ع.ن.ر

ع.ن.ر

علي حسين

ماذا سيحفظ التاريخ للمخرج الراحل عمانؤيل رسام ؟ وماذا سوف يذكر لسياسيّي الصدفة الذين رفضوا أن يمنح هذا الفنان الكبير راتباً تقاعدياً يليق بواحد من أجمل وأرقّ أبناء هذا الوطن ؟.

ترك “ ع.ن.ر “ وهو الاسم الذي انطبع في ذاكرة العراقيين منذ أن أطلّ حجي راضي على شاشة تلفزيون الابيض والاسود ، حيث قرر ان يُنسي المتفرجين انهم

يجلسون امام هذا الجهاز العجيب ،يتحدث فينصت إليه الجميع ، يحرّك يده فتذهب أنظارالعراقيين باتجاهه، يضحك فتنطلق ضحكات النساء والاطفال والشيوخ والشباب مجلجلة، ينهض فيستعدّ الجميع للذهاب معه ، ومع تحت موس الحلاق قدّم عمانؤيل رسام عشرات الأعمال الفنية التي تحترم قيمة الإنسان، وتبحث عن الخير والجمال، ، وتحاول ملامسة ذلك الجزء النقي في وجدان العراقيين ، بينما نوائب هذا الزمن لايزالون يحملون رصيدا هائلا من خطب الكراهية والتحريض على الطائفية والعنصرية، وسحق المواطن العراقي تحت أقدام العوز والطأنينة والامان.

مثال العراق عند “ عمّو “ وهي الكنية المحببة الى نفسه ، مثال إنساني متحضّر، وساعٍ إلى المحبة والبساطة وتألق العاطفة ، لكنّ وطن “ نادبات “ جبهة الإصلاح مزيف ورديء ومتخلف ، يثير الخوف من المجهول .

أعمال مثل “فتاة في العشرين “ و”تحت موس الحلاق “ و”حرب البسوس “ والايام العصيبة “ ليطة يوسف العاني “ ألبوم الذكريات “ بالضرورة أجمل وأحبّ إلى العراقيين من خطب مختار العصر وتقلبات عالية نصيف ودروشة صالح المطلك الذي اكتشفنا انه “ نبي “ مرسل الى العراقيين ، وجميع خرافات هيثم الجبوري الذي أخذ في الايام الاخيرة ينافس أبو علي الشيباني .

« ع.ن.ر “ كان مغرماً بما يقدمه، يعتقد ان الفن ومعه صدق المسعى ، سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة، كان حائرا في سنواته الاخيرة يسأل عن بغداد التي يعشق كل درابينها ، وعن الموصل التي شهدت صرخته الاولى ، ويقول لكل من يلتقيه : هل يعقل ان سياسيين جاءوا من أجل رفع الظلم عن الشعب نراهم أول من يمارس الظلم والخديعة باسم النضال والمنفى وسنوات الجهاد!

جاء هذا المسيحي النقي من الموصل إلى بغداد، شاب يحلم بعالم من الجمال والأضواء، كان عالم بغداد جميلا ومختلطا وملونا، في هذه المدينة التي كانت تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة ، التقى بسليم البصري مدرس الانكليزي المولود في واحدة من اقدم محلات بغداد الشعبية ، وبعادل كاظم القادم من البصرة يحمل بيده مسودات الذئب وعيون المدينة ، وبسيتا هاكوبيان المسيحية البصراوية التي كانت تسحره بـ “ تحب لو ما تحب”” ، وبالفتى القادم من الناصرية صباح عطوان الذي يحلم بقتاة في سن العشرين ، شكّلوا، مجموعة وأفراداً، نغما متناسقا يعزف السعادة لكل العراقيين .