كلية الآداب في جامعة بغداد في سنواتها الأولى كيف أُختير موقع الكلية؟

كلية الآداب في جامعة بغداد في سنواتها الأولى كيف أُختير موقع الكلية؟

د.محمد عبود الساعدي

ان تأسيس كلية الآداب سنة 1949 جاء قبل تأسيس الجامعة فقد حدد موقعها في منطقة باب المعظم وتحديداً في بناية مدرسة الفنون المنزلية مقابل كلية الملكة عالية في الباب المعظم , وذلـك وفق مـا ذكــــر فــــي الكتــاب التعريفي لكلية الآداب.

وذكر الطلبة الذين دخلوا الكلية خلال تلك المدة ان بناية الكلية السابقة هي الان « ملحق المعهد الطبي التقني « في منطقة باب المعظم, ومع بداية تأسيس كلية الآداب كانت اقسامها الثلاث مجتمعة في مبنى واحد وهي بناية صغيرة وبسيطة على حد وصف صالح احمد العلي, احد اساتذة الكلية عند تأسيسها عام 1949.

وتصفها طالبة في قسم اللغة العربية آنذاك التي دخلت الكلية عام 1950 , ان بناية الكلية كانت في حالة غير لائقة فالجدران بعضها محطمة والمرافق الصحية بائسة وهي تتكون من طابق ارضي وطابق علوي واحد, وبعد افتتاح الاقسام الاخرى في العام الدراسي الثاني لم تكن البناية تكفي لكليتي الآداب والعلوم, لذلك اضطرت وزارة المعارف وادارة الكليتين الى نقل كلية العلوم الى بناية اخرى في منطقة الاعظمية وبقيت كلية الآداب تشغل وحدها البناية الموجودة في باب المعظم.

على الرغم من تواضع بناية كلية الآداب عند تأسيسها, كانت كافية بالنسبة لعدد الطلاب المقبولين, اذ يقتصر كل قسم من اقسامها على شعبة واحدة لكل مرحلة, الا ان البناية كان فيها قصور من حيث المستلزمات اللوجستية كالمختبرات والمكتبة وقاعة الندوات ونادي الكلية والساحات الخضراء, وكان ذلك طبعاً في السنوات الاولى من تأسيسها, لكن مع استمرار ادارة الكلية بافتتاح الاقسام العلمية الواحدة تلو الاخرى اصبحت بناية كلية الآداب غير قابلة لاستيعاب جميع الاقسام, مما اضطر ادارة الكلية الى استئجار دور قريبة من الكلية, فاصبح قسم اللغة الانكليزية معزولاً في مكان اخر وتحديداً في منزل كان مؤجرا للقسم قرب كلية العلوم في الاعظمية.

ويوضح لنا التقرير الذي اعدته « لجنة اساتذة الجامعات البريطانية « بعض تفاصيل بناية الكلية حين كانت في منطقة باب المعظم عندما زاروا العراق في عام 1953, جاء فيه:» ان بناية كلية الآداب لا يمكن اعتبارها بناية دائميه للكلية, لان المباني التي تشغلها غير مناسبة للأقسام واحتياجاتها, واشار التقرير ايضاً الى:» ان قسم الجغرافية والاثار اللذين يعتمدان إلى حد كبير على الخرائط والمساعدات البصرية والفنية, وبعض المواد المختبرية الثمينة الخاصة بدراسة قسم الجغرافية والاثار لا تتوفر له تلك المساحة والبنايات التي تجعل الدراسة فيه بشكل افضل ومريح للطالب.

وفي السياق نفسه, بينت اللجنة ان عدد القاعات قليل جداً وهي صغيرة بحيث لا يمكن عقد الندوات, او اماكن خاصة للاتصال الفردي سواء بين الموظفين او الطلاب, التي تعد ضرورية للحياة الاكاديمية, لذا رأت اللجنة ضرورة تغيير موقع الكلية فيما بعد وان يكون موقعاً مركزياً كي يتسنى لها ممارسة انشطتها الاكاديمية في الاقسام كافة.

ولعل اجمل ما في الموضوع قيام طلبة الكلية وعلى رأسهم استاذ الرسم حافظ الدروبي, بجهود مضنية لإقناع ادارة الكلية بتحويل مباني المرافق العامة الموجودة في حديقة الكلية المهملة منذ مدة طويلة الى مرسم وتخصيص مبلغ من المال من ميزانية الكلية لذلك الغرض, وبالفعل استطاعوا انجاز ذلك الموضوع وانشاء المرسم تحت ادارة الاستاذ حافظ الدروبي.

يلاحظ ان ذلك المرسم اول مرسم يؤسس على مستوى كليات العراق وهي بادرة اتسمت بها كلية الآداب, وهو موقف بليغ ومعبر عن روح التعاون بين اساتذة وطلبة الكلية وعن مدى الافق الواسع والثقافة التي تتمتع بها كلية الآداب.

مهما يكن من امر, كانت بناية كلية الآداب تعاني من بعض الاهمال عند زيارة لجنة الاساتذة البريطانيين لها, ولذلك اشار التقرير الى ضرورة تعيين موظف يسمى» المشرف على المباني» للإشراف على صيانة البناية بشكل كامل من توفير معدات بديلة واصلاح المكاتب وتنظيف النوافذ, وان عدم صيانة تلك البناية يعد اهداراً لموارد الكلية, كما ان وجهة نظر اللجنة البريطانية كانت في محلها اذ اصبحت بناية الكلية تضيق عاما بعد اخر نظرا لزيادة عدد الطلبة والاساتذة. إثر ذلك, وجهت عمادة كلية الآداب كتاباً الى «مجلس التعليم العالي» في الثلاثين من نيسان 1953 , طلبت فيه نقل مقر الكلية الى بناية دار المعلمين الابتدائية, الا ان هذا الطلب تم سحبه من العمادة نفسها بعد ايــــــــــــــــــام

عدة دون ذكر الاسباب, فوافق المجلس على الغاء الطلب.

