حميد رشيد.. صحفي لامع شعاره الصحافة مدرسة الحياة

حميد رشيد.. صحفي لامع شعاره الصحافة مدرسة الحياة

شاكر اسماعيل

عندما تحول ايامك السود الى ايام ضاحكة والجهل الى معرفة وتعزف على قيثارة الحياة الحانا شجية،، وتصبح قيود معصمك مفاتيح مستقبل زاهر باهر كانك المناضل الحقيقي الذي يجعل من ايام حياته الحافلة بالعطاء من اجل تقدم الوطن ومن كلماته شموعا تنير الطريق عطاء بلا حدود. وثراء روحيا هو زاد الجماهير وذخيرتها في معركة الحياة!.

وعندما تودع الدنيا ورصيدك النقدي قرشا واحدا هو اربعة فلوس قبل ان يصبح فلسا هو شهادة عدل على نظافة اليد.. والضمير. هم يكتنزون الذهب وذهبك علم ومعرفة يساويان قراريط من الذهب، وتوقيعك تحت كلمة تعلم الناس ادب الحياة كنز جواهره حكمة ومعرفة وثقافة وادب.

كم انت رائع ياحميد بن رشيد. تعالوا نجوس في متاهاة حياة هذا الصحفي العراقي اللامع باثارها، بوقائعها بكفاحها الموصول من اجل ان تبقى الصحافة مدرسة للحياة حياة دراماتيكية يختلط فيها الحزن بالالم والضحك بالبكاء . فعندما ينتقل مبدع الى رحاب الابدية وهو لايملك من حصاد عمره وشقاء وضراء عمله سوى اربعة فلوس لاغيرها تواجه فيها اسرته اعاصير الحياة فتلك مأساة تعتصر القلوب حزنا واسى.. كاتب مبدع وعندما يكون ذلك الانسان المبدع كاتبا لوذعيا وصحفيا بارعا شمولي الثقافة علم نفسه بنفسه، ونهل من ينابيع المعرفة بلغاتها العربية والانكليزية والفرنسية مايثرى ثقافته وينمي معلوماته بكل ماهو جديد ومفيد في عالم الثقافة والفنون والعلوم فذلك هو المثقف الحقيقي معرفة واطلاعا وحميد رشيد كان احدهم.. كرس نفسه للبحث عن الحقيقة والنضال من اجل الحقيقة لايثنيه عن بلوغها جوع او تشرد او ضياع، انه حميد رشيد فقط بلا لقب، بلا نسب، العراق لقبه والوطن نسبه والصحافة عمله..

وعندما نتحدث عن حميد رشيد، نتحدث عن الكلمة الحلوة الانيسة التي تنتزع منك الاعجاب والاطناب عن الاسلوب الرشيق الانيق الدقيق في تعابيره ورموزه ومفرداته المحملة بثقافة عصرية وتراث عربي وحضارة لاتينية اجهد نفسه في تعلمها لمواكبة احداث التاريخ للغات اقوامه فكما تعلم الانكليزية بلغة شكسبير ليقرأ اشهر كتبه ومؤلفاته فقد حاول ايضا ان يرتوي بلغة ابناء السين ليكون شاهدا على الثورة الفرنسية التي وهبت البشرية شعارات الحرية والمساواة ويستمتع بقراءة (البؤساء) لفكتور هوجو وهو الصحفي البائس الذي قضى حياته مدينا للاصدقاء والزملاء، كما تعلم اللاتينية ليقرأ (الالياذة والاوديسة) بلغة الاغريق. وجبة دسمة *حميد رشيد في سلوكه الاجتماعي غرابة فهو يستلف من هنا وهناك لا ليشتري خبزا لعياله واطفاله وهم بحاجة ماسة اليه بل ليشتري اسطوانات للموسيقار بتهوفن وموتزارت وهايدن او شتراوس التي هي بالحانها وموسيقاها سمو بالمشاعر الانسانية انه يعتبر شهرزاد وجبة عشاء دسمة وحلاق اشبيلية اناناسا شهيا حلو المذاق والحان عبدالوهاب مأكولات شرقية تفوح منها روائح تنعش الروح، ولابأس بعد ان يشتري الاسطوانة او الكاسيت ان يتناول وجبة (فشافيش) بعشرة فلوس غداء او عشاء.. الروح اولا؟ كاتب محارب *تنافست صحف ايام زمان على التعاقد مع حميد رشيد ليكون كاتبها المفضل، وحميد كان يكتب كل شيء وفي مختلف المواضيع، المقال الافتتاحي والتعليق السياسي والخبر المحلي اجتماعيا، فنيا، اقتصاديا، رياضيا، ومعالجة الاوضاع الاجتماعية باسلوب ساخر وكان يلبي طلب كتابة اي موضوع ولكن وفق رؤيته الخاصة ويترك لسواه التعبير عن افكار لايؤمن بها انما تعبر عن رأي الجريدة في الاحداث السياسية محليا وخارجيا اما في الترجمة فانه ينتقي المواضيع التي تخدم الحركة الوطنية وتعبر عن بعض اتجاهