هكذا كان تعليم البنات في العهد العثماني في العراق

هكذا كان تعليم البنات في العهد العثماني في العراق

زينب هاشم جريان

لم تعد الدولة العثمانية حتى منتصف القرن التاسع عشر، التعليم والخدمات التعليمية من ضمن اختصاصاتها، وإنما أوكلت هذه المهمة إلى الأفراد والجماعات. وانحصر التعليم قبل الإصلاحات التعليمية التي حدثت في منتصف القرن التاسع عشر على التدريس في الكتاتيب والمدارس الدينية، ومدارس الإرساليات التبشيرية في مختلف الولايات العثمانية.

كانت بدايات التعليم في العراق في العهد العثماني تقتصر على الكتاتيب التي كانت قائمة في أنحاء الولايات العراقية كافة. وتقام عادة في محلات ملاصقة للجوامع والمساجد أو في بيت الملا أو الملاية.ولم يقتصر التعليم في الكتاتيب على الذكور فقط، بل أُوكل إلى بعض النسوة (الملاّيات) مهمة تدريس البنات، حيث كانت الملاّيات يعلمن بنات الأسر الفقيرة والمتوسطة للقرآن الكريم، ويتلقين دروساً في الأشغال المنزلية واليدوية، وكانت الملاية تستعين ببعض النسوة في تعليم البنات بعض المهن كالخياطة والتطريز. بينما كانت بعض الأسر الميسورة تخصص بعض المعلمات في الكتاتيب لتدريس بناتهن. وكانت الملاية تعد البنات المتعلمات كبناتها إذ تسعى لإرشادهن وتعليمهن الأخلاق الحميدة، وقبل مغادرة البنات الكتّاب ينشدن أنشودة إلى الملاّية منها على سبيل المثال –لا الحصر- قولهن:

يا ملتنا صرفينا راح الوكت علينا

فشموسنا غابت ورواحنا ذابت

طلعنـــــــــــة ليبرا شفنا حبيب الله

يا فاطمة بنت النبي أخذي كتابك وانزلي

على قبر محمد وعلي

***

على الرغم من صدور قانون المعارف في الدولة العثمانية عام 1869 والذي أكد ضرورة جعل التعليم إلزامياً للبنين والبنات على حد سواء، إلا أن افتتاح مدارس البنات في العراق قد تأخر حتى عام 1896. ففي ذلك العام جرى افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات في مدينة الموصل في محلة "جامع خزام" وهي مدرسة رشدية تُدرّس فيها المواد الدراسية التي تُدرّس عادة في مدارس البنين، مع إضافة بعض الدروس التي تختص بها مدارس البنات دون سواها كالخياطة والتطريز والأعمال المنزلية وغيرها، وبسبب عدم توافر الملاك التدريسي للمدرسة اضطرت الحكومة العثمانية إلى تأمين ملاكها باستقدام مدرسات تركيات للتدريس فيها، ولم يتجاوز ملاكها التدريسي عن ثلاث معلمات عام 1907، وكان الإقبال عليها محدوداً، ولاسيما في السنوات الأولى من تأسيسها بسبب طبيعة المجتمع الرافضة لتعليم المرأة وقتذاك، فلم يتجاوز عدد الطالبات فيها بعد ثلاث سنوات من افتتاحها عن (20) طالبة فقط، وقد تضاعف العدد في السنوات اللاحقة ليصل إلى (107) طالبة عام 1907، وبذلك فأن ولاية الموصل قد سبقت ولاية بغداد في تأسيسها مدارس البنات، وينطبق الحال على ولاية البصرة التي كانت هي الأخرى قد سبقت ولاية بغداد في تأسيس مدارس البنات، إذ تأسست فيها أول مدرسة للبنات عام 1898. ففي ذلك العام جرى افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنات في محلة السيف بمدينة البصرة مركز ولاية البصرة. وأعقبها افتتاح مدرسة أخرى للبنات عام 1902 وهي مدرسة العشار الابتدائية الواقعة في ضاحية العشار بمدينة البصرة، وقامت بإدارتها معلمتان اثنتان عند افتتاحها.

