وفاة الملك فيصل الأول المفاجئة .. حقائق واتهامات

وفاة الملك فيصل الأول المفاجئة .. حقائق واتهامات

وديان حيدر الدلفي

غادر الملك فيصل بغداد في حزيران 1933 متوجهاً إلى لندن عندما وجهت له دعوة من ملك إنكلترا جورج الخامس لزيارة لندن, وذلك لتوثيق العلاقات وتطويرها بين الدولتين بما يخدم مصالح الدولتين وخاصةً ما يحتاجه العراق من دعم, ثم زار الملك اسكتلندا بعد انتهاء زيارته إلى لندن ثم توجه إلى فرنسا لغرض توثيق العلاقات والحصول على الدعم وتطوير التعاون معها في مجالات الصناعة والزراعة,

وبعدها توجه الملك إلى مدينة برن السويسرية لغرض العلاج فيها(, لكن لم يقم الملك فيها طويلا نتيجة الأحداث التي قامت في العراق من تمرد الآثوريين ما اضطر الملك للعودة إلى العراق فوصل بغداد في 2 آب 1933, وبعد معالجة الأزمة استقرت قضية الآثوريين والأوضاع في البلاد فقرر الملك العودة إلى مدينة برن لاستكمال علاجه فيها.وقبل مغادرته العراق وجه الملك فيصل بياناً للشعب العراقي, جاء فيه: «أدعْ شعبي على ضرورة إتمام علاجي على أمل الشفاء التام مؤملاً ألا يطول غيابي أكثر من ستة أسابيع وانتهز هذه الفرصة للإعراب عن تقديري العواطف النبيلة التي اظهرها ابناء شعبي نحوي خلال الأيام الأخيرة ما رأيته في مملكتي شعباً وحكومة زاد الاعتقاد بقرب تحقيق الأماني التي نسير جميعاُ للوصول إليها وأني سوف لا أدخر وسعاً للقيام بما يترتب عليه خدمة بلادي وشعبي مهما كلفني من عناء مستعيناً بالله عز وجل أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح».

وصل الملك إلى مدينة برن بعد مغادرته بغداد بثلاثة أيام في الرابع من أيلول 1933, وكانت علامات التعب والمرض ظاهرة عليه, فكان يعول على الطبيب كوخر الذي اشتهر بطريقته الخاصة في تقوية الأجسام بالحقن تحت الجلد, ونزل الملك في فندق (بيللفو) على نهر الآر, وعلى الرغم من وضعه الصحي استقبل المراسلين والصحفيين وبعض الأصدقاء.

وبعد مرور أيام من وجوده في مدينة برن طلب الملك في السابع من ايلول القيام برحلة إلى مدينة إنتر لكن, وبسبب صعوده الجبال إلى مسافة ألفي متر بواسطة السيارة التي كان يستقلها مرت بطريق خاطئ ما أدىإلى زيادة ارتفاع ضغط الدم الذي كان يعاني منه, وبعد عودته بدأ الملك يشعر بالتعب ويشكو من خفقان في القلب.

أمر طبيبه الممرضة بحقنة تحت الجلد, وفي الساعة الحادية عشرة من اليوم نفسه طلب الملك من الممرضة التي كانت قرب سريره بأمر من الدكتور المشرف على علاجه أن تستدعي حاشيته بالحضور إليه حالاً, وقد حضر كل من اخيه الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري, فوجدوا الملك يلفظ أنفاسه الأخيرة, وكانت كلمته الأخيرة التي قالها: «أنا مرتاح قمت بواجبي وخدمت الأمة بكل قواي فليسر الشعب بعدي بقوة واتحاد.

وبعد المعاينة من قبل الأطباء فارق الملك الحياة في الساعة 11,45 دقيقة ليلاً, وفي الحال بعث نوري السعيد برقية مستعجلة إلى رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني جاء فيها: «فجعت الأمة العراقية عند منتصف الليل بوفاة سيدها وحبيبها جلالة الملك فيصل وذلك نتيجة نوبة قلبية... كان الله بعون الجميع على هذا المصاب الجلل», وبسماع الخبر فجعت البلاد بنبأ وفاة ملكها فقد شلت هذه الفاجعة جميع الأعمال الاعتيادية وأقفلت المحال أبوابها في بغداد.

إن وفاة الملك فيصل المفاجئة بدأت تثير الشكوك بأن وفاته لم تكن نتيجة تصلب الشرايين, وأنه قد توفي نتيجة تسمم, وقد وجه الاتهام إلى ثلاثة أطراف ربما كان لها مصلحة في ذلك وأشارت اصابع الاتهام إلى:

السلطات البريطانية:

يتضح لنا أن الخلاف بين الملك فيصل الأول وبريطانيا كان يدور حول القضايا المتعلقة بإدارة الدولة العراقية, وطبيعة العلاقات الجديدة مع إيطاليا لاسيما بعد دخول العراق عصبة الأمم 1932 وأصبح البلد العربي الذي نال معاهدة الاستقلال وخروجه من مجموعة الدول المحتلة فتولدت بعدها مخاوف لدى بريطانيا من قيام الملك فيصل من بناء علاقات سياسية وعسكرية مع ايطاليا كانت ترى بأن طبيعة هذه العلاقات سوف يهدد مصالحها ويعرضها للخطر.

