من بدايات العلاقات الدبلوماسية بين العراق  وفرنسا

من بدايات العلاقات الدبلوماسية بين العراق وفرنسا

د.علي عبد الواحد الصائغ

تعود العلاقات الدبلوماسية بي ن العراق وفرنسا إلى مراحل متقدمة في التاريخ الحديث عندما كان العراق جزء من الدولة العثمانية، ذلك أن أول تمثيل دبلوماس ي قنصلي لفرنسا كان في مدينة البصرة عام ١٦٢٣، وقد فوض السفير الفرنسي في الأستانة رئيس الكراملة في البصرة عام ١٦٣٨،القيام بالمهام القنصلية و تسهيل أمور التجار.

(الفرنسيين فضلاً عن واجباته الدينية وشهد عام ١٧٣٩ نقلة نوعية في تطور التمثيل الدبلوماسي الفرنسي في العراق اذ اعتمدت الخارجية الفرنسية على دبلوماسيي ن مهنيين لشغل المناصب الدبلوماسية والقنصلية في العراق، إذ تم تعين بيردي (Pierre De Martinvill) مارتنفيل وقد حددت الخارجية الفرنسية مهام بالحفاظ على المصالح الفرنسية المتمثلة بتأمين الاتصال بين الهند وأوربا أولاً، ومراعاة المصالح(التجارية ثانيا.

أصبحت في عام ١٧٥٥ المقيمية الفرنسية في البصرة مؤسسة دائمة، وعين لها قنصل فرنسي، واستهدفت هذه

المبادرة الحد من النشاط الهولندي والبريطاني(. أما في بغداد فقد عينت الحكومة الفرنسية في عام قنصلاً لها (Perrie Bielee) المسيو بيري بيليه ٤ حتى وفاته في عام ١٧٧٣. وقد وفرت الحكومة الفرنسية الحماية اللازمة لقناصلها في العراق ليتسنى لهم القيام بواجباتهم بعيداً عن مضايقات السلطات العثمانية.

تراجع التمثيل الدبلوماسي الفرنسي في العراق في القرن التاسع عشر بسبب الأحداث الداخلية التي مرت فيها فرنسا وطبيعة الظروف الدولية التي كانت تحيط بها آنذاك نتيجة لأحداث الثورة الفرنسية وغزو نابليون لمصر. الا أن تلك المصاعب لم تكن تعني انعدام النشاط الدبلوماسي الفرنسي في العراق بل استمر حتى بعد تخلص العراق من الدولة العثمانية، ووقوعه تحت الاحتلال البريطاني في العقد الثاني من القرن العشرين.حاولت بريطانيا بعد تأسيس الدولة العراقية وتتويج الملك فيصل الأول في عام ١٩٢١ ملكاً على العراق الانفراد بالعراق وإبعاد أي نفوذ سياسي أجنبي عنه، وعلى نحو خاص فرنسا.

بالمقابل كان صانعو القرار السياسي الفرنسي ومبرمجو السياسة الخارجية الفرنسية يرون ضرورة إقامة وتطور

العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع العراق، بالرغم من عدم اعتراف فرنسا بفيصل ملكاً على العراق. وضمن هذه

النظرة تم تعيين المسيو مايكره (M.Mikrah قنصلاً دائماً في بغداد بدلا من القنصل المؤقت المسيو سوداف (M. Sudiev) .ومما يثير الاستغراب أن السلطات البريطانية شجعت تلك الخطوة التي لا تتوافق مع سياستها العامة في العراق،وطلبت من الحكومة العراقية الموافقة وعدم اتخاذ أي إجراء يقف عائقاً أمام تلك الخطوة لكي لا ينعكس ذلك سلباً على طبيعة العلاقات بين البلدين. وطلبت سلطات الانتداب من الصحف العراقية عدم التعرض لفرنسا وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط.وبالرغم من تلك السياسة المرنة التي اتبعتها سلطات الانتداب البريطانية والحكومة العراقية معا تجاه فرنسا، فإن الأخيرة لم تعترف بالملك فيصل ملكا على العراق واستمر الحال كذلك حتى عام ١٩٢٥ عندما اعترفت بشكل رسمي بحكم الملك فيصل في العراق، كما عينت قنصلا لها في الموصل هو المسيو بويش. (M.Buiche).

وفي عام ١٩٢٧ عينت الحكومة الفرنسية المسيو (Augie.N.Muriee) أوجيه.ن مورية قنصلا لها في

الموصل الأمر الذي دل على مدى اهتمام الحكومة الفرنسية بولاية الم وصل بسبب وجود النفط في كركوك

ووجود أقلية مسيحية فيها وربما هناك اعتبارات أخرى تعود إلى اتفاقية سايكس بيكو والاحتلال الفرنسي لسوريا

وعلاقتها بأقرب المناطق العراقية إليها.

