عزيز السماوي شاعر الفرح المستحيل

عزيز السماوي شاعر الفرح المستحيل

عبد الأله الصائغ

ولد عزيز السماوي 1948 ولم يمت حتى الآن !!

نتحدث عن الشاعر الشهيد عزيز السماوي كما نتحدث عن اي شاعر اعتيادي ! ونتساءل عن المناضل عزيز السماوي كما نتساءل عن اي مناضل آخر ! واذا تحثنا عن الغربة والعذاب فنحن سنتحدث عن عزيز السماوي دون حاجة ان نميزه عن الآخرين !

ولكننا حين نتحدث عن الشاعر والمناضل والمغترب معا في عزيز فردا فاننا عندها سنغير النبرة ونقوم البوصلة ! فعزيز لم يكن منتميا للشعر منذورا له حسب بل كان عزيز مزيج انتماءات ولم يكن الانتماء فيه الى الشعر ليؤثر سلبا في انتمائه للوطن ! و انتماؤه للوطن لم يكن ليؤثر سلبا على انتمائه للاممية الديموقراطية ! عذابات القصيدة تبدأ من هذه ! من وحدة الأنتماءات العضوية لدى ابي مخلص !

نعم كان يسمع بملء اذنيه انه شاعر مغاير وان له فتوحات في الصور الفنية فيفرح منكسرا ! وكان يقرأ عن تجربته مع النضال والسجن والاغتراب بلهجة حميمة فيفرح بانكسار ايضا ! لأن النجاح ينبغي ان يكون للشعر وللشاعر والوطن والديموقراطية معا وسوية فعزيز لايرى مسافة بين الوطن والقصيدة مثلا ! ! فكانت تصريحاته عن تجربته الشعرية محسوبة بالنسبة له ! فكم من مرة على حد علمي قال للصحفي الذي يحاوره ارفع هذا السؤال ارجوك ! او ان يهاتف الصحفي قبيل دفعه المقابلة للصحيفة : ارفع جوابي عن السؤال الثالث مثلا ! وهي خلق لايفقهها سوى المبدعين الكبار ! فالمبدع الكبير وحده هو الذي لايضيق ذرعا بالشعراء الذين يسرقون من شعره ! ولايتذمر من طحالب تترسم خطاه ! كان يضحك حين يقال له قصيدتك يا ابا مخلص لهفها فلان ! وكان يغضب اذا قيل له انت اشعر من فلان ! لاعتبارات فنية ! وهو ان باب المقايسة والمقارنة غير مستساغ حتى بين التوائم السيامية ! عزيز السماوي ضائع وضالته الفرح ! العراق مضيع وضالته الفرح ! الاممية متعبة وضالتها الفرح ! ولكن اين هو الفرح ؟ الفرح حق طبيعي للصوص والاغبياء ومعطوبي المروءة ! قد يتوهم عزيز السماوي ان الفرح ممكن ان يزوره ! وقد يزور الفرح حقا قصيدة السماوي عزيز ! ولكن الفرح سرعان ما يكتشف انه اخطأ العنوان ! ولكن عزيز السماوي سرعان ما يكتشف ان الفرح خطار ملول وعجول !! قارن لعزيز السماوي :

خطار عدنه الفرح اعلك صواني اشموع

خافن يمر بالعجد , رش العجد بدموع

يا قلبي , وين الحزن...حدر الحدر مرفوع

دومك تون ,,,ونتك تبكي ابدمع مفجوع

بالك تصيح ابحزن صوت الحزن مسموع

خطار عدنه الفرح اعلك صواني اشموع

شكبان..ليلك غضب..بالك تفر بالليل

دافن بصيص الامل سهر نجوم اسهيل

والريل فات اوجزه...مالك شغل بالريل

حط النه..موقد جمر...زود سعير الويل

ذوب شموع الوصل...فرهد حبابي الهيل

بس لا يبوك العمر...طيف العمر ملسوع

خطار عدنه الفرح اعلك صواني اشموع

لملم....سنين العمر...نعثرها ليل الضيم

فارشها فوق الهضم طرزها لون الغيم

مشتال عمرك ذبل...ماحن نثيث الديم

والكيظ اجاك بثكل...بصرك تظل امجيم

خيال حلمك مرك شتكله؟ عيب انهيم؟

يبست انهار الأمل...انتظر روحي اتموع

خطارعدنه الفرح اعلك صواني شموع

بدموعي طيفك غرق ....امسح دموع الطيف

شمسح ...؟..جزاني الوكت....راح الحلم يا حيف

كمرية ما مش بعد...ليش احنه موش ابصيف؟

ظلمة...او دواشك حزن..لا تظن روحي ابكيف

غرب شراع الفرح ...اهلا اجانه الضيف

حسبالي يسوه العتب ثاري العتب مرفوع

خطار عدنه الفرح اعلك صواني اشموع

قلت في كتابة سابقة عن( خطار عدنه الفرح ) قصيدة الشاعرعزيز السماوي انها كانت ابرز علامة اشرت تحول القصيدة الشعبية من تذبذبها بين قدامات مغرية وحداثات جذابة الى حيث التقاليد المجترحة بعبارة اوضح الى حيث الاشتغال على خامة الواقع وفق معجم شعري عزسماوي ! وحقا ان قصائد مهمة لشعراء مهمين طلعت علينا وهي تخبيء محاكاة ذكية لقصيدة ( خطار !) .

