المعارضة الوطنية ووزارة الباجه جي سنة 1948

المعارضة الوطنية ووزارة الباجه جي سنة 1948

د . بشير حمود الغزالي

عندما تألفت وزارة مزاحم الباجة جي في ) 26 حزيران 1948 ( لم تقدم وزارته منهاجاً إلى المجلس للحصول على ثقته بها، لكنه طرح هذا المنهاج في خطاب العرش في )الأول من كانون الأول 1948 ( الذي تضمن الوعود الكثيرة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ففي مجال السياسة الداخلية وعد بتأمين الطمأنينة والرفاهية والنظام في البلاد،

وحرص على تمتع الشعب بكامل حرياته القانونية، وحقوقه الدستورية، والجد في معالجة الأزمة المعاشية، وتيسير الخبز للناس. وفي السياسة العربية السعي لانتشال فلسطين العربية من محنتها، والاحتفاظ بعروبتها، ولإقامة دولة موحدة فيها).

تعرضت الحكومة ومنهاجها إلى انتقادات حادة من نواب المعارضة، فقد شن حسين جميل - نائب بغداد - وممثل الحزب الوطني الديمقراطي، هجوماً عنيفاً على الوزارة ووعودها الخلابة وقال: «إن رئيس الوزراء أراد أن يثبت للنواب إنه غيرعاجز على تنميق خطاب واسع مزخرف يتضمن من المشاريع عدداً كبيراً ويضم من الأمور ما سبق تكراره في كثير من خطب العرش السابقة والمناهج الوزارية ». وأصبح بعد ذلك - في رأي حسين جميل - في عداد المدعين الذين أنتقدهم وحمل عليهم،

وتساءل النائب حسين جميل باستغراب شديد عن كيفية تدبير رئيس الوزراء المال اللازم لإنجاز المشاريع الكثيرة التي وعد بها بعد أن اعترفت وزارته بخطاب العرش بأنها تعاني من صعوبة مالية. وفي ختام حديثه أكد على أن عدم القيام بالمشاريع النافعة هو مثال يضرب مقدار إهمال المسؤولين لمصالح الشعب))).

ازدادت الانتقادات لوزارة الباجة جي بعد قبول استقالة صادق البصام – وزير الدفاع - في ) 27 أيلول 1948 ( بعد تصريحاته المثيرة لجريدتي الزمان والأخبار في 25 أيلول التي أتهم فيها الإنكليز بخيانة مصالح العرب، والولايات المتحدة بمساعدتها اليهود، فضلاً عن موقفه المعارض لتقليص الأحكام العرفية))). وقد تساءل عدد من نواب المعارضة عن أسباب الاستقالة، الأمر الذي أثار رئيس الوزراء ودفعه إلى مهاجمة المعارضة، زاعماً من أن بعض المغرضين يتخذون من استقالة البصام سبباً لإثارة مشكلة ضد الوزارة، فانبرى النائب محمد مهدي كبة، رئيس حزب الاستقلال، للدفاع عن المعارضة والرد على أتهام رئيس الوزراءوقال: منذ أن اشتغلنا في السياسة لم نحرج وزارة أو نحدث شغباً في البلاد بل بالعكس ان موقفنا دل على أن سلوكنا كان جداً متزناً، فإذا ما عارضنا، فإنا نعارض على أساس مبدأ، ونعتقد بأننا سلكنا سلوكاً يأتلف ومصلحة البلاد.

اجتمع مجلس النواب في ) 23 تشرين الأول 1948 ( لبحث التعديل الوزاري الذي تم بموجبه تعيين شاكر الوادي وزيراً للدفاع، وكان حاضراً الاجتماع رئيس الوزراء - مزاحم الباجة جي - وقد توتر جو المناقشات، وزاد تأثر نواب المعارضة بعد مناقشة أسناد وزارة الدفاع لشاكر الوادي الذي كان عضواً في مفاوضات معاهدة بورتسموث والذي فشل في انتخابات عام 1948 عندما رشح نفسه في إحدى المناطق الانتخابية في بغداد. وأجاب رئيس الوزراء على انتقاد نواب المعارضة لشاكر الوادي، موضحاً بأن دور شاكر الوادي في المفاوضات ونشاطه في عقدها كان قليلاً، وأوضح بأنه اشترك خبيراً عسكرياً، وأنه قطع كل صلة بالماضي وأعلن استعداده لتنفيذ سياسة الوزارة. وقد رد عليه النائب عبد الرزاق الحمود – نائب البصرة - مشيراً إلى أن إدخال عضو في الوزارة من خارج المجلس وعدم استشارة رئيسه يدل على أن الذهنية التي كان يتصف بها رؤساء الوزارات السابقون يتصف بها رئيس الوزراء الحالي، واستطرد يقول أن أدخال شخص ممن أسهم في عقد معاهدة بورتسموث والتوقيع عليها اقل ما يقال فيه انه لم يراع عواطف الشعب. وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى وزارة الباجة جي، إلا أن المعارضة امتدحت الوزارة، عندما أصدرت قراراً بأنشاء المصرف العقاري، وقال النائب عبد الرزاق الشيخلي بأنه يعارض داخل المجلس، ليس من أجل المعارضة، وإنما يعارض كل مشروع فيه ضرر على البلاد، ويؤيد كل مشروع فيه نفع للبلاد،

ولذلك يتوجه بالشكر والامتنان لوزير المالية - علي ممتاز - لقيام وزارته بأنشاء المصرف العقاري))). وإزاء استمرار الانتقادات لوزارة الباجة u1580 جي من المعارضة، استطلعت جريدة الزمان آراء بعض قادة المعارضة عن صورة الوزارة التي تطمح إليها، فكان لقاؤها مع النائب محمد رضا الشبيبي الذي وضع منهاجاً متواضعاً لوزارة الإصلاح في السياسة الداخلية جاء فيه : 1 - الغاء الأحكام العرفية.2 - تقييد السلطات الحكومية وتصرفات رجالها تقييداً حقيقياً بقواعد الدستوروأحكام القوانين ويجب أن تكون المراجع العليا في الدولة القدوة الحسنة. 3 - السعي بكل الوسائل الممكنة لرفع مستوى المعيشة ومكافحة الغلاءوالمجاعة. 4 - تطبيق سياسة اقتصادية، من أهدافها حماية حقوق المنتجين العراقيين زراعياً وصناعياً من المنافسات الأجنبية. 5 - تيسير العمل لأرباب الحرف والمهن والصناعات ومكافحة البطالة المتفشية بين هذه الطبقات. 6 - تخصيص ما يكفي من المال للقيام بالمشاريع العمرانية. 7 - إصلاح مناهج التعليم في المدارس الحكومية، بإصلاح أهدافها ووسائلها وخصوصاً في الأرياف . 8 - الاستفادة من الكفاية المتوفرة في الشباب وإحلالهم محل الطبقة الضعيفة من موظفي الدولة. 9 - العناية بالترفيه عن الموظفين والمستخدمين على وجه يقطع دابر الرشوة.

قدمت وزارة الباجة جي استقالتها في ) 6 كانون الثاني 1949 ( وعهد إلى نوري السعيد بتأليف الوزارة الجديدة، فشكل السعيد وزارته العاشرة في اليوم الأول نفسه، التي لم تقدم منهاجها إلى المجلس النيابي .

عن كتاب ( المعارضة الوطنية في العراق

في العهد الملكي) .