كيف تأسس لواء الديوانية في العهد العثماني الأخير ؟

كيف تأسس لواء الديوانية في العهد العثماني الأخير ؟

.د. محمد صالح الزيادي

تحكمت الظروف الطبيعية والبشرية في تحديد موقع مدينة الديوانية التي لم تظهر بشكلها الحالي إلا في حدود القرن الثامن عشر الميلادي ، فبعد ذبول الرماحية وانحلالها هاجر سكانها إلى الحسكة التي كانت تابعة لها وبسبب ذلك نقل الوالي مصطفى باشا 1674 ــ١٦٧١ وأبدل اسم لواء الرماحية باسم لواء الحسكة سنة 1674م .

وقد قدر للظروف الطبيعية التي أوجدت الحسكة أن تعمل على اندثارها وبقي اسمها ملاصقًا لبلدة الديوانية التي ظهرت تدريجيًا حتى عام ١٨٢٠ م ، أما أقدم إشارة إلى الديوانية فقد أوردها الرحالة ادورد ايفز في رحلته التي تمت عام ١٧٥٤ م ، تلاه السائح الدنماركي نيبور الذي زارها عام ١٧٦٦ وقال عنها :

«وأخيرًا جاء سليمان الكهية إلى السماوة بقطعاته المسماة ليج اغاسي وقد أمره الباشا القائم في بغداد آنذاك أن يعود إلا أنه استمر في تقدمه حتى بلغ الديوانية وكان فيها قائد اسمه علي آغا «، ثم أشار إليها السائح ابراهام بارستز في كتابه عن رحلته من الحلة إلى البصرة عام ١٧٧٤ م ، كما جاء ذكرها من قبل الرحالة الملازم صاموئيل ايفرز عام ١٧٧٩ ، ثم تلاه الرحالة الايطالي سيستيني عام ١٧٨١ م .

برزت الديوانية في التاريخ المحلي على اثر نزاعات عشائرية محلية طغت على الساحة السياسية العراقية خلال القرن الثامن عشر ، ومن هنا تحول هذا الخلاف إلى نزاع بين الطرفين ، مما دفع الأكرع لبناء قلعة على الجانب الأيسر من نهر اليوسفية إلى الشمال الغربي من الحسكة ، وفي الوقت نفسه أمر شيخ الخزاعل حمود آل حمد آل عباس ببناء قلعة على الجانب الأيمن للفرات في موقع الثكنة العسكرية ، وأسكن أتباعه حول القلعة ، وبنى دارًا للضيافة ليقيم فيها كاتبهم الذي يعهدون إليه أمور الجباية ولينزلها ضيوفهم المدنيون الذين كانوا يترددون عليهم ، ثم صار الناس ينشئون الصرائف والأكواخ فالبيوت حول القلعة والدار ، وأصبح بعضهم يتردد عليها بسبب بذل الطعام وقضاء حوائجهم ولاسيما عندما يزورها زعيم خزاعة المذكور وولده حمد آل حمود من بعده ويمكث فيها أيامًا .

وخلال المدة 1877ـ، 1892 جاء إلى متصرفية الحلة والديوانية اثنا عشر متصرفًا آخرهم علي رضا (، وقد اضطربت في عهدهم الأحوال السياسية ، وفي عهد الأخير كان والي بغداد حسن رفيق باشا أكثر الولاة إصرارًا على نقل المتصرفية إلى الديوانية ، على الرغم من علمه القاطع بعدم موافقة أهالي الحلة على القرار .

ويبدو أن مركز اللواء قد تغير خلال المدة ١٨٦٩ ــ١٨٩٣ بين مدينتي الحلة والديوانية على وفق اسم إحدى هاتين المدينتين حتى يتخذ مركزًا له وفي أوائل عام ١٨٩٣ م انتهت كل الاستعدادات لنقل مركز اللواء إلى الديوانية ، وعرف حتى نهاية الحكم العثماني بلواء الديوانية . وتتبع مركز قضاء الديوانية ناحيتا الدغارةوآل بدير .لقد جاءت عملية نقل اللواء محصلة نهائية لازدياد أهمية المدينة بواقعها العشائري وإمكاناتها الاقتصادية والزراعية على وجه الخصوص .

ونتيجة لهذه الأهمية فقد عين أول متصرف في الديوانية وهو سعيد باشا ١٣١٠ ه - ١٨٩٢ م ونائب له محمد شفيق أفندي بعد أن جعلت الحلة قائمقامية ملحقة بلواء الديوانية ، فشرع المتصرف ببناء السراي (دار الحكومة.

تعاقب بعد ذلك على إدارة الديوانية ثمانية عشر متصرفًا بين 1893 ــ 1912 آخرهم شوكت باشا ، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى ، عينت السلطات العثمانية عزت باشا سنة١٩١٦ م متصرفًا للديوانية .

وقد أدى احتلال بغداد بيد البريطانيين في ١١ آذار ١٩١٧ إلى جعل الديوانية ميدانًا للمعارك، بعدانسحاب المتصرف عزت باشا وبقاء قوة عسكرية عثمانية صغيرة في الديوانية ، إذ لم يتسن للفصيل التركي هناك الانسحاب مع القوات العثمانية فبقي معزولا في المدينة ، فصمم الملازم محمد هاشم فرخ أن يبقى مرابطًا في موقعه متخذًا من أحد خانات المدينة على نهر الفرات مكانًا لاعتصامه ، فكان لا يتوانى في إعدام كل من ينسحب أو يستسلم .

ولما رأت الحكومة البريطانية أنه لابد من احتلال الديوانية قامت بسلسلة من الهجمات الجوية على الحامية العثمانية التي بقي منها ٣٠ جنديًا ثم تقدمت فرقة من الجنود البريطانيين إلى الديوانية وتم احتلالها في آب ١٩١٧ . وبعد استسلام الحامية العثمانية في الديوانية ، عينت السلطات البريطانية صالح أفندي الملي وكيلا حكوميًا ، في آب ١٩١٧ ، فضلا عن ذلك فقد أنزلت الديوانية من درجة لواء إلى منطقة تتبعها نواحي عفك والدغارة وقلعة حاج مخيف .

وبعد مجيء الكابتن أس .كي .دالي في نيسان ١٩١٨ ، وبوصفه مساعدًا للحاكم السياسي(S.C.Daly) في الديوانية ، برز آنذاك عدد من القادة العراقيين ، أثاروا النخوة وتعبئة سكان العشائر ودفعها للثورة ، منهم الحاج مخيف آل شخير من عفك ، فأنزل أبناء الديوانية أفدح الخسائر بالقوات البريطانية التي أسفرت عن مقتل الكثير من جنودهم وضباطهم على الرغم من تفوق المحتلين بالعدة والعدد ، مما اضطر بريطانيا إلى الإعلان عن رغبتها بإنهاء الانتداب وإقامة حكم أهلي تستطيع من خلاله تحقيق مصالحها المتنامية في العراق .

جرى العرف العشائري على إطلاق كلمة ديوانية على المضيف المبني من الطين والآجر ، أما المبني

من القصب فهو مضيف ، فكانت كلمة ديوانية مترادفة مع خزاعل، فيقال(ديوانية الخزاعل) وبمرور الزمن أصبحت (ديوانية) تذكر من دون خزاعة لشيوع اسمها حتى غلب اسمها على الحسكة) .

عن م . القادسية ( جامعة القادسية) 2011