ولنغلق باب خطار الفرح ونفتح باب أغاني الدرويش رقم واحد !! عزيز السماوي درويش منفرد متفرد ! وهل هي شهوة عابرة هيأت لعزيز ان يرتدي قناع الدرويش ! لكي ينزعه بعد يشبعها بالشعر والسفر والعشق ! عزيز خارج القصيدة درويش كما هو داخل القصيدة ! طفولته التي رواها لي اختزنته في ذاكرتي درويشا صغيرا ! كان سريعا ما يألف الناس وكان سريعا من يرتعب منهم ويهرول بعيدا بعيدا غير مصدق ان الناس خراب لأرواح مخلوقات منقرضة ! هو درويش باختياره هو وبارادته هو ! فأي شيء يخشاه الدرويش حين يهيم في البرية ! كل شيء ولاشيء ! العشبة والورقة هما زاد الدرويش زمن العبور الى كهف الرؤيا ! الرؤيا ! الدرويش شاعر رؤيوي ! الشاعر درويش رؤيوي ! الرؤيا طقس درويشي ! الم يقلها الدرويش الصوفي من قبل ( نظري بدء علتي / ويح قلبي وما جنى ) ! الم تقل افتتاحية جلجامش ( هو الذي رأى كلَّ شيء ) اذن لماذا لايقول الدرويش السماوي رؤياه ! لماذا لايقول لهاجسه تعال لتسطع في روحي كي تتهادى سفائن الحلم بروحي واجيؤك منحدرا مع الماء ... الخ !! قارن :

اريدك كَمرة تضوي الروح

واتحدِّر مشاحيف الحلم بالروح

واجيك ابحسبه حداري

وارد بين الكَصب مشحوف

ويطكَـ مني الضمير اشراع

للوادم سفر

اولعيونك امر بين القوافي صور...

مطر ...

مطر...

زراكَك يلتم ابروحي اويظل جيسة برد للصيف

ترس روحي العطش والملكَة صبح وطيف

اريدك

وابنومي تفيض ادموع

ولو حزني ثجيل او ما تبرده ادموع

موكَلبي عراق التنبض انهاره حزن واشموع

او تلمع عالقميص ادموع

واحزن

يضحك الصفصاف ..

ولك حزني ظلام او لادرب ينشاف

أخاف ..

أخاف...

أخافن حتى من روحي

انه بلياك

اركَص ..

يركَص اخيالي لهب عالكَاع ..

اكَعد ...

يشهكَـ اخيالي علي ابساع

واسولف للظلام ..

هناك ..

يلمع للحجي وايموع

اذبن روحي فد خطوة ..

واسولف ..

للظلام ايموع

واجيك آنه ابدرب مظلم ... كل خطوه الحجينه اتموع

اوصدكَـ لو رجف كَلبي ..

يوج ليل ..

الشواطي اشموع

او تلمع عالقميص ادموع ..

واركَص ..

يركَص اخيالي عليَّ ابساع

واطيحن لك ..

جمر يبجي الثلج وياه

او لو نهر الفرات اتغير ابمجراه

يعرضله ضميره او يرجع او يرجع ابممشاه

يوكَف للحزن ..

وتفيض اهلنه ادموع

اولمض بالكوخ ضي السيف ..

إو مامش للمضايف ضيف

واتموع الليالي ابنوم تنطر للصبح فد طيف

إو يضحك للهوه الصفصاف

اخاف ..

أخاف ...

أخافن حتى من روحي :

أنه إبلياك ...

سيف إيعارج إبروحه ...

أنه إبلياك ..

أجيلك بالحلم تبكَه الليالي اوياك ..

ياخذني الصبح يبكَه الحلم وياك

أنه إبلياك ..

سفر بين الثلج والنار ..

جرح حنه السيوف ابعار

ميت خنجره الاسرار..

أنه اوياك ..

عركَـ حَن للجفوف اوجاك

ضوه إبليل السفر وياك

أموت هناك

إوماهزّك صبر روحي ... إولا سولف ضمير إوياك ..

أذوب ..

أذوب ..

أذوب إمن الصبر مشوار ..

إو دمنه إهناك عالجرفين

إو مامش للصبح أنهار ... !!

نساكَيها ..

من ماي الخجل أنهار ..

في روحك نِده .. فييْ شمس ثوار ..

نحط الذاكره إبمشحوف تتلكَه الصبح أشعار ..

إويفيض الماضي نهر أزركَـ ..

صلاة اجفوف من تعركَـ

واجيبك إمن الحزن موال ..

يسولفني نذر للناس ..

