التشكيلي الكوردي إسماعيل خياط ..الفنان والتراجيديا الإنسانية في جريمة الأنفال

التشكيلي الكوردي إسماعيل خياط ..الفنان والتراجيديا الإنسانية في جريمة الأنفال

لقمان محمود

شدّ الفنان التشكيلي إسماعيل خياط الإنتباه مرةً أخرى بمعرضه الجديد “الأنفال”، الذي أفتتح مؤخراً في غاليري متحف السليمانية، والذي نظمته مديرية الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة في كوردستان. حيث ضم المعرض (182) قطعة فنية كتمثيل لعدد ضحايا جريمة الأنفال ال (182000). حيث عكست هذه القطع الفنية مأساة الإنسان الكوردي في وطنه بين عامي (1987- 1988)، برؤية بصرية جديدة للعالم وللإنسان، ضمن مناخ لوني مترابط لأحلام الحرية والسلام في كوردستان الجديدة.

حيث يعد إسماعيل خياط أحد أبرز رموز الفن التشكيلي الكوردستاني، فهو عضو في جمعية الفنانين العراقيين، وعضو في نقابة الفنانين في كوردستان، وعضو في الرابطة العالمية للفنون

التشكيلية. ولأهمية هذا الفنان المبدع فإن (7-8) من أعماله الفنية تعرض بصورة دائمة في المتحف الوطني العراقي للفن المعاصر من أصل (25) عملاً فنياً. كما أن أعماله الفنية قد وصلت إلى أغلب صالات العرض في الكثير من المدن الأوروبية والأمريكية.

هذا بالإضافة إلى جهوده المتميزة في ديكورات العروض المسرحية، وفي ديكورات رياض الأطفال، وفي أغلفة الكتب الكوردية. ناهيك عن جهوده المثابرة في صنع السلام والمحبة، بقوة الريشة والألوان.
إلتقيناه في معرضه الشخصي بالسليمانية وسألناه:
- يوجد في معرضك الأخير الخاص بالأنفال، إيقاعات بنائية متداخلة، كتجسيد زمني لكارثة الأنفال. و السؤال إلى أي مدى تمضي بهذه القدرة التعبيرية الهائلة المليئة بالدقة و بالتفاصيل؟ و ماذا تريد أن تقول في هذا التداخل المأساوي بين الألوان؟
* الأعمال الفنية التي تشاهدونها الآن في معرضي هذا، هي إنتاج خبرة (45) عاما من الفن، حيث عشت لسنوات طويلة و أنا أجرب في الفن، و خصوصا التعبيرية التي طغت على أسلوبي الفني و لسنوات طويلة، و لا يخفى على أحد أنني و منذ أعوام و أنا أعمل ليل نهار على موضوع الأنفال، و في كل مرة يختلف عملي عن الآخر، و في كل مرة يدخل إلى عملي الجديد أفكار و طروحات جديدة، و ما زلت أعمل على هذا الموضوع، لأن مأساة الأنفال ليست كارثة الأكراد فقط، بل هي كارثة إنسانية كبرى، لذلك فعندما أرسم مواضيعي على هذه التراجيديا الكبرى، لا بد من نقل هذه التفاصيل بدقة على هذا الحدث الكبير بخطوطه و بألوانه.
في هذا المعرض، و في كل تجاربي السابقة تكون البداية هي فكرة تأتيني كوميض برق، فأرسم على قطعتين أو ثلاث من هذه الأخشاب، أو هذه الإسطوانات الكرتونية، إلى أن تثبت الفكرة تماما لطرح أفكاري بكل حرية من خلال الخطوط و الألوان، و هنا أقولها و بصراحة أنني كلما رسمت و كلما تطرقت إلى موضوع الأنفال إكتشفت أنني لم أكتشف فنيا إلا القليل عن المأساة، فهذه المأساة -أكررها مرة أخرى- ليست مأساة كردية فقط، بل أنها مأساة إنسانية كبرى، تضع الفنان أمام تجربة في غاية الإنسانية، و تضعه أيضا أمام إمتحان صعب و كبير و قاس و محزن. فأنا بطبعي فنان يُطغى على أعماله مسحة من الحزن لإكتشاف تفاصيل و دقائق أكثر فنية إزاء هذه الكارثة التي لم تشبع طموحي الفني حتى الآن، لذلك تجدون إزاء هذه القطع الفنية الصغيرة لوحات كبيرة، تحاول إبراز لون التراب و الحروق و الدخان، و تحاول أيضا الكشف عن المناظر الجغرافية للمؤنفلين.
ما أريد قوله إزاء هذه التجربة المتواضعة مقارنة بهذه المأساة الكبيرة: أنني ما زلت بين حين و آخر أعود إلى موضوع الأنفال، لكن بأشكال مختلفة و بطروحات جديدة كإستمرارية لرؤيايا الفنية التي تتشعب جذورها - دائما- إنطلاقا من تفاعل المتلقي و من آراء النقاد.
- إذن، لماذا كل هذا الإعتماد في هذا المعرض بالذات على ذاكرة الألوان و على ذاكرة الطفولة؟
* معروف عني في الوسط النقدي العراقي، كما هو معروف لدى كل من رافق أعمالي و نشاطاتي الفنية ، أنني من الفنانين الذين يستحضرون الطفولة في أعمالهم، حيث أعتبرها مصدرا هاما و كبيرا للوحاتي، فأنا من الفنانين الذين يستنبطون ذكرياتهم من الطفولة، تلك الطفولة التي ما زالت حية و منعشة في ذاكرتي. و أنا مدين لهذه الطفولة التي تسيل على شكل خطوط و ألوان على ذاكرة اللوحة التي لا تمل من مغامراتي التجريبية.
فعندما كنت طفلا قمت بتربية طير (حمامة أليفة) في بيتي.. هذا الطير كان يستمع لموسيقا الناي الذي كان يعزفه أخي الأكبر إبراهيم، و عندما مات هذا الطير دفناه بحزن شديد. هذه الحكاية جعلتني استعيد حالات أخرى مثل قساوة الإنسان على الطيور، و قساوة الطيور مع بعضها البعض، و التي ولّدت لدي أفكاراً جديدة جعلتني بشكل تدريجي أن أسلك مسالك و خفايا أخرى من خلال الرؤية التي هي الألوان و الخطوط و المساحات و الكتل، و هي نفس الرؤية التي أحاول بها دائما الإقتراب من موضوع الأنفال أو من مجزرة حلبجة. و كل ذلك خلال ذاكرة بصرية متكيفة مع طفولتي التي هي بشكل من الأشكال رمز للحياة و للسلام.
و الآن و بعد أن كبرتُ في العمر، و بعد أن كبرت الذكريات أشير إلى أن قابليتي الفنية اظهرت بشكل واضح ذكريات الطفولة كموضوع إبداعي لإثبات حاضري الممتد برؤياه إلى المستقبل.
- معروف عنك في الأوساط الفنية بأنك فنان السلام، كيف بدأت القصة؟ و هل رسالتك الأساسية في الفن هي السلام؟ و كيف إنطبعت هذه التسمية على فنانا الكبير إسماعيل خياط ؟
* برأيي كثير من الناس الخيرين في هذا العالم يتمنون السلام لأرضهم و لبلدهم و لشعبهم، كيف الحال بالفنان الذي يعتبر كتلة من الأحاسيس و المشاعر. نعم أرسم للسلام و أرفع صوتي عاليا كإحتجاج ضد جميع أنواع الحروب و الإضطهاد و الظلم و العنصرية.
فعلى الفنان أن يكون إنسانيا و أن يكون محبا لوطنه و لشعبه، و من خلال هذا الدافع الإنساني و الوطني و القومي كنت أسافر بين السليمانية و بين أربيل، رغم الخطر و رغم نقاط التفتيش، حيث كانوا يسألون الناس و من ضمنهم أنا ، لماذا تذهب إلى هذه المنطقة... لماذا سافرت و لماذا أتيت، هذه الأسئلة المحيّرة، جاءت بسبب الظروف السياسية التي أثرت لإحداث حرب داخلية في وطن واحد يدعى كردستان. هذا الوضع المحيّر في نقاط التفتيش زاد من تأملي في الصخور الجميلة النائمة على الطريق، و التي أوحت إليّ بأنها أيضا تعاني من الخوف و الفراغ، فتذكرت صخور طفولتي في نفط خانة ( قصبة قريبة من مدينة خانقين) و تذكرت طفولتي دفعة واحدة و بشكل مباشر، حيث كنت أثناءها في الصف الخامس الإبتدائي، و كنت حينها أقضي عطلتي الإسبوعية مع جدتي، كنوع من الحب و الحنين لها و للصخور و للرسم.
هذا التشابه بين هذه الصخور، و بين صخور طفولتي، قادني إلى فكرة إنسانية رائعة.