استمرت العلاقات الدبلوماسية بين العراق وفرنسا بالاطراد والتقدم ولاسيما بعد استقرار الأوضاع السياسية

في العراق وسوريا ولبنان، ففي عام ١٩٢٩ عينت الحكومة الفرنسية المسيو بول لبيير لبسيه قنصلاً عاماً لها في بغداد خلفاً للمسيو ما يكره إلا إن الحكومة ال عراقية رفضت الاعتراف به وطالبت أن يكون لها وضعاً مماثلاً لما لفرنسا في العراق أي إنشاء قنصلية عامة عراقية في بيروت الأمر الذي رفضته فرنسا كلياً وفسرت الحكومة العراقية هذا الموقف برفض فرنسا الاعتراف بالعراق كدولة مستقلة وان اعترافها بالملك فيصل كان شكلياً و إنها تعد بريطانيا السلطة الرئيسية الوحيدة في العراق.و بعد مرور مدة ليست بالقصيرة قامت خلالها الدبلوماسية الفرنسية بالعديد من الاتصالات لتسوية تلك المسألة إذ زار المسيو لبسيه في مايس ١٩٣٠ م نوري سعيد وزير الخارجية وطلب منه اعتراف الحكومة به لاسيما بعد موافقة الحكومة الفرنسية على اقتراح الحكومة البريطانية بتعيين سكرتير عراقي في (بيروت يكون ضمن مسؤولية القنصل البريطاني العام.ألا إن الحكومة العراقية أصرت على تأسيس قنصلية عامة عراقية في بيروت، وعند ذلك سوف لا تمانع الحكومة العراقية في إصدار اعترا فها بالقنصل الفرنسي في بغداد.

تابعت الصحافة العراقية تلك المسألة بكثير من الاهتمام،وعدت مسألة فتح قنصلية عراقية في بيروت تعبير عن

مراعاة فرنسا للأصول الدبلوماسية في المعاملة بالمثل من جهة وبسبب وجود المصالح العراقية هنالك من جهة

أخرى، وحثت الحكومة الفرنسية للموافقة على ذلك وخاصة بعد تأخر اعتراف العراق بالقنصل الفرنسي في

.(بغداد. وأمام هذا الوقف المتشدد للحكومة العراقية غادر المسيو لبسيه بغداد إلى بيروت لمقابلة المفوض السامي الفرنسي هنالك والتشاور معه فيما يخص موقف الحكومة العراقية ودار الاعتماد البريطانية من تلك المسألة وحث الحكومة الفرنسية على فتح قنصلية عراقية في بيروت. وفي واقع الأمر أن التردد الفرنسي في قبول مقترح الحكومة العراقية يعزى إلى إن الحكومة الفرنسية كانت تخشى أن يتخذ السوريون تلك المسألة للمطالبة بالمثل وإنشاء قنصليات سورية في العراق وغيره.

وافقت الحكومة الفرنسية على المقترح العراقي بفتح قنصلية عامة له في لبنان إذ تم تعيين رشيد الخوجة أول

قنصل للعراق في سوريا ولبنان وكان مقره في بيروت بعد أن تعهدت بريطانيا بأن تكون تلك القنصلية تحت إشرافها. (من الناحية الواقعية. وقد فتحت الخطوة الفرنسية تلك أبواب التطور الدبلوماسي بين الطرفين العراقي والفرنسي فيما بعد، ففي عام ١٩٣٠ رفعت فرنسا تمثيلها الدبلوماسي في العراق إلى درجة (قائم بالأعمال،وبذلك أصبح المسيو لبسيه أول قائم بالأعمال لفرنسا في العراق،كما عينت «لويس لوكا Lousis Lwca قنصلا لها في الموصل.

وقد شجعت الخطوة الفرنسية آنفة الذكر الحكومة العراقية على التفكير في فتح قنصلية عراقية في باريس إذ

فاتحت فرنسيس همفريز المعتمد السامي البريطاني في العراق بذلك الخصوص الذي كان يرى ضرورة أن لا يكون التمثيل الدبلوماسي أحادي الجانب بل يكون على نحو متبادل بين الدولتين العراق وفرنسا وعلى قدم المساواة وعليه أجرى المعتمد السامي عدة اتصالات بذلك الخصوص وتكللت جهوده بالنجاح، إذ عين حنا خياط ممثلا للعراق في باريس.

عن بحث ( العلاقات الدبلوماسية للعراق مع الجمهورية الفرنسية(١٩٣٩ – ١٩٢١) م. القادسية في الاداب والعلوم التربوية 2007.