القبانجي وخبر رحيل ناظم الغزالي

القبانجي وخبر رحيل ناظم الغزالي

كمال لطيف سالم

كان المرحوم ناظم الغزالي يحلق ذقنه، فطلب شيئاً من الماء، وحين جيء به إليه سقط على الأرض فأستدعي له أول الأمر الدكتور (البير حكيم) الذي فحصه وأوصى بالاتصال بالدكتور شوكت الدهان ليقوم بسحب مخطط لقلبه، والى هنا كان الفنان ناظم الغزالي حياً، ويقول الأستاذ محمد القبانجي عن موت الغزالي:

- لقد أخبرني صديق في مساء يوم الاثنين ان ناظم الغزالي وصل الى بغداد فاتصلت تلفونياً بداره فأجابني من في الدار وطلبت ناظم فأخبروني بانه ليس على ما يرام فألححت بطلبه على التلفون، وذهبوا واخبروه برغبتي في مكالمته، وجاءني الجواب بأنه في وضع لا يستطيع معه التحرك والحضور الى التلفون، كما اخبروني بان الدكتور البير حكيم قد استدعي لفحصه،وانتهت المكالمة التلفونية.

وبعد أكثر من نصف ساعة تلقيت نداء تلفونيا من أحد الأصدقاء يقول فيه: ان الموت طوى حياة ناظم الغزالي.. لم أصدق!! تناولت سماعة التلفون بسرعة وأجريت مكالمة مع بيت المرحوم الغزالي فقيل لي انه فارق الحياة، لم أصدق النبأ فذهبت الى الدكتور توفيق عبد الجبار واصطحبته معي الى دار المحروم الغزالي فأجرى الفحص عليه فأكد لي انه ميت، ثم جاء الدكتور خالد ناجي وأجرى الفحص عليه فأكد بدوره الوفاة.

ويضيف الأستاذ القبانجي:

- ان الغزالي كان يرتدي دشداشة وكان يبدو لي مبتسماً، بعد ذلك تم نقل جثة المرحوم ناظم الغزالي الى معهد الطب العدلي بناء على مشورة بعض الأصدقاء، وبقيت الجثة حتى اليوم الثاني.

وقد أجرى الدكتور عبد الصاحب علش أحد أطباء معهد الطب العدلي عملية تشريح الجثة وقال: ان عملية التشريح لجثة الفنان ناظم الغزالي استغرقت نحو الساعة ولا استطيع التحدث بشيء الآن حتى تتم معرفة نتائج الفحوص التي يجريها المعهد لمعرفة أسباب الوفاة.وقال الدكتور علش أيضاً: أنه سيتم تسليم الجثة لأهله صباح هذا اليوم الثلاثاء.

وفي الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء ذهب لفيف من أصدقاء الفقيد الى مقر مديرية الطب العدلي حيث نقلوا جثمانه الى داره عن طريق قناة الجيش فشارع فلسطين، فشارع مستشفى دار السلام ثم داره حيث وضع هناك وسط الدموع والتوجع وبدأت وفود المعزين تتوالى على دار الفقيد.

وبدأت ارتال السيارات في الشارع الكبير الذي يقع فيه دار الفقيد، والشوارع الكثيرة المحيطة حيث ازدحمت بها على سعتها، وعند الساعة العاشرة تماماً وضع الجثمان على سيارة مكشوفة يحيط بها عدد من الفنانين في مقدمتهم المرحوم علاء كامل وخزعل مهدي ومحمود القطان ومحمد كريم، ومضى الموكب الطويل من دار الفقيد الى مثواه الأخير عن طريق ساحة الأندلس فالسعدون فساحة الطيران فجسر الجمهورية فجانب الكرخ فدار الإذاعة فساحة مطار بغداد ثم مقبرة الشيخ معروف وسط موكب كبير من المواطنين الذين أفجعتهم المصيبة بفقده على هذه الصورة، وبعد ان صلى على جثمانه وروي التراب وسط الدموع والبكاء من ألوف المشيعين، وبعد تلاوة الفاتحة ألقى الأستاذ الكبير محمد القبانجي كلمة مؤثرة قال فيها:

ظهرنا للوجود وكل شيء

له بدء لعمرك وانتهاء

لئن ذهبت اوائلنا ذهابا

فأولنا وآخرنا سراء

- أخي الحبيب ناظم: لا تسل عن عظيم كدري حين علمت بخبر وفاتك على حين غرة.. فكنت والله.. لا أعلم أفي يقظة أنا أم في منام، ولا تسل عما عراني من الدهشة والانقباض، وما ألم بجوانحي من الكدر فقد كانت ساعة لا ترى فيها عيناً باكية وقلباً خافقاً وكبداً تتقطر من الأسى، فلله تلك الساعة ما أمرها على القلب بكيت.. نعم بكيت أنا وإخوانك الأوفياء الأصفياء عندما رأيناك مسجى على فراش الموت والابتسامة على شفتيك.. ان صوتك الحنون ينبعث مع الأثير الصامت وكأنك تقول لا تبكوا عليّ أيها الأخوان فأن كنت سأغيب عنكم بجسدي فأنني لن أغيب عنكم بروحي.. نعم بكينا ولو كان البكاء يجدي نفعاً لبللنا الثرى بدمعنا وأضفنا اليه من دم القلوب والأحداق، لقد كنت وإخوانك نرقب مجيئك بعد غياب طويل عن أرض الوطن، وبعد هذه السفرة التي كنت فيها على ميعاد مع الموت والتي كنت فيها نجماً ساطعاً بفنك وأدبك في الأقطار العربية، لقد كنت مثالاً للمغني الأديب الناجح، وقد أبيت ان ينعتوك بما أنت أهل له تواضعاً واعترافاً بأستاذك المفجوع بك، فقد كنت والله ترتفع باعترافك وتسمو بإنصافك.