و هي لماذا لا أقوم بتلوين هذه الصخور الجميلة الخائفة، التي شاءت قدرها أن تقع في منطقة حساسة جدا و محرمة، و التي كانت سابقا تحت حماية (قوة حفظ السلام)، أقولها و بصراحة، لقد أثرت الفكرة بشكل برقية على أفكاري، حيث بدأت في البداية بكتابة صفحة بكل ما إختلج في صدري من خواطر و هواجس و حب عن هذه المنطقة التي كلما مررت بها تملكني مخاوف الحرب... و قلت في هذه الصفحة: كل الأكراد هم أخوة، لماذا إذن لا يجتمعون في هذه المنطقة للسياحة و للنزهة و للحوار و للحب و للغناء ، وللرقص، بل أن يقف الأخ مقابل أخيه و يده على الزناد. ثم كتبت هذه الخواطر حتى على الصخور و مزجتها بالألوان.
كانت النتيجة و الحمد لله إنتاج عمل إنساني على شكل قلادة ملونة جميلة تزين هذه الطبيعة الخلابة، و تغيرها من منطقة حرب إلى منطقة سلام و سياحة و ألفة و حب. و فيما بعد قدمت مذكرة لسكرتيرو رئيس الحزبين الرئيسين، كما قدمت مذكرة لأعضاء المكتب السياسي للحزبين. و هنا أنبه أنني لم أطلب الإذن و الرخصة، بل طرحت فكرتي لإنجاز عملي في هذه المنطقة.
و تم إفتتاح هذا المشروع في (20) آب 2000 بحضور الهيئة العليا للسلام و بحضور وفود من المثقفين. و هنا اريد أن أنوّه إلى أنني كنت قد جمعت مجموعة طلقات فارغة و قمت خلال مراسيم الإفتتاح بدفن هذه الطلقات تحت شجرة بيضاء كرمز للسلام.
تم كل ذلك بدافع إنساني محض.. فكان من نتائجه حوارا جيدا بيني و بيني الحضور، و بين المثقفين من الطرفين، و بين الهيئة العليا للسلام.
- أنت كفنان عالمي، لوحاتك الفنية منتشرة في السويد، النمسا، هولندا، إنكلترا، اليابان، المانيا، سويسرا، النرويج، فرنسا، دانمارك و فليبين.. هل تريد من خلال التجريب أن تؤسس مناطق جديدة للفن التشكيلي؟ و هل أسست مناطق جديدة للفن التشكيلي الكوردستاني؟
* بمعناها الواسع أقول نعم، و هي حصيلة جهودي من المعارض و المهرجانات الفنية التشكيلية العالمية، حيث وصلت لوحاتي إلى صالات العرض في الكثير من المدن الأوروبية و الأمريكية.. إضافة إلى إقامتي معارض شخصية في عدة دول أخرى من العالم.
إن التجريب و الجرأة في اعمالي الفنية يدفعانني دائما للخروج بعمل جديد، أحب أن يتفاجأ المتلقي بأعمالي، لأنني أفكر دائما بأن أكون صاحب “مشروع جديد” و صاحب فكرة جديدة كتكنيك للفن الكردي.و بهذا المعنى فأنا فنان متجدد و تجريبي حتى في أعمالي التي عرضتها في صالة الرواق ببغداد عام 1982، و بصدد ذاك المعرض أذكر أن أكبر فنان عراقي و هو فائق حسن كان قد قال للناقدة العراقية المشهورة مي مظفر: إن طروحات الفنان إسماعيل خياط إضافة جديدة للفن العراقي. هذا على مستوى الفن العراقي، فكيف الحال على مستوى الفن التشكيلي الكوردستاني.
- الفن التشكيلي هو لغة بصرية و حروف هذه اللغة هي العناصر الفنية المتمثلة بالكتلة و الفراغ و اللون و غير ذلك... و سؤالنا هو: أين الفراغ في هذا المشروع المعنون ب “ الأنفال” مقارنة بمشروعك السابق و المعنون ب “ ذاكرة الأنفال”؟
* ملاحظاتك صحيحة بالنسبة لهذا المعرض، و يعود السبب إلى أن الإزدحام الموجود في كارثة الأنفال من قتل و تشريد و تدمير هي التي فرضت شروط تقنية جديدة في هذا العمل، و رغم ذلك هناك فراغ ما من الناحية البصرية، إذا أنت ذهبت لمنطقة الأجساد الكثيرة و نظرت إلى الإبادة الجماعية من زاوية معاكسة لملاحظات البصر ستجد حتما فراغات طفيفة على شكل موسيقا متذبذبة بين هذه الأشكال المزدحمة بالخطوط و الكتل و الألوان.و بإمكاني القول أن الصفة الرئيسية في معرضي هذا هي الكتلة و إزدحام الخطوط و كثرتها و دقتها و تفاصيلها. لذلك أرى أن من الصفات المميزة لنجاح مشروعي هذا هو أنني - في هذا المعرض - متأثر جدا بالأنفال كمظهر بصري، و هذا ما دفعني إلى تجسيد الحالة كمشروع فني لأحوال (182000) مؤنفل. لذلك أرى أن هذه الفراغات الطفيفة بين الكتل و بين الخطوط أتت بطريقة فنية مغايرة لما تتطلبه الرؤية الفنية للوجوه المرسومة بين طبقات الأرض التي تكدست بالأجساد و التي شكلت حالة صحيحة للإزدحام الذي تسميه أنت بقلة الفراغ أو عدمه.
