رشيد الخيون المبتلى بالثالوث المعرفي

رشيد الخيون المبتلى بالثالوث المعرفي

إبراهيم محمود

بين اعتباره باحثاً في كل ما يصله بالشأن

العراقي، في مكوناته الدينية مرجعاً، واعتباره مفكراً، وهو يتعدى حدود البحث، لحظة الذهاب بالمقبوس إلى ما وراءه وتبيّن نسابته الثقافية وقيميّتها، وتأهله بالرؤية النقدية بصدد ما يبحث فيه ويتفكره وينهم به من وجوه عدة بغية تلمس المفارقات العالقة، يحمل العراقي رشيد الخيون كتابه الثقافي الكبير والمنير بأكثر من معنى في يمينه٠

يغامر رشيد الخيون في وضع إيلامي، حيث لا أعتقد أن هناك من يحسده فيما يقوم به ومنذ عدة عقود زمنية، طالما أن الذي تحقّق باسمه من كتابات لافتة بتوازنها البحثي-الفكري- النقدي، يتطلب جهوداً ومكابدة روحية، وخصوصاً حين ينتمي بداية إلى محيط جغرافي معتبَر هو العراق، وتالياً إلى محيط جغرافي أكبر هو العالم العربي، وثالثاً، حين يصار إلى ربطه بأوقيانوس برّي مأهول بألسنة وشعوب، أي العالم الإسلامي، وأن أنسى لا أنسى، فهو انتماؤه المقدَّر إلى ما هو إنساني، وهو الذي صيّره هكذا.بين اعتباره باحثاً في كل ما يصله بالشأن العراقي، في مكوناته الدينية مرجعاً، واعتباره مفكراً، وهو يتعدى حدود البحث، لحظة الذهاب بالمقبوس إلى ما وراءه وتبيّن نسابته الثقافية وقيميّتها، وتأهله بالرؤية النقدية بصدد ما يبحث فيه ويتفكره وينهم به من وجوه عدة بغية تلمس المفارقات العالقة، يحمل العراقي رشيد الخيون كتابه الثقافي الكبير والمنير بأكثر من معنى في يمينه، رغم أن ذلك وضع إيلامي، حيث لا أعتقد أن هناك من يحسده فيما يقوم به ومنذ عدة عقود زمنية، طالما أن الذي تحقّق باسمه من كتابات لافتة بتوازنها البحثي-الفكري- النقدي، يتطلب جهوداً ومكابدة روحية، وخصوصاً حين ينتمي بداية إلى محيط جغرافي معتبَر هو العراق، وتالياً إلى محيط جغرافي أكبر هو العالم العربي، وثالثاً، حين يصار إلى ربطه بأوقيانوس برّي مأهول بألسنة وشعوب، أي العالم الإسلامي، وأن أنسى لا أنسى، فهو انتماؤه المقدَّر إلى ما هو إنساني، وهو الذي صيّره هكذا.

العراق الغيور بعقله

يعتبَر رشيد الخيون في صدارة المعنيين بالحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي في العراق، ومقاربة مغذياته، متحرياً دور الفاعل الديني وتشعباته، وكيفية تشكل المذاهب الدينية وتلاوينها، ومن ثمة بروزها في مواقع مختلفة فارضة حمولتها القيمية بظلالها ورداتها العنفية كما هي تلال الجليد العائمة على مياه محيط لا يهدأ، ولعل توصيفاً كهذا، كما أعتقد، يختصر شخصية الخيون الريادية في هذا المضمار المفتوح.

نعم، يمكن التذكير بالدور الذي قام به جواد علي “1907-1987 “، في “مفصّله” الشهير، وما ألّفه عباس العزاوي “1888-1971“ وترك بصمته الثقافية، وتحديداً في ” العراق بين احتلالين-8 أجزاء”، وحتى “عشائر العراق-أربعة أجزاء”، وعبدالرزاق حسني “1903-1997“، فيما يشبه التأسيس لثقافة تاريخية عراقية حديثة، من خلال مجموعة كتبه، وفي الواجهة “تاريخ الوزارات العراقية”، ومن ثمة الباحث الاجتماعي الكبير علي الوردي “1913-1995“، في موسوعته “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”، وثمة آخرون لهم حضورهم البحثي في الشأن التنظيري السياسي “حسن العلوي، نموذجاً”، والشأن السياسي الفلسفي “ميثم الجنابي، نموذجاً”..الخ، لكن يبقى للخيون طول باعه وقد سعى جاهداً – ولا زال، في مجمل كتبه، وخصوصاً تلك التي لعبت دوراً كبيراً في التأريخ للأديان، ومن ثمة العودة إليها مراراً، إلى درجة تكرار مقاطع وأحياناً أقسام، في كتبه ذات العلاقة “بين: الأديان والمذاهب، ولاهوت السياسة، مثلاً”، ولعله بذلك يترجم خاصية الابتلاء بالثالوث المعرفي، وفي الساحة العراقية، كما لو أن كل تكرار، ومع إضافة، أو إنارة فكرة، تعزيز لحرارة هذا الهاجس المعرفي، إنما أكثر من ذلك، لهذا القلق الوجودي الخاص لديه، إن جاز ذلك، كما لو أن ما كان يستمر فيما هو كائن، وربما صوب الآتي.

