كيف صدر قانون الاصلاح الزراعي سنة 1958؟ وكيف جرت معارضته ?

كيف صدر قانون الاصلاح الزراعي سنة 1958؟ وكيف جرت معارضته ?

ليث عبد علي

يعد قانون الإصلاح الزراعي من جملة انجازات الحكومة العراقية في 14 تموز 1958 ,تم من خلاله تفتيت الملكية الزراعية الكبيرة , اعتمد على قوانين الإصلاح الزراعي المصري والهندي ,

لكنه لم يحقق اهدافه المطلوبة بسبب الإهمال وسوء التطبيق و تمديد مدة الاستيلاءعلى الأراضي الخاضعة للإصلاح الزراعي , ولم يأخذ بالحسبان التطور الزراعي , وكذلك لم يُميّزبين الملاكين العشائريين والإقطاعيين والملاكين المدنيين ,مما أدى الى الإضراربالإنتاج والحيلولة دون تنفيذ قانون الاصلاح الزراعي في حين ان الملاكين المدنيين كانون يقدمون خدمة للإنتاج الزراعي عن طريق مكائن الماء والآلات الزراعية والطرق الحديثة للزراعة , في حين لم يقدّم الملاكون العشائريون ذلك.كما ان القانون اقر مبدأ التعويض للملاكين في جميع الأراضي المستولى عليها وأهمل القانون مشكلة زيادة الإنتاج الزراعي , لذا لم يحقق.) ما كتب في وقته وَعدّ قانوناً.

لم يمكن تحقيق أهداف قانون الإصلاح الزراعي بصورة سريعة كالقضاء على الإقطاع وزيادة الإنتاج,إذ انشغل الفلاحون بتقليص نفوذ كبار الملاكين وشيوخ العشائر اكثر من تركيزهم على زيادة الإنتاج,وتباطأت الدولة بتجريد الفلاحين التي تزيد على المدد المقررة , ادى الى انخفاض الإنتاج) استيراد الحنطة بدلا من تصديرها) ولم ينصف القانون الاكثرية المطلقة من الفلاحين في الواقع ,كما انه لو طبق لشمل 11 % منهم وتبقى النسبة الاكبر من الفلاحين بلا ارض. وان معظم الاراضي التي شملها القانون بنسبة 11 % , اما الاراضي المملوكة ملكاً صرفاً فلا تشكل سوى %22,1 من مجموع الاراضي الخاضعة للقانون وهذا لايستحق اثارة حول عمليات الاستيلاء على الاراضي وان معظم الاراضي المستولى عليها قد عوضت ببدل مجز لها.

شرع قانون الاصلاح الزراعي وتمت مناقشته في مجلس الوزراء فلم يعترض عليه احد سوى العقيد عبد السلام عارف حول مساحة الارض الزراعية , طالب بان تكون مساحة ملكية الارض 11 دونم للاراضي المروية وبمساحة 511 دونم للاراضي التي تعتمد على الامطار, لكن لم يؤخذ برأيه. و قدعدَ القانون ثمرة حقيقية من ثمار ثورة 14 تموز 1958 إذ كان يهدف للقضاء على الاقطاع وازالة النفوذ السياسي للإقطاعيين لامتلاكهم مساحات زراعية واسعة , وكانوا يستغلون نفوذهم لمصلحتهم لاسيمامصالح الاستعمار.

ومن خلال وضع القانون كان المشرعون له يصبون الى تحقيق اماني الشعب على صعيد النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فمن الناحية الاجتماعية تحقيق المساواة في توزيع الارض والثروة بين فئات المجتمع الريفي, والقضاء على النظم القبلية والأحكام العشائرية وإلغاء السخرة , والتخلص من العلاقات الاحتكارية والظلم الاجتماعي وسوء توزيع الدخل. اما من الناحية الاقتصادية فكان يهدف الى اضعاف فئة الملاكين الكبار الذين يسعون لامتلاك المزيد من الاراضي الزراعية وتفتيت رأس المال من خلال تجزئة ممتلكاتهم وتوزيعها على مستحقيها من الفلاحين والذي يؤدي بدوره الى تطوير الإنتاج ورفع القدرة الشرائية والادخار للفلاحين. أما من الناحية السياسية فيهدف القانون الى تجريد الاقطاع من نفوذه الواسع في السلطة, من خلال تقليص امكاناته المادية والقضاء على الصراعات الطبقية الناجمة من العلاقات الاستغلالية التي تدعم انظمة الحكم , فهو يدعو الى تعبئة الفلاحين جماهيرياً وتوحيد قواهم السياسية من خلال جمعيات او نقابات.