أما بالنسبة لـ “ ذاكرة الأنفال” فالأمر مختلف، لأن هذه اللوحات الـ “56” كانت عبارة عن وثائق فنية تدين المأساة و الجرائم و تذكير بالمعاناة التي نفذت ضد الأكراد في عامي 1987-1988، كحاجة ملحة لنصرة السلام من أجل مستقبل بدون حروب و بدون عنصرية.
جدير بالذكر أن هذه اللوحات الـ” 56” عرضت في مدينة “ليل” الفرنسية عام 2005، و فيما بعد نقلتهم من هناك إلى كوردستان تحت إسم ذكرى الأنفال من فرنسا إلى كوردستان.
- فنانا الكبير إسماعيل خياط ... معرضك الأخير يتالف من (182) قطعة فنية، و عدد المؤنفلين( 182) ألف، و حسب ما قرأته في دليل المعرض، و حسب ما سمعته منك شخصيا هو أن هذه القطع الفنية ال(182) سوف يتم على شكل مشروع كبير و لكن بقامات أطول و بمقاسات تتناسب مع رؤيتك الفنية لتخليد ذكرى هؤلاء المؤنفلين.. حبذا لو تكلمت لنا عن هذا المشروع؟
* عندما أنجزت مشروعي هذا و تأملته أكثر من مرة، وجدت أن هذه الأشكال الخشبية و هذه الإسطوانات الكرتونية لو كانت على علو و سمك كبيرين و متناسبين لكانت ذا معنى أكبر، و خاصة إذا تم جمعها في مكان معين و بتوزيع معماري مؤثر و جديد و صحيح.أنا لم أقطع الأمل في مشروعي هذا، فبين حين و آخر، و بين يوم و آخر، أزداد تصميما على هذا المشروع الإنساني الكبير، و أملي أن يتحقق هذا المشروع.
إنك ترى معرضي هذا الشبيه بغرفة ملونة فيها الكثير من الأعمدة و الدمى الملونة، لكن تخيل ذلك عندما تكبر هذه الأشكال و تغرس في مساحة أرض واسعة... بكل تأكيد سوف تتحول إلى غابة ملونة، لجذوع الأشجار و للأعمدة و للإسطوانات..أنا أتخيل هذه الأشكال الملونة و كأنها أذرع بشرية مفتوحة للسماء.
و لدي فكرة إضافية إذا ما تحقق هذا المشروع، و هي كتابة اسماء جميع المؤنفلين على هذه الأشكال و الإسطوانات بطريقة المزج بين الخطوط و الوجوه و الأجسام. و سوف يتم ذلك بضرب الأعداد (182) بالرقم (1000) للحصول على العدد الإجمالي للمؤنفلين. و هذا ما كتبته في مقدمة دليلي عن هذا المشروع كمقترح جاهز للتنفيذ إذا ما تلقيتُ الدعم من حكومة كوردستان أو من أي جهة ثقافية.
- ماذا ستفعل بهذا المشروع إذا لم يتحقق لك هذا الدعم؟
* سأحاول أن أنجز هذا المشروع بطريقة فوتوشوب، أو عن طريق إمكانيات الكومبيوتر الثلاثي الأبعاد، حينها بإمكاني تصميم نماذج لتجسيم فكرتي و توضيحها إذا ما مزجنا هذه النماذج المجسمة مع الطبيعة، أو إذا ما وضعناها في مدخل مدينة من المدن الكردية.