وقد لا أكون مجانباً الصواب، إن أشرت إلى أن هاجسه المعرفي في “المشروطية والمستبدة”، قد تم تجاوزه هو الآخر إزاء تنامي سطوة العنف المهدّد لكل حيّز حياتي في العراق، وهو الذي ربط بين الصراع القائم بين المشروطية والمستبدة، وهما تتعلقان بكيفية تنقيح السلطة أو ضبطها، قبل أكثر من مئة عام، وأن أحداث العراق اليوم “إبان صدور كتابه ذاك”، تشابه مناخات ما كان “ص 6“، وفاجعة هذا التعيين، في إطار”صراع المرجعيات”، كما لو أن الزمن عدِم زمنيته، بقدر ما تراجع إلى الوراء سلباً، وفي الآن عينه، يكون الشيخ الميرزا النائيني، صاحب كتاب: تنبيه الأمة وتنزيه الملّة “للميرزا النائيني”، والذي ماثل كتاب الكواكبي “طبائع الاستبداد” قبل قرن ونيّف، حيث أفصح الخيون عن ذلك في “المشروطية والمستبدة”، خارج الرهان المتوخى، لهول الحدث طبعاً، أي أكثر بكثير مما ورد في كتابه عن أن الاستبداد يصل بالجهل (جهل يصل الإنسان بالبهيمية بالسيرة. ص 387-2)، وآفة الاستبداد الضارية والصعوبة الكبرى في مكافحتها (شعبة الاستبداد الديني وعلاج هذه القوة من أعسر الأمور وأصعبها، وذلك لشدة رسوخها بالأذهان والقلوب.. وأصلها من بدع معاوية بن أبي سفيان.. ص389)، سوى أن تمرير عبارة الاستبداد وإحالتها إلى معاوية باسمه المعلوم، تقويل لتاريخ مبالغ فيه بشكل لافت، لأن ثمة ما مهّد لتربة الاستبداد هذه، ومعاوية لا يعتبَر خميرة ظاهرة ورحمها، إنما الفاعل اللافت فيها بوصفها استبداداً يتمازج مع أهواء السلطة، ويكون النائيني الشيعي الإيراني فيما نظّر له وتحرَّى أمره ينتسب اليوم إلى المشروطية بشكل لافت، في تركيا، رغم مخاضها العسير في غرفة “عناية التاريخ المشدَّدة”، وليس الدستورية الإيرانية راهناً، إن نظِر في مسار “الجمهورية الإسلامية” ومسبار الدين فيها.

ولا بد أن الخيون الآن، وفي ضوء متابعاته القائمة والحثيثة يعيد النظر فيما كتبه، فيما كان مسموحاً به وصار محظوراً، فيما كان محظوراً في درجة خوفه، وبات مرعباً، وتلك القائمة الطويلة من الرموز الدينية وتداخلاتها مع السلطة وقائمة المثقفين بأهواء أيديولوجية بعثية وغيرها، افتئاتية من داخل المذهب الواحد، والعنف الموصول بالحركات أو الجماعات المسلحة في العراق “لاهوت السياسة، ف 6، ص 209“، وما من شأنه القيام بكتابة أخرى ومن نوع آخر، تعمّق في بنية ما هو معمَّق معرفياً، إنما لتلمس حدود العنف، ونسبه الديني والقيّمين عليه، أكثر مما قام به الشيخ الخالصي وكذلك محسن الحكيم في الستينيات في القرن الآفل في الإفتاء للسلطة بتصفية الخصوم “تكفيرهم وقتلهم”، ولعلها لعبة السلطة وغوايتها، حين يصبح قتل الآخر: الجار والقريب وشريك الوطن هو المطلوب رأسه، وربما أكثر من ذلك، داخل العائلة الواحدة، كون الغواية المذهبية إذا بلغت شدتها تتمثل النار التي تأتي حتى على شاعلها في نهاية المطاف المأسوية جداً.

ويبقى سؤال معلَّق، وهو: تُرى إلى أي درجة يمكن لباحثنا ومفكرنا وناقدنا المعرفي والعراقي، أن يحدد موقعه، والمسافة الفاصلة بينه وبين هاتيك الأديان والمذاهب ولاهوتها السياسي، ليتمكن من رؤيتها فيما بلغته من جنوح خارج المتوقع راهناً؟

عن موقع ( الجديد )