رحالة شرقيون في كربلاء في العهد العثماني

رحالة شرقيون في كربلاء في العهد العثماني

سلمان هادي الطعمة

كانت كربلاء وما تزال محط أنظار العالم باعتبارها حاضرة أسلامية مقدسة ولدت مع استشهاد سيد الشهداء الأمام الحسين بن علي عليهما السلام في العاشر من محرم الحرام سنة 61هـ /680م، زارها العديد من الرحالة والسياح و البلدانيين منذ القدم، ولاغرو فللرحالة والبلدانيين إسهام كبير في التعريف ببلدان العالم الإسلامي من جهة، وكذلك التعريف بالمعالم الحضارية والسياحية في البلدان الإسلامية من جهة أخرى.

عباس المدني

قام هذا الرحالة بزيارة كربلاء سنة 1130هـ / 1717م فوصفها بقوله: (وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين، بلدة من كل المكاره جُنّه كأنها روضة من رياض الجنة، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات، وأقمارها مبدرة، وأنوارها مسفرة، ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة وقصورها كغرف الجنان مصنوعة، فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة، وفواكهها مختلفة الألوان وأطيارها تسبّح الرحمن على الأغصان وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور. وأهلها كرام أماثل ليس لهم في عصرهم مماثل، لم تلق فيهم غير عزيز جليل، ورئيس صاحب خلق وخُلق جميل، وعالم فاضل وماجد عادل، يحبون الغريب ويصلون برهم وبُرهم بأوفر نصيب.....الخ .

أبو طالب خان

قام أبو طالب خان برحلة إلى كربلاء في اليوم الرابع من ذي القعدة سنة 1218هـ الموافق لليوم الأول من مارت سنة 1803م فقال: بعد أقامتي ببغداد ثمانية أيام استأنفت سفري لزيارة مشهد كربلاء ومشهد النجف الأشرف وفي هذه المرة لم أُعلم الباشا بنيتي وخطتي فاكتريت خفية خيلاَ وبغالاَ من حوذي واتفقت معه على أن يرافقني في جميع الطريق وسافرت بلطف فائق. ولقيت حفاوة من كل من لاقاني في أي موضع كنت من طريقي وابتهجت بلقيا قاضي كربلاء ملا عثمان وكان عائداَ إلى كربلاء وكان رجلاَ سنيّاَ ولكنه كان قد تفقه وتثقف وتعلم علماَ جليلاَ وكان بريئا من أوهام الأحكام التي يحكم بها الطغام قبل الاستعلام وظهر لي أنه سرّ سروراَ عظيما بلقائي ورجا مني أن أكون رفيقه في السفر. وفي الطريق من بغداد إلى النجف رأيت بين كل ثمانية أميال خانات مسافرين مبينة بالآجر تشبه حصوناَ، ولكنها يندر أن يقيم فيها المسافرون. وفي اليوم الأول سرنا أربعين ميلاَ وقضينا الليل في خان المزراقجي ثم وصلنا إلى كربلاء في نحو الساعة الثالثة من اليوم التالي ونزلت في دار السيد حمزة وكنت عرفت أبن أخيه في مقصود آباد في البنغال وكنت أرجي أن أراه ثانية بكربلاء ولكنه توفي قبل وصولي إليها بعدة أشهر، ومع ذلك فقد استقبلني أبواه استقبالاَ حسناَ وأعاناني على أتمام مختلف مناسك الزيارة، وتلقاني حاكم كربلاء أمين أغا بكثير من الأدب ودعاني مرتين إلى التغذي معه وأعد لي خيلاَ لأسافر إلى النجف ورغب في دفع كرائها ولما كان ذلك يحرمني ثواب الزيارة ولم أقبل قط هذا البذل. ولقيت في كربلاء عمتي (كربلائي بكم) وعدة نساء من توابعها، وكان شقاء أسرتنا قد أضطرهن إلى اعتزال العالم فجئن يقضين أيامهن الباقية في الأرض المقدسة، وأن هذا اللقاء غير المنتظر سرني أعظم السرور، أن الوهابيين كانوا قد سلبوا منهن ما يملكن وقد أعنتهن بجميع ما أستطيعه إذ ذاك من العون المالي...الخ .

المنشئ البغدادي

وقصد كربلاء المنشئ البغدادي سنة 1237هـ / 1822م فوصفها قائلاَ: من قرى بغداد قصبة كربلاء وفيها خمسة آلاف بيت، وهناك روضة الحسين عليه السلام، ومن بغداد إلى كربلاء 15 فرسخاَ، وفي الطريق قد بنيت خمسة خانات، ويبعد فرسخين خان الكهية والثاني يبعد عن بغداد أربعة فراسخ وهو خان ازاد، ويبعد ستة فراسخ عن بغداد خان البير أو خان النصف وبعد ثمانية فراسخ خان المزراقجي وعشرة فراسخ المسيّب على جانب من الفرات وهناك نحو أربعمائة بيت ومنه يمر من جسر ممدود على الفرات، فسار إلى كربلاء بمسافة خمسة فراسخ.