- أفكارك دائما جديدة و مبتكرة و إنسانية، و هنا سأتطرق إلى دورك البارز في النشاط المدرسي في السليمانية، هذا الدور المتمثل في إيصال رسوم أطفال السليمانية إلى العالم.. حيث حصد هؤلاء الأطفال جوائز ذهبية وبرونزية و شهادات تقديرية... هل تعطي للقارئ فكرة عن هذا الدور الذي قمت به و ما تقوم به حاليا من خدمات جليلة للفن التشكيلي الكردي؟
*بطبيعة عملي كرسام في مديرية النشاط المدرسي في السليمانية ركزنا أنا و زملائي على ضرورة إيصال إبداعات أطفال كردستان إلى المعارض الدولية و بالفعل كنا نتلقى بين حين و آخر دعوات بهذا الشأن عن طريق وزارة الثقافة ووزارة التربية. و كل ما نفعله هو إختيار العمل الجيد، و إرساله إلى المعارض الدولية للأطفال. حيث أرسلنا رسومات كثيرة إلى اليابان، بلغاريا، القاهرة، و بعض الدول الأوروبية.
شخصيا كنت سعيدا لأن أطفالنا يحصلون على هذه الميداليات الذهبية، البرونزية، الفضية.. بالإضافة إلى شهادات تقديرية، لأنني أحب الأطفال و أحب الطفولة كطفل كبير، يفيد و يستفيد من عالم الطفولة الفطري و البريء و هذا ما دفعني في عام 1968 إلى إقامة معرض شخصي في قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في بغداد تحت إسم “ أنا و فن الطفل” حيث إتسمت أحد لوحات هذا المعرض بلوحة مشتركة بيني و بين طفل، هذا الطفل الفنان كان قد رسم صورة جميلة، و أنا أكملت هذه الصورة، و من ثم وضعتها في صف بقية أعمالي التي كانت ظاهرة بإمتياز في معرضي. إضافة إلى هذه المعلومات أحب أن أضيف إلى إنني من خلال زياراتي لفرنسا و لبريطانيا و لنرويج كنت أزور مدارس الأطفال في هذه البلدان بغية إلقاء دروس خصوصية أعرفهم فيها على فنون أطفال كردستان و أعلمهم أيضا طريقتي في رسم وصنع الأقنعة..حيث قمت بإلقاء دروس في رسم الطفل الأوروبي لأقنعته الخاصة بالمهرجانات، حيث أثارت دروسي إهتمام الهيئات التدريسية في تلك المدارس، كما أثارت لهفة الصحافة في هذه البلدان، و خاصة بيب سايت الفرنسية.
- يعرف عن نشاطاتك الأخرى من ديكورات للعروض المسرحية و ديكورات لرياض الأطفال، و تصميم أكثر من (45) غلافا للكتب الكردية.. و السؤال إلى ماذا يطمح الفنان الكبير إسماعيل خياط؟
* طموحي لا حدود له، فكلما أنجزت مشروعا فكرت في مشروع آخر، لأن طبيعة عملي بالدرجة الأولى مع الإنسان، الإبداع، الفكر، الأدب و السلام، أي أنا مع الكائن الإنساني الذي أكنّ له إحتراما كبيرا أيا كان. لذلك فأسئلتك الذكية تهمني كثيرا، و خاصة أنك تعرف عن ممارساتي و نشاطاتي الكثير الكثير،و كل ما سأقوله عن طموحي يتلخص في أن أقدم شيئا يُسعد الإنسان و يُسعد من حوله الأحجار و الأشجار و البيوت و الأنهار.. فعلى سبيل المثال عملت مع مدرسة الأيتام للأطفال، حيث شجعتُ هؤلاء الأطفال على أن يلونوا ملابسهم، و أن يلونوا الأشجار و الأحجار و الصخور... و هذا العمل نوع من السعادة قمت بتحقيقه كمشروع تابع لمنظمة اليونيسيف. كما قمت في اليوم العالمي للطفولة بجلب أطفال خانقين كي يلونوا معي صخور أطراف نهر الوند، حيث لوّنا مساحات شاسعة من ضفاف هذا النهر الحزين بسبب الجفاف.
في النهاية أستطيع القول أن طموحي هو جلب نوع من السعادة للإنسان و للطبيعة و لجميع الكائنات من خلال الألوان. و هذا ما فعلته مع نهر الوند، كنوع من الإحتجاج على هذا الجفاف المقصود. فكما تعلم أن مياه نهر الوند يأتي عبر الحدود الإيرانية، ماراً بوسط مدينة خانقين. لكن تم في الفترة الأخيرة سد هذه المياه بالسدود مما أدى إلى سجن هذه المياه كي يبقى نهر الوند ناشفا و يابساً. هذا الحدث جعلني أرسم أسماكاً كبيرة بالأوراق الملونة، و توزيعها على اليابسة بشكل يثير الإنتباه و الفرح لكل من يمر على الجسر الأثري في خانقين.