يعود الفضل في افتتاح أول مدرسة رسمية للبنات في مدينة بغداد إلى الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي الذي تقدم بعريضة إلى والي بغداد نامق باشا (1899-1902) يطلب فيها فتح مدرسة للبنات، ونال الطلب موافقة أعضاء مجلس المعارف، إلا أن أعضاءه قد اختلفوا في تحديد مكان إقامتها وحددوا عدة ضوابط في اختيار موقع المدرسة منها أن لا يكون إنشاؤها قريباً من منازل الأهالي التي تحوي على أشجار عالية بحيث تمكن الآخرين من التسلق عليها ورؤية الطالبات، وأن لا تكون نوافذها مطلة على الطريق، وقد رد عليهم جميل صدقي الزهاوي ساخراً بقوله: "هذه المطاليب تنطبق على منارة سوق الغزل".

وعلى أية حال، فأن عام 1899 قد شهد افتتاح أول مدرسة للبنات في إحدى بيوت محلة الميدان ببغداد، وهي مدرسة رشدية سميت ((إناث رشدي مكتبي)) ، التحقت بها عند افتتاحها (95) طالبة، ثم ازداد العدد ليصل إلى (137) طالبة بعد خمس سنوات من افتتاحها، وقد تألف ملاكها التدريسي من أربع معلمات تحت إدارة السيدة أمينة خانم كمعلمة أولى.

اشتملت مناهج المدرسة الدراسية على إعطاء دروس نظرية، وعدد من الدروس العملية التي تتلاءم مع طبيعة التعليم النسوي.

على العموم أن المدارس الرسمية التي أُنشئت خلال هذه المرحلة لم يتجاوز عددها عن أربع مدارس حتى عام1908 موزعة على ولايات العراق الثلاث (بغداد والبصرة والموصل)، وسبق تأسيس المدارس الرسمية للبنات أن قامت الطوائف المسيحية بإنشاء مدارس البنات منذ أوائل القرن التاسع عشر، كما أسلفنا.

سارت عملية إنشاء مدارس البنات خلال العهد الدستوري بوتيرة بطيئة، إذ لم يزد عدد المدارس التي جرى افتتاحها في ذلك العهد وحتى نهاية الحكم العثماني عن خمس مدارس ليصبح مجموع مدارس البنات في عموم الولايات الثلاث تسع فقط، وإلى (13) مدرسة خلال العام الدراسي 1913-1914، والمدارس التي جرى افتتاحها في ذلك العهد، أربع في مدينة بغداد، فتحت إحداها في جانب الكرخ من بغداد والثانية في محلة البارودية والثالثة في محلة باب الشيخ والرابعة أُفتتحت عام1914 باسم مدرسة (الاتحاد والترقي) ، وبذلك أصبح مجموع المدارس التي افتتحت في مدينة بغداد خمس مدارس أربع منها ابتدائية وواحدة رشدية. وبلغ عدد طالبات مدارس البنات في بغداد عام 1913 (540) طالبة، تقوم بتدريسهن (22) معلمة في العام نفسه، أما المدرسة الخامسة فقد افتتحت في مدينة الموصل، وعلى وفق ما ذكرته المصادر الموجودة فإنّ افتتاح المدرسة قد جرى بين عامي 1908 و1912، وقد بلغ عدد تلميذات المدرستين الرشدية والابتدائية ما يقارب (185) طالبة عام 1913 يقوم بتدريسهن ست معلمات.

ولم تفتتح في ولاية البصرة أي مدرسة خلال العهد الدستوري وقد اكتفت الولاية بالمدرستين اللتين أنشأتا في مدينة البصرة، كما –أسلفنا-، إذ لم يتجاوز عدد طالباتهن عن (31) طالبة عام 1913 يقوم بتدريسهن أربع معلمات لكل مدرسة.

يتضح مما تقدم أن مدارس البنات التي افتتحت في أواخر العهد العثماني في العراق كانت قليلة، إذ لم يزد عددها عن (13) مدرسة وهو عدد مقبول بكل الأحوال نظراً لظروفه وقتذاك وطبيعة المجتمع المحافظة. وقد سبقت ولاية بغداد ولايتي الموصل والبصرة في افتتاح المدارس وسبق التعليم النسوي الرسمي في ولايات العراق الثلاث التعليم النسوي عند الطوائف المسيحية التي قامت بإنشاء مدارس البنات منذ أوائل القرن التاسع عشر في ولاية الموصل ومنذ منتصف القرن نفسه في ولاية بغداد وفيما يأتي جدول يبين توزيع المدارس وأعدادها وأعداد الهيئات التعليمية موزعة حسب ولايات العراق بغداد والموصل والبصرة حتى العام1914.

عن رسالة : التعليم النسوي في العراق 1921-1958