حقق الفلاحون مطالبهم في 5 ايار 1959بصدور أول قانون لاتحاد الجمعيات الفلاحية, والذي سمح للهيئة المؤسسة له اجازة الجمعيات الفلاحية، وتشكلت الهيئة من الشيوعيين واليساريين والحزب الوطني الديمقراطي وكان الهدف منه تنظيم الجمعيات الزراعية التعاونية وتوفير احتياجات الفلاح ..و بسبب سوء تصرفات اعضاء الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية مع وفد جمعيات غير مجازة ومن خلال عراك الزكم عضو الحزب الوطني الديمقراطي واجبر اعضاء الهيئة التأسيسية لاتحاد الجمعيات للقاء المسؤولين في ادى الى وقوع معركة بين وفود الفلاحين والشيوعيين امام وزارة الدفاع تحت انظار ومسمع الزعيم عبد الكريم قاسم إذ هتفت الوفود)لااحزاب ولا حزبية احنا نريد جمعيات فلاحية).

في 13 حزيران 1959 توجه وفد ضم مجاميع من الفلاحين لمقابلة رئيس الوزراء وعرض مطالبهم المعتدلة وتشريع قانون الجمعيات الفلاحية , واثناء وصولهم الى مقر وزارة الدفاع اعترضهم اعضاء الحزب الشيوعي ومنعهم من الدخول وانهال عليهم بالضرب وبدد جمعهم , وعد هذا العمل إرهاب للفلاحين.أربك قانون الاصلاح الزراعي الزراعة في البلد واثر سلبيا على الزراعة,كما ولّد خلافات بين الفلاحين ومالكي الاراضي من جهة , وبين اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي من جهة اخرى ,كان من نتيجتها حصول نزاعات مسلحة وحوادث قتل بين الملاك والفلاحين, وكنموذج لذلك ما حاصل في 15 حزيران1959 بين محمد النصراوي والذي اطلق النار على خمسة من فلاحيه وقتلهم, وفي ناحية الاصلاح بلواء الناصرية واثناء التشييع هتف المتظاهرون في بغداد)يازعيمنا تعال وشوف فلاحنا يقتل عالمكشوف (وطالب زعيم قبيلة الشمر برسالة للزعيم بتعديل.) قانون الاصلاح الزراعي.وفي المنطقة الجنوبية هاجم الفلاحون بيوت مالكي الاراضي وسلبوا ونهبوا وحرقوا مافيها ولا سيما في لوائي العمارة والكوت , اما احداث القتل فكانت قليلة بين الطرفين.

لم يخل القانون من اوجه المعارضة والنقد , فقد عارضه المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم , ولا سيما بعد فشل الاجراءت في تطبيقه , وانظم اليه مجموعة من العلماء الذين عارضو القانون وحكومة الثورة على الرغم من اجراء التعديل عليه في 3 حزيران 1959. واستمر الحال حتى 8 شباط 1963 فقد الاقطاعيون وشيوخ العشائرالامتيازات والمواقع الاجتماعية والسياسية التي امتازوا بها طوال المدة التي سبقت اصدار القانون , وهؤلاء كانوا يرفدون الحوزة الدينية بالأموال والحقوق الشرعية والهبات والهدايا,وبسبب القانون انقطعت هذه الاموال بعد ضرب مصالحهم, فوقفوا معارضين لهوللحكومة,وقد شكل ذلك نقطة الخلاف بين رجال الدين في النجف الاشرف وعبد الكريم قاسم وحكومته في بغداد إذ بدأت الحوزة الدينية في النجف توجه الانتقادات الى الزعيم عبد الكريم قاسم وسياسته وتعارضها, وزاد شقة الخلاف عندما عدّ المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم الاراضي التي اخذت من ملاكيها بالقوة ارض مغتصبة غير شرعية لايجوز الصلاة فيها، ان الاراضي التي اخذت من الملاكين بالقوة ادت الى انخفاض الانتاج الزراعي وبدورها قلصت الاموال التي تدفع كفريضة الزكاة على الحاصلات الزراعية والثروة الحيوانية مما ادى الى انخفاض ايرادتها.

عن بحث (موقف النجف الأشرف من إعلان ثورة 14 تموز 1958)، مجلة كلية التربية للبنات 2014