في 14 مايس 1968..هل كان تأسيس الفرقة القومية للتمثيل حاجة ملحة ؟

في 14 مايس 1968..هل كان تأسيس الفرقة القومية للتمثيل حاجة ملحة ؟

اعداد : ذاكرة عراقية

باتت الحاجة ملحة أمام قادة الفن والرأي في العراق لإيجاد أرضية خصبة تضم في جنباتها جميع الفنانين المبدعين وتوظيف طاقاتهم والأخذ بيد الموهوبين والنابغين منهم من هنا نشأت الحاجة وتبلورت الفكرة الى تأسيس الفرقة القومية للتمثيل وظهرت الى الوجود كواقع حي أواخر عام 1964م من القرن الماضي وهي أول فرقة أطلت على الحياة المسرحية العراقية تابعة لمصلحة السينما والمسرح.

دعا الأستاذ حقي الشبلي المدير العام للمصلحة حينذاك المسرحيين الى التعاون والانضمام بطريقة التعاقد التي سادت في بداية التأسيس فلبى عدد من الفنانين الدعوة ودخلوا امتحانا للقبول، فنجح بعضهم وفشل الآخر،

صاغ فكرة حلم إنشائها وحققها الفنان الخالد حقي الشبلي و التي كان لها دور رائد ومؤثر في الثقافة العراقية والمجتمع العراقي ونالت من الإعجاب ما جعل المسرح العراقي يتفوق على نظرائه في المشهد العربي ويرتفع بناؤه ولدت فكرة تأسيس الفرقة القومية للتمثيل في أواسط الأربعينات كحاجة لجمع الفنانين وإبعادهم عن مغريات العرض في الملاهي التي تكاثرت في تلك المدة، ولكن لم تتم الاستجابة لفكرة إنشائها. إلا إن هذا لم يمنع من ظهور فرق مسرحية أهلية ، في الخمسينات ، قامت بمقام الفرقة القومية في بغداد، وفي عدد من محافظات العراق، ومن بين هذه الفرق يمكن أن نذكر: فرقة المسرح الحديث التي قادها القدير يوسف العاني وفرقة المسرح الحر التي أسسها جاسم العبودي وفرقة المسرح الجمهوري، وفرقة الشعلة وفرقة الفنون الشعبية وفرقة المسرح العراقي وفرقة شباب الطليعة وفرقة مسرح بغداد الفني. وهكذا ظلت فكرة وحلم إقامة فرقة قومية للتمثيل قائمة ومتجددة حتى عقد الستينات. وبعد تكرار ومطالبة ملحه من قبل الفنان حقي الشبلي تحقق الحلم وتأسست الفرقة القومية للتمثيل في 14 مايس من عام 1968 وتولى إدارتها الشبلي بنفسه وعمل على تكوين طاقمها الفني حيث ضم إلى صفوفها خيرة الممثلين وأفضل المخرجين والمؤلفين حتى وصل عدد المنتسبين إليها رسميا من غير ضيوف الشرف من كتاب ومخرجين وممثلين من فرق مسرحية أخرى 120 فنانا وفنانة بينهم ستة مخرجين حصلوا على شهاداتهم التخصصية العالية: محسن العزاوي، سليم الجزائري، فتحي زين العابدين، وجدي العاني، وفخري العقيدي، من تشكيوسوفاكيا وإنكلترا وفرنسا وموسكو، ومؤلفان مسرحيان كانت كتاباتهما معروفة وواضحة في مجال المسرح هما، عادل كاظم وطه سالم، وكان أول عروض الفرقة القومية مسرحية (وحيدة) التي أعدها الفنان حقي الشبلي عن نص موسى الشابندر وأخرجها محمد القيسي ولقد عرضت من 13 /10/ 1968 لغاية 9/ 11/ 1968 على مسرح الفرقة القومية بكرادة مريم. . سامي عبد الحميد الذي اخرج خلال المرحلة التجريبية للفرقة أربع مسرحيات وهي : تاجر البندقية لشكسبير (انتيكونا) لجان أنوي الفرنسي و مسرحية ( النسر له رأسان) للفرنسي جان كوكتو ومسرحية (الحيوانات الزجاجية) للأمريكي تنسي وليامز، وقد كتب حواراتها باللهجة الدارجة العراقية القاص خضير عبد الأمير. ولقد فتحت الفرقة القومية أبوابها للمخرجين والمؤلفين مثل: جاسم العبودي، إبراهيم جلال، قاسم محمد، بدري حسون فريد، سامي عبد الحميد، بهنام ميخائيل، عوني كرومي، صلاح القصب والخ. .

كتب المؤرخ المسرحي الراحل احمد فياض المفرجي عن الفرقة القومية للتمثيل في كتابه ( الحياة المسرحية في العراق) :

رافقت ( الفرقة القومية للتمثيل ) فكرة و سعيا و تنفيذا ، مسار التطور العام في العراق ، فهي كفكرة طرحت في عقد الثلاثينات من القرن العشرين الذي شهد بدايات تكوين المؤسسات الثقافية في العراق الحديث ، و ذلك اثر عودة طلائع البعثات من اوربا .