إومابين الحلم والنوم

شمس ذكراك ما تبرد ... !!

عيب أرتد ..

موش إنت إتعرف روحي بجي وإعناد حَد إبحد

واعرفنك حجي إو دخان إوسالوفة عشكَـ تمتد ..

بعيد ..

إبعيد ..

وأسولف للكَلب مرات

يفرح بالبجي ويعيد ..

والمن روحي فد مرة ..

وأروح إبعيد ..

أنزل ..

دمعه ..

للماضي ..

حزنها إجبير ...

ظلمه إو بالمحنة إتحير ..

إوجفك نجمه سهرانه ..

صبحها إبعيد ..

نسهر بالبجي وإنعيد

نسهر بالبجي وإنعيد

واجيلك خطوة مجنونه ..

تكَوم إهلال بالظلمه ..

نسولف والكَلب نجمه ..

أسرارك والكَلب نجمه

أخافن والكَلب نجمه .. !!

تحضرني غصة تتماثل لعيني كلما قرأت شعرا للمبدع عزيز السماوي ! ففي سبعينات القرن العشرين زارت نجمة الإنشاد الأوبرالي العالمي الدكتورة سلوى شامليان (من اصل عراقي ) بغداد لكي تقدم عروضا اوبرالية وصادف ان تعرف اليها الصديق المخرج التوركماني عرفان صديق دايلة واقترح عليها زيارة دار الشؤون الثقافية في تلفزيون بغداد حيث كنت اعمل والتقيتها هناك ! ومن خلال عدد من اللقاءات طلبت مني ان انتقي لها شعرا عراقيا يناسب الانشاد الاوبرالي فهي تريد ان تقدم وفاءها لبلدها الأصلي ! فقرأت لها نماذج من الاشعار الفصحى والشعبية فكانت تستحسن هذا وتتردد مع ذاك ! فاذا انشدت لها قصيدة للشاعر عزيز السماوي هتفت بي مسرورة ان هذا الشعر يعتمد ايقاع النبر اكثر من ايقاع الكم ! وقتها ظننت الأمر شيئا من هلوسات المبدعين الكبار ! ولكنها وان كانت لاتحسن العربية الا ضئيلا فانها اخرجت قلمها ورسمت خطا افقيا ! تحته وفوقه تكوينات تشبه النوتات وجهها الى اسفل كما لو كانت علامات بيانية ! وبدأت تضع الرموز الموسيقية على جمل شعر السماوي عزيز وتنشده في خيالها ! وطلبت مني مساعدتها في انتقاء قصيدة طويلة لعزيز السماوي فاخترت اغاني الدرويش وكنت اقرأها لها بطريقة الترنم الايقاعي الذي يقطع الكلمات وفق انتماءاتها العروضية ! واشرح لها بعض ما يعسر عليها فهمه قارن للمثال من صفحة 101 من اغاني الدرويش

روحي المالكَت بس بالبجي... اسرارك ...

اسرارك ...

اسرارك ...

أسرارك ....

وفيما يلي محاولة من الصائغ عبد الاله لاستذكار جهد شامليان مع شعر السماوي !!

وبدأت المشروع الفذ المنتظر لكن المضايقات التي واجهتها مغنية الباليه العالمية سلوى شامليان من قبل ادارة معهد الفنون والدائرة الموسيقية حين تعاقدت معهما جعلتها تفر من العراق وتتخلى حتى عن حقوقها المالية ! ما يهم موضوعي انني تخيلت عزيزا السماوي سيفرح ويجن ويرقص كعادته حين تتناهى اليه اخبار مفرحة ! لكن المفاجأة ان عزيزا لم يبد عليه اي تعبير ! فقط اعترف لي بانه غير قادر على مقابلتها ! لماذا ؟لا ادري !! وكنت احترم في عزيز حتى نزواته غير المسوغة كهذه ! وطوى التاريخ صفحة في الاوبرا والشعر الشعبي كان من الممكن ان تكون بداية لعصر اوبرالي عراقي مجيد ! وهذه الحكاية التي لم يعرف عنها احد شيئا سوى صديقنا الاستاذ عرفان صديق دايلة حياه الله اينما يكون ! تقودني للحديث بحرية عن اشتغالات عزيز السماوي الموسيقية ! فلقد كان عزيز اسطورة في التحسس الجمالي مع النغم ! وكانت محاولاته تنبع من قراءته لنظرية المحاكاة الدلالية عند ابن جني وهي نظرية نشوء اللغة وهذه تختلف عن نظرية المحاكاة البصرية الافلاطونية ! بمعنى ان عزيز حاول ان ينقل الى القصيدة صوت المطبج وزفيف النوارس بين الهور والقصب وانزلاق المشحوف في المساء ! وصهيل الخيل وهديل الحمامة وفحيح الافعى . . وازعم انه وفق كثيرا في مسعاه لولا ان داهمته الغربة القاسية والمرض الغادر وما يشبه العمى !

من مدونة الدكتور عبداله الصائغ