عندما قاد توفيق وهبي الانقسام في حزب صالح جبر

عندما قاد توفيق وهبي الانقسام في حزب صالح جبر

د . هيوا حميد شريف

برزت ظاهرة الصراع الشخصي بين الوصي عبدالاله ونوري السعيد بعد الحرب العالمية الثانية، كمحورين يعملان متنافرين تحدوهما الرغبة في السيطرة والتسلط، أما من الناحية الفكرية والسياسية فلم يكن أي تناقض بينهما.

وبعد أن أسس نوري السعيد (حزب الاتحاد الدستوري) عام 1949، دعماً لنفوذه، ولما لم يكن بامكان عبدالاله تأسيس حزب خاص به، بوصفه وصياً على عرش العراق، فأنه كان بحاجة الى شخصية سياسية مناسبة لاعطاء هذا الدور، ووجد من (صالح جبر) أفضل من يتمكن ان يقوم بهذه المهمة، وذلك لنيله ثقته وثقة البريطانيين ايضاً وذلك بعد أن قدم خدمات كبيرة لبريطانيا خلال مدة رئاسته للحكومة العراقية (1947-1948)، فضلاً عن وجود خلاف كبير بينه وبين نوري السعيد والذي يعد عاملاً مساعداً آخر لما يحاولان اليه الوصي والانكليز. وهناك رأي آخر في هذه المسألة، وهو ما ذهب اليه البعض بأن الامريكين هم كانوا وراء تشكيل الحزب المذكور. ومن المفيد القول أن وجود الأمريكيين وازدياد نفوذهم في المنطقة والعراق خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها شجعهم على التخطيط لتوسيع نفوذهم وكسب الاحزاب والشخصيات السياسية العراقية الى جانبهم، ومن المرجح ان يكون تشكيل حزب الامة الاشتراكي احدى محاولاتهم، وعلى المنوال نفسه، بدأوا منذ عام 1952 باصدار مجلة كردية عبر سفارتهم من بغداد باسم (ثةيام – الرسالة) ، ومن الملفت للنظر هنا، هو الاشراف الخفي لتوفيق وهبي على اصدار هذه المجلة، وهو أحد الاعضاء البارزين في حزب الأمة الإشتراكي فيما بعد.

ومهما يكن الامر، فقد قدم صالح جبر طلباً الى وزارة الداخلية في 20 حزيران 1951 لتأسيس حزب باسم (الأمة الإشتراكي)، وقد ضمت هيئة المؤسسة مجموعة من الشخصيات السياسية العربية والكردية، وقد أجازت وزارة الداخلية للحزب المذكور في 24 حزيران 1951. لم يكن توفيق وهبي من مؤسسي هذا الحزب بآدي الأمر إلا أنه انتمى اليه بعد مدة من تأسيسه، وأصبح نائباً لرئيس الحزب أما الاسباب التي دفعت به الى الدخول للحزب المذكور دون غيره في حياته، فيظهر أن وهبياً قد أصبح في تلك الايام جزءاً من النظام الملكي، وانخرط في الصراع السياسي الحزبي من أجل السلطة والمناصب. وهكذا يبدو لنا، أن وهبياً وإن كان لم يؤمن مطلقاً بالانخراط في الحياة الحزبية –كما بيننا في السابق- إلا أن دخوله الى حزب الأمة الإشتراكي في هذه المدة ينطلق من اعتباراته الشخصية وطموحه للحصول على المناصب.

وعقد حزب الأمة الإشتراكي مؤتمره السنوي الاعتيادي الأول في 20 تموز 1951، واتخذ (الاشتراكية) شعاراً دعائياً له، وفي الواقع لم يكن الحزب يعتمد على المبادىء الاشتراكية المتداولة المعروفة، بل اعتمد في تنظيمه على الطابع المذهبي الشيعي لمساندته، ومن الراجح ان سبب اتخاذه لهذا الشعار، هو انتشار مصطلع الاشتراكية وميل الكثير من الناس حينذاك اليها، ولهذا أراد الحزب الحصول على قاعدة واسعة أثناء الانتخابات النيابية .