وفي ذلك العقد كانت الحركات القومية و الوطنية تعيش مرحلة جديدة في نموها وفي احتدامها مع النظام الذي كان قائما في ذلك الوقت ، و الذي حال دون استقطاب الفنانيين المبعثرين في فرق تمثيلية منهكة بأوضاعها الأقتصادية ، و جمعهم من فرق تمثيلية منهكة بأوضاعها الاقتصادية ، و جمعهم في فرق جديدة ، تمدها الدولة بالعون و المؤازرة .

وفي الأربعينات ، كانت للحرب العالمية الثانية انعكاساتها على مجمل الأوضاع الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية في القطر ، ادت الى اطلال مثقفي العراق على افاق جديدة ، شدتهم الى ما في اوربا من تقدم في الميادين المختلفة للحياة ، خاصة في الأدب و الفنون و العلوم ، و في هذه الفترة من تاريخ العراق ، صدرت صحف و مجلات كرست صفحاتها للنشاطات المسرحية و السينمائية . و من هذه المرحلة اتساع دور معهد الفنون الجميلة الذي تكون في موسم 1940 – 1941 .

كل ذلك ادى الى احياء فكرة تأسيس فرقة قومية للتمثيل / كحاجة لا بد من تحققها لجمع الفنانيين و توحيد صفوفهم و توظيفهم في نتاجات مسرحية جادة ، تبعدهم عن اجواء الملاهي التي كانت قد تكاثرت و اشاعت السطحية و اللامبالاه و التفاهة . و كان الفنان الرائد الأستاذ حقي الشبلي وراء الدعوة الى تأسيس الفرقة القومية للتمثيل ، لكنه لم يفلح في مسعاه . وقد تبنى هذه الدعوة ايضا تلامذة الفنان الشبلي ، نذكر منهم الفنان بدري حسون فريد الذي قاد حملة جادة لتأسيس الفرقة ، و ذلك على صفحات مجلته ( الفن الحديث ) التي اصدرها في الخمسينات .

وعندما حل عقد الستينات الذي اتسعت فيه التطلعات الى الجديد و الأجمل و الأفضل ، ارتفعت الدعوة مرة اخرى الى وجوب الأسراع بتشكيل الفرقة القومية للتمثيل . وفي العام 1965 من هذا العقد ، و بفضل الفنان حقي الشبلي مدير عام ( مصلحة السينما و المسرح ) قدمت أربعة عروض بأسم ( الفرقة القومية للتمثيل ) اخرجها الفنان المعروف سامي عبد الحميد ، وهذه الأعمال هي ( تاجر البندقية ) لشكسبير و ( النسر له رأسان ) لجان كوكتو و ( الحيوانات الزجاجية ) تأليف تنسي وليامز و ( انتيكونا ) لجان انوي .

و بعد ان استكملت هذه التجربة مقوماتها تم تشكيل الفرقة القومية للتمثيل عام 1968 رسميا ، بعد تهيئة كادرها من خريجي اكاديمية الفنون و معهد الفنون الجميلة ، و من بعض فناني المسرح المعروفين في بغداد و في عدد من المحافظات .

ان الفرقة القومية للتمثيل التي تتبع دائرة السينما و المسرح في وزارة الثقافة و الأعلام تضم الأن فنانين و فنيين من مختلف اجيال حركة المسرح في العراق . و على مدى تاريخها ( 1968 – 1988 ) قدمت عشرات العروض المسرحية لكتاب عراقيين و عرب و اجانب ، و تمثلت فيها الأساليب و الأتجاهات السائدة في الحياة المسرحية المعاصرة في العالم .

من الكتاب العراقيين الذين عرضت لهم الفرقة : موسى الشابندر و يوسف العاني و عادل كاظم و قاسم محمد و طه سالم و غازي مجدي و علي الشوك و بدري حسون فريد و سليم الجزائري و كامل الشرقي و د . فائق الحكيم و محسن العزاوي و فاروق محمد و سامي عبد الحميد و عزيز عبد الصاحب و فلاح عبد اللطيف و صباح عطوان ووجدي العاني و عزيز خيون و فتحي زين العابدين و علي مزاحم عباس و عبد الجبار حسن و يوسف الصائغ و كريم العراقي .

و للكتاب العرب ، قدمت الفرقة القومية للتمثيل أعمال الفريد فرج و سعد الله ونوس و صلاح عبد الصبور و محمود دياب و د . ابراهيم بدران .. الخ

اما الكتاب الأجانب الذين قدمت لهم الفرقة على مدى عقدي ( 1968- 1988 ) فأننا نذكر منهم برتولد بريشت و البير كامو و يوجين اونيل و ناظم حكمت و الكسي اربازوف و كاسونا و ارثر ميللر و كولدوني و اجاثا كريستي و غيرهم .