نوري السعيد:

تميزت طبيعة العلاقة بين الملك ونوري السعيد بالعلاقة الجيدة إلى حين تشكيل نوري السعيد وزارته الأولى في 23 آذار 1930 وبعد نجاح نوري السعيد في عقد معاهدة 30 حزيران 1930 وعلى الرغم من المعارضة الشعبية لها, حاول نوري السعيد تقوية نفوذه واستغلال مركزه وبدأ يتصرف كمركز قوة وصاحب السلطة العليا في البلاد, ومن هنا أخذ الخلاف يتسع بين الطرفين وتدهور العلاقة بينهما أواخر عهد الوزارة السعيدية الثانية.

وخلال مدة وجود نوري السعيد في لبنان 13 حزيران 1932 حاول الملك فيصل إقصاء وزارة نوري السعيد وتأليف وزارة برئاسة أخيه الأمير زيد إلا أن محاولة الملك فشلت بسبب موقف حزب الأخاء المعارض مع ذلك استمر الملك في مساعيه لإضعاف مركز نوري السعيد, ومحاولة إبعاده عن العراق من خلال إرسال برقية إلى حسان الجابري جاء فيها: «إنني نفيت نوري السعيد إلى سويسرا وأريد أن تضعه تحت مراقبتك».

الأمير عبد الله:

من خلال دراسة العلاقة بين الملك فيصل واخيه الملك عبد الله يتضح لنا من خلال ما تشير إليه المصادر بأن الأمير عبد الله كان يكره أخاه الملك فيصل وعدَّه قد غدر به عندما أصبح ملكاً على العراق, وثانياً قضية زواج سارة أخت الملك فيصل التي تزوجت قبل وفاة الملك فيصل ولكن بعد وفاة فيصل ظهرت الاعتراضات حول هذا الزواج من قبل الأمير عبد الله والملك علي.

ومن وجهة نظر الباحثة فإن هذه الاتهامات تبقى مجرد شكوك, وتبقى الحقيقة غير واضحة على الرغم من التقارير والمصادر التي أوضحت أسباب الوفاة.

فيما أشار التقرير الطبي الخاص بوفاة الملك فيصل نجمت عن نوبة قلبية بسبب إنسداد الشرايين, فضلاً عن إرهاقه في أيامه الأخيرة خاصةً نتيجة الرحلة التي قام بها الملك قبل وفاته إلى أنتر لاكن, إذ أن السيارة التي كان يستقلها الملك مرت بطريق خاطئ وصعدت في الجبال الى مسافة ألفي قدم, مما زاد في الإرتفاع ضغط الدم له الذي كان يعاني منه بالأساس.

كان وقع الصدمة بوفاة الملك فيصل شديدة للغاية على الشعب العراقي الذي بكى له بكاءً بكل حزن وألم وأقام له من المناحات والمناقب ألواناً, وتعطلت الحياة في بغداد وأعلن الحداد في كل العراق مدة طويلة.

يصف تقرير دبلوماسي أمريكي هذا المصاب وتأثيره العميق على العراقيين عندما قال: ((وصل نبأ وفاة الملك فيصل الى بغداد صباح يوم الجمعة المصادف الثامن من أيلول في حدود الساعة الثامنة. وعلى الرغم من أن بغداد كانت هادئة ظاهرياً بسبب عطلة الجمعة إلا أن الخبر المأساوي هزها وشل نشاطها بصورة كاملة فقد أغلقت المحال والمتاجر كافة أبوابها, وبعد صلاة الجمعة التي أداها الناس في الجوامع توجهت جموع الى الشوارع في تظاهرات سرعان ما بدأت تتضخم وكان الجميع يلطمون على الصدور وينحبون لوفاة فيصل, وقد جمع ذلك كل الطوائف بدون إستثناء)). لقد انعكس هذا الحدث على حياة العراقيين, فقد شلت الحياة في العاصمة بغداد على مدى الأيام الثلاثة التي تبعت وفاة الملك, حتى أن الحكومة اضطرت الى مناشدة الأهالي بمراسم تبدد في الأفق بوادر عودة الناس الى أعمالهم بنداء جاء فيه: لقد أظهر الشعب العراقي الكريم على اختلاف طبقاته شدة أخلاصه وتعلقه بسيد البلاد الراحل بما أقامه من التعازي وتعطيل الأعمال خلال الأيام الثلاثة, ولما كانت مصالح الأهلين يقضي بإعادة الأمور الى مجاريها بالسرعة المستطاعة, فترجوا الحكومة الاكتفاء بمآتم وفتح المخازن والمحلات التي بقيت معطلة وأن يكتفي بإقامة الفواتح في البيوت والمحلات العامة.

عن رسالة (الحياة الاجتماعية للعائلة المالكة في العراق)