يبدو مما تقدم, ان اخفاق مجلس التعليم العالي, فضلاً عن عدم شرعيته قانونيا, وفشله في تطوير الابنية المناسبة لكلية الآداب والعلوم, ومحاولة المجلس ضم دار المعلمين العالية الى الكلية, اثار حفيظة كثيرين بشأن المجلس مما ادى الى الغائه في حزيران 1953.

في عام 1956 , تم نقل بناية كلية الآداب والاقسام التابعة لها من موقعها في منطقة باب المعظم الى منطقة الاعظمية وتحديداً خلف المجمع العلمي العراقي وهي بناية مؤجرة من الحكومةلتتمركز جميع اقسام الكلية وملحقاتها في تلك البناية التي تشغلها كلية القانون(حالياً). وقد استوعبت تلك البناية معظم الاقسام التابعة لكلية الآداب, الا ان هناك وثيقة صادرة من وكيل عميد الكلية عام 1956 , أوضح فيها ان بناية كلية الآداب مقسمة على ثلاث بنايات, اثنتين منها في الاعظمية وجزء منها في منطقة باب المعظم. يبدو ان تلك البنايات كانت اثنتان منها لكلية العلوم والثالثة لكلية الآداب اذ اجتمعت معظم الاقسام كما ذكر ذلك عدد من الطلبة مسبقاً. وذكر الطالب بدري محمد فهد العاني الذي تم قبوله في الكلية في العام الذي نقلت فيه وهو العام الدراسي 1956-1957 , ان بناية الكلية الجديدة كانت اشبه بمدرسة ثانوية كبيرة لا تليق بمستوى اسم كلية الآداب الاولى على مستوى العراق, لكنها في الوقت نفسه كانت تفي بالغرض في حينها, وتم نقل بعض الاقسام منها بسبب زيادة اعداد الطلبة بعد سنوات عدة وتحديداً بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 , تم وضع نصب تذكاري في حديقة الكلية للشاعر الكبير معروف الرصافي, الذي اشتهر بقصائده الوطنية والمعارضة للحكم الملكي آنذاك.

هناك حقيقة ثابتة اتضحت لنا ادت الى نقل كلية الآداب في عام 1956 , هي انه لم يكن السبب الرئيس لنقل بناية الكلية الى موقع اخر من اجل الحصول على بناية جيدة تتسع لكلية الآداب او كما قررت لجنة الاساتذة البريطانيين قبل ذلك بضرورة نقل الكلية, وانما كان السبب المباشر الذي جعل الحكومة تقرر نقل بناية الكلية الى موقع اخر بسبب نشاط طلبتها السياسي من تظاهرات واضرابات كثيرة كانوا يطالبون فيها تحسين واقعهم الاجتماعي او لأسباب سياسية محلية او عربية, حتى اصبحت الكلية مركزاً لتمركز بقية طلبة الكليات وجعلها نقطة انطلاق للنشاطات السياسية والاجتماعية, وذلك ما اكده تقرير صادر من مديرية الامن, فضلاً عما ذكره طلبة كلية الآداب المعاصرون لتلك المرحلة.

احتوت البناية الجديدة لكلية الآداب في الوزيرية, على قاعة كبيرة استخدمت نادياً طلابياً وفي الوقت نفسه لممارسة الانشطة الاجتماعية في المناسبات الخاصة بالكلية. كما احتوت البناية على قاعة صغيرة استخدمت مرسماً لكلية الآداب, فضلاً عن مكتبة الكلية الخاصة اذ ضمت كتباً بمختلف الموضوعات وكان يقصدها الطلبة لغرض القراءة وكتابة البحوث(وبعض الحدائق الموجودة فيها.

وفي الواقع, لم تشهد ابنية كلية الآداب خلال مدة ما قبل تأسيس الجامعة وحتى خلال صدور قانون جامعة بغداد عام 1956 اي تطور يستحق الذكر. اما بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 , فقد حظي التعليم العالي باهتمام خاص تشكلت إثره لجنة لإعادة النظر في قانون الجامعة فصدر القانون رقم (28) لعام 1958, الذي الغى القانون السابق, وان اهم ما حققه القانون الجديد الاعتراف بقيام الجامعة وضم جميع الكليات القائمة اليها بما فيها كلية الآداب.

على اية حال, كانت مساحة بناية الكلية الواقعة في منطقة الوزيرية تبلغ 2742 متراً مربعاً, وذلك وفق دراسة اكاديمية تتعلق جامعة بغداد واضيفت قاعتان دراسيتان لبناية الكلية بعد عام 1962 (. ثم بدأت حركة دؤوبة لزيادة وتوسيع بنايات الكلية, اذ اشار العميد ناجي معروف في كتاب موجه الى رئاسة الجامعة في شهر تشرين الثاني 1964, الى أن العمل قائم في الكلية لبناء جناح للدراسة يتكون من ست عشرة قاعة ومسجد للطلبة, فضلاً عن الاعمال الانشائية الاخرى, وجاء ذلك التوسع نتيجة للزيادة في اعداد الطلبة المتقدمين والمقبولين في الكلية, فضلاً عن فتح بعض الاقسام الاخرى, اذ بينت دراسة في عام 1965.

عن رسالة: كلية الآداب والعلوم 1949 – 1968 دراسة تاريخية «