ، أما الحقوق الاجتماعية فقد طمح الحزب الى تحقيق الضمان الاجتماعي، ومكافحة البطالة ، وتشجيع الحركة النقابية ، في حين اتجهت سياسته في الجانب الثقافي نحو نشر التعليم وترصينه، وجعل أداة لتكوين الشخصية.

كان حزبا الاتحاد الدستوري و الامة الاشتراكي ، كما وصفا بانهما حزبان قائمان على دعم سياسة الحكومة، لذلك تكونا عن طريق العلاقات الشخصية، لا عن طريق النظرة الى الواقع ، ومما يؤيد هذا ان اغلب المنتمين الى الحزبين، كانوا من الشخصيات النيابية، حتى يستطيع كل حزب منهما الحصول على الثقة التي يريدها ، ولاسيما ان المجلس الذي يمنح الثقة او يحجبها عن الوزارات التي تتعاقب على الحكم ، وبالتالي تستطيع الوزارة ضمان الاصوات ، واقرار المقررات والقترحات ، بل الحصول على ضمان لسيطرة سياستها ، لذا فان الاحزاب كانت تبحث دائما عن تكوين أغلبية لها في المجلس ، وهذا يفسر لنا كثرة حل المجلس النيابية ، وبالرغم من ان امد الدورة للمجلس المنتخب أربع سنوات، الا انه كان يحل في اقل من هذه المدة .

كانت النخبة السياسية الحلية، وقد شاركت هي الاخرى في الأحزب التي ظهرت في الفترة الممتدة بين عامي 1946-1953، وكان اغلبها ممن انتمى الى الحزبين الموالين للحكومة ، اما لمصالح شخصية لاعتقادهم بان هذين الحزبين قادران على تحقيق منهاجهما ، لانهما يحظيان بدعم البلاط ، ويمثلان وجهة نظر الحكومة ، وان الشخصين المؤسسين لهما بارزان في العمل السياسي ، ويملكان من الامكانيات و الدعم ما يكفي لمواصلة العمل .

عمل في الحزب الاتحاد الدستوري من النخبة السياسية الحلية ، كل من عبد الوهاب مرجان ، وعبد الرزاق شريف، وجعفر صميدع ، وعبد المحسن الجريان ، ومخيف الكتاب ، وعبد المنعم رشيد ، وغانم الشمران، وحسن علوان المطيري وانوار الجوهر، في حين عمل دوهان الحسن وجعفر القزويني في حزب الامة الاشتراكي ، وكان كل هؤلاء قد مثلوا لواء الحلة المجلس النيابي.

اما بقية الاحزاب والتكتلات التي ظهرت ، فلم يعمل فيها من النخبة السياسية الحلية سوى عبد الهادي الصالح الذي عمل في الجبهة الدستورية البرلمانية ، التي تألفت عام 1947 داخل المجلس النيابي ، في حين كان عبد الهادي الظاهر أحد اعضاء الجبهة الشعبية البارزين التي يرأسها طه الهاشمي .

ولو تفحصنا الخلفية الاجتماعية للشخصيات الحلية التي عملت في حزبي الاتحاد الدستوري و الامة الاشتراكي ، نجد ان معظمها من أصل عشائري ، وأصحاب أملاك لأراضي زراعية . أما بقية النخبة الحلية التي عملت في مجالس النواب او مناصب حكومية ، فان لم تكن مرتبطة ارتباطا فعليا بحزب معين ، رغم ان الكثير منها كان يحسب على هذه الجبهة أو تلك ، وتربط كل منهم علاقات مع شخصيات ترأست أحزاب ووزارات .

موقف نواب الحلة من انبثاق الحياة الحزبية في العراق 1946-1953م

م . التربية الاساسية جامعة الحلة 2010