أديب الملك

زار كربلاء الرحالة الإيراني عبد العلي أديب الملك سنة 1273هـ / 1856م فكتب عنها بإسهاب، ونحن ننقل للقارئ بعض السطور، قال: من المسيب إلى كربلاء خمس فراسخ وهي محط رحال من يقصد كربلاء، مع بزوغ الشمس أزمعت الترحال من هناك إلى كربلاء لابساً إحرام الطواف حول قبر حضرة أبي عبد الله الحسين (ع) متوكلاً ومعتمداً على الله. وعند منتصف الطريق وصلت إلى تل السلام و أوصلت نفسي إلى ذلك التل، ولو أن النخيل المزروع حديثاً أو قديماً كان حائلاً عن رؤيتي القبة والمنائر للحضرة المطهرة، إلا إنني زرت من هناك ووضعت جبهتي في تراب ذلك التل الطاهر، ثم واصلت السير حتى وصلت إلى (خان العطيشي) فتغذيت على ضفاف نهر الحسينية وبعده واصلت السير. قبل الوصول إلى مدينة كربلاء بحدود الفرسخ ونصف الفرسخ هناك البساتين الكثيفة وقبل الوصول إلى كربلاء بفرسخ واحد توجد (القنطرة البيضاء) وبعد العبور منها يتحقق أمل الوصول إلى كربلاء للزائرين، والزائرون يمرون طيلة المسيرة هذه بظلال النخيل الوارفة، وعندما تقع أنظارهم على ذلك الماء والنهر الجاري تتقاطر الدموع من عيونهم ويتأوهون لما لاقاه الحسين (ع) من منع ماء الفرات عنه. والخلاصة قبل الدخول إلى مدينة كربلاء استقبلني أحد الخدام وكان المرشد والدليل لي لدى الدخول إلى المدينة من باب النجف سلّمنا ما كان معنا من سلاح مقابل وصل بذلك، وذهبنا إلى دار الحاج غلام علي الشماع القريبة من صحن العباس عليه السلام ونزلنا هناك فاستحممت عند الغروب وذهبت إلى الزيارة بدلالة السيد درويش الذي هو من أحد الخدام المحترمين وقراء زيارة الأمام الشهيد (ع)، فدخلت الحرم المطهر الحسيني المستشهد في سبيل الله ذلك الغريب المظلوم الذي قطع رأسه من القفا إمام الخافقين أبو عبد الله الحسين (ع) وقبلت المرقد المطهر....

نواب حميد يارجونك بهادر

زار كربلاء سنة 1907م /1325هـ فوصفها قائلاً: (المسافة بين بغداد وكربلاء قرابة ستين ميلاً وفيها أربع مراحل حيث نستبدل البغال وصلنا كربلاء في الساعة العاشرة مساءً بعد مرحلة مضنية، وكان نقيب أشراف بغداد قد هيأ لنا بيتاً مكثنا فيه، وفي صباح اليوم التالي ذهبنا إلى (الدورغا) أي المرقد وصليّنا هناك. مرقد الأمام الحسين محاط ببناء منيف فسيح مربع الشكل من كل جهة منه باب عملاق قوي جداً وحول الساحة بيوت جليلة من طبقتين يسكنها علماء الدين والطلبة، ضريح الأمام ومنائره الأربع المذهبة في وسط الفناء المربع وحول القبر سياج مربع من الفضة المشبكة، وبعد ذلك ذهبنا إلى مرقد حضرة العباس القريب وهو أصغر من الأول في بناءه وبعد أن قرأنا الفاتحة فيه عدنا إلى بيتنا في الساعة التاسعة. وفي المساء ركبنا إلى الموضع الذي كان فيه مخيم الأمام الحسين أثناء المعركة ثم ذهبنا إلى مرقد حضرة الحر. وفي صباح اليوم التالي غادرنا بعربات البريد إلى النجف الأشرف وهي تبعد خمسين ميلاً من كربلاء....الخ) .

عمانوئيل فتح الله عمانوئيل مضبوط

وصف كربلاء خلال زيارته لها سنة 1329هـ / 1911م فقال: وقد سرّنا منظر كربلاء أعظم السرور لاسيما كربلاء الجديدة أو (شهرنو) فأن طرقها مثارة كلها تنيرها القناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري والقادم من بغداد إذا كان لم يتعود مشاهدة الطرق الواسعة والجادات العريضة أو إذا كان لم يخرج من مدينته الزوراء ويدهشه أعظم الدهش عند رؤيته لأول مرة هذه الشوارع الفسيحة التي تجري فيها الرياح و الأهوية جرياً مطلقاً لا حائل يحول دونها كالتعاريج التي ترى في أزقة بغداد وأغلب مدن بلادنا العثمانية، وعند دخولنا المدينة نزلنا على أحد تجار المدينة وهو السيد صالح السيد مهدي الذي كان قد أعدّ لنا منزلاً نقيم فيه، فأقمنا فيه نهاراً وليلتين، وفي الليلة الأولى خرجنا لمشارفة ما في المدينة مع السيد أحمد وأخذنا نطوف ونجول في الطرق فمررنا على عدة قهوات حسنة الترتيب والتنسيق ورأينا فيها جوامع فيحاء ومساجد حسناء وتكايا بديعة البناء وفنادق تأوي عدداً عديداً من الغرباء وقصوراً شاهقة ودوراً قوراء وأنهاراً جارياً ورياضاً غناء وأشجاراً غبياء والخلاصة وجدنا كربلاء من أمهات مدن العراق إذ أن ثروتها واسعة وتجارتها نافعة وزراعتها متقدمة وصناعتها رائجة شهيرة حتى أن بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم بديعة عربية وهندية وفارسية ولما حان الغد وكان يوم السبت رأينا ما لم نره في الليل فسبقنا وصفه...الخ.

عن كتاب (كربلاء في مدونات الرحالة والاعلام) بتصرف