ولغرض التوسيع في القاعدة الشعبية في المناطق الكردية، اعتمد حزب الامة الاشتراكي على جهود وموقف وهبي بالدرجة الاولى. لهذه الغاية وصل وهبي في 25 آب 1951 الى السليمانية، واستقبل من قبل عدد من الشخصيات المعروفة هناك، ثم اقدم على فتح فرع حزب الأمة الإشتراكي هناك، ثم توجه نحو (حلبجة) وبعدها زار كل من قرداغ وسورداش حيث فتح فيها فروعاً لحزبه. وقد مهدت زياراته في هذا المضمار لجولته الطويلة التي قام بها برفقة رئيس الحزب (صالح جبر)، حيث زارا من خلالها مناطق كركوك و السليمانية وأربيل. وقد بدأت جولتهم هذه بزيارة الشيخ حبيب الطالباني في مدينة كركوك، ثم توجهوا الى السليمانية ووصلوا اليها في 30 نيسان 1952، واستقبلوا فيها استقبالاً حاراً من قبل الشيخ محمود الحفيد وعدد من رؤساء العشائر والشخصيات المعروفة. ولكن في المقابل واجهت زيارتهم هذه جملة مركزة من الانتقادات من قبل الاحزاب والجمعيات السرية والعلنية. فنشر ( حزب الديمقراطي الكرد – العراق) بياناً مطولاً باللغة الكردية، وتعّرض فيه بشدة للنظام الملكي وصالح جبر والمؤيدين لهم من الكرد، وكان هذا الموقف من الحزب الديمقراطي الكردي تجاه صالح جبر وزملائه، وقد جاء على الارجح انطلاقاً مما جرى خلال مدة رئاسة جبر للوزارة في الاعوام (1947-1948)، حينما أقدمت حكومته على اعدام الضباط الكرد الاربعة –كما ذكرنا- وهم من أعضاء وانصار الحزب المذكور. فضلاً عن ذلك صدر منشور آخر، دون توقيع يؤشر على مصدر المنشور أو كتابه، ضمن ايضاً انتقاداً شديداً لصالح جبر و توفيق وهبي.

لما ألف السعيد وزارته الثانية عشرة في الثالث من آب 1954، حل حزبه (حزب الاتحاد الدستوري) واصدر بياناً مغرياً لحمل بقية الاحزاب على أن تحذو حذوه. وبعد مدة وجيزة اعلن وهبي تأييده لهذه الخطوة واعلن عن حل ( حزب الأمة الإشتراكي) دون رجوعه الى الهيئة العليا للحزب، بل استشارته عدداً منهم وقد أيده في خطوته هذه، كل من كمال السنوي وفاضل معله، وهم من أعضاء الهيئة الرئاسية للحزب، أصدر وهبي بياناً بهذا الصدد ونشر في جريدة (الحوادث)، ومما جاء فيه:

((لقد دلتنا التجارب على أن خدمة البلاد الصحيحة تحتاج الى تضحيات في مقدمتها نبذ الخلافات الشخصية بين أبناء هذه الأمة، ولما كان حزب الأمة الإشتراكي بغالبية أعضائه يؤمنون كل الايمان بضرورة خدمة البلاد خدمة ايجابية، يتعسر عليهم أداؤها مع بقاء الحزب بوصفه الحاضر، ولاسيما بعد الظروف العصبية التي مرّ بها، الامر الذي جعلني استشير لفيفاً غير قليل من زملائي اعضاء اللجنة العليا، وأرتأينا أن المرحلة الخطيرة التي تمربها البلاد والوضع الحرج الذي صار اليه الحزب يقتضي حل الحزب، والسماح لمن يأنس في نفسه الكفاءة من أعضائه خوض المعركة الانتخابية، لذا فقد اتفقنا على حل الحزب، وخوض المعركة الانتخابية الحالية بصفة شخصية)).

عندما أعلن وهبي بيانه هذا، لم يكن صالح جبر (رئيس الحزب) موجوداً في العراق، وعقب عودته من الخارج فوراً، اجتمعت الهيئة العليا للحزب المذكور الذي روعت للقرار الذي اتخذه وهبي وعدد من زملائه في الحزب باعلان حل الحزب، واتخذت بدورها القرار الآتي:

((استأنفت الهيئة العليا لحزب الأمة الإشتراكي اجتماعها يوم الجمعة الموافق 20 آب 1954 برئاسة (صالح جبر) وبحضور معظم أعضائها، وبعد أن استعرضت الهيئة أوضاع البلاد الراهنة بصورة عامة، وأوضاع الحزب بصورة خاصة، قررت بالاجماع على بعض القرارات وجاء في أولهما : فصل توفيق وهبي وكمال السنوي وفاضل معله، اعضاء العليا من عضوية الحزب، وذلك بالاستناد الى الفقرة (ج) من المادة (83) والمادة (86) في نظام الداخلي، ولقيامهم بعمل يعتبر خروجاً على نظام الحزب الداخلي)).وأخيراً، ففي 22 من أيلول 1954 جرى حل حزب الأمة الإشتراكي بالمرسوم الرقم (19).

عن رسالة (تــوفيق وهــبـي1891 - 1984)