من طرائف الدكتور مصطفى جواد..إمتحان تاريخي على شاشة التلفزيون

من طرائف الدكتور مصطفى جواد..إمتحان تاريخي على شاشة التلفزيون

سالم الالوسي

في عام 1960 عادت صلتي القديمة بالدكتور العلامة مصطفى جواد، حيث شاركت معه في البرامج الثقافية من محطة تلفزيون بغداد وكان النجم اللامع في البرنامج الذي كان لي شرف تقديمه في التلفزيون(الندوة الثقافية) التي استمرت قرابة (12) عاماً متواصلة،

وقبل وفاته رحمه الله طلب إلي أن أكتب مقدمة كتابه (رحلة أبي طالب خان) وقد توثقت صلاتنا الأخوية أكثر فأكثر بمرور الأيام، وقد عبّر عن هذه الصلة في كثير من المناسبات كان آخرها (قصيدة تحية)سجلها بقلمه على أحد مؤلفاته، وهي خير ما أعتز به في ذكرياتي مع العلامة جواد رحمه الله.

ومن ذكرياتي عنه في منهاج (الندوة الثقافية) التي استمرت اكثر من اثنتي عشرة سنة، كان دائم التألق وموضع اهتمام الجماهير على اختلاف مستوياتها الثقافية والاجتماعية. انه في اواسط الستينيات كنا: الدكتور جواد والاستاذ ناجي معروف وسالم الآلوسي نتحدث عن موضوعات ثقافية وتاريخية ومعضلات لغوية، وبعد مرور نحو عشر دقائق على بدء الندوة، دخل الاستوديو بهدوء الاستاذ دريد الدملوجي مدير عام وكالة الانباء ووكيل المدير العام للإذاعة والتلفزيون يومذاك واشار إلينا اشارة خاصة وكانت بيده ورقة أرسلها الينا مع مخرج البرنامج الاستاذ كمال عاكف، ثم حيانا بيده وخرج من الاستوديو بهدوء لئلا يحدث صوتاً يؤثر على البث.

قرأت الورقة- باعتباري مقدم البرنامج- وقد جاء فيها ان جماعة من الأساتذة يستمعون الى الندوة في دارأحدهم وهم يطلبون من الدكتور مصطفى جواد- إن كان صادقاً في كلامه ومعلوماته!! أن يذكر اسماء خلفاء بني العباس بالتسلسل. وعندما كان الأستاذ ناجي معروف يتحدث قدمت الورقة الى العلامة جواد وكان قد فرغ لتوه من حديثه، فالتفت إليّ مبتسماً وهز رأسه دلالة على موافقته على إجابة ما جاء في الورقة.

واستهل الاستاذ جواد كلامه مستفسراً من مرسل الورقة: هل هو امتحان أيها الأخ؟ أو محاولة احراج لشخصي واختبار معلوماتي واستجابة لطلب المرسل وارجو أن لا يخيب ظنه، أقدم المعلومات التي طلبها إن كان جاداً ذاكر اسماء خلفاء بني العباس ابتداءً من أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الملقب بالسفاح.

أمه ربطة بنت عبد الله بن عبد المدان الحارثي، ولد بالشراة سنة خمس ومئة، وقد بويع بالخلافة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومئة وهو ابن سبع وعشرين سنة. وكان طويلاً أبيض اقنى الأنف حسن الوجه سديد الرأي كريم الأخلاق، ذا فضل وحزم ويقظة وسياسة.. ثم جاء على ذكر الخليفة الثاني أبي جعفر المنصور ومن جاء من بعده من خلفاء بني العباس واحداً واحداً وكانوا سبعة وثلاثين خليفة أولهم السفاح كما ذكرنا وآخرهم المستعصم بالله وهو أبو احمد عبد الله بن أبي جعفر المنصور بن أبي نصر محمد الظاهر بن أحمد الناصر بن الحسن المستضيء بن يوسف المستنجد بن محمد المقتفى بن احمد المستظهر بن عبد الله المقتدى بن محمد الذخيرة بن عبد الله القائم بن احمد القادر بن الأمير اسحق بن جعفر المقتدر بن احمد المعتضد ابن الامير أبي احمد طلحة بن جعفر المتوكل بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي السجاد بن حبر الأمة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

ومما ملاحظ ان الدكتور جواد ذكر الخليفة العباسي الأول مع بعض المعلومات عنه مثل ذكر تاريخ ميلادهوتوليه الخلافة ووفاته ومدة خلافته وجرى على هذا المنوال مع كل خليفة من الخلفاء مع ذكر اولاده ووزرائه وقضاته وحجابه الى غير ذلك من المعلومات ثم ختم كلامه بذكر المستعصم بشيء من التفصيل معتذراً عن ضيق الوقت المخصص للندوة وقد لخص عند ذكر المستعصم اسماء الخلفاء ابتداء وانتهاء.

ثم خاطب المستمعين بقوله: هذا ما طلبه المستمع ولو كان الوقت يسمح باكثر من هذا لذكرت أكثر. ثم خاطب صاحب الرسالة: هل اجتزت الامتحان يا أيها الأخ.وعند خروجنا من الاستوديو ظهرت على الدكتور جواد إمارات الانفعال وهو يردد: مساكين هؤلاء الحساد المنافقون، مساكين بؤساء .

من اوراق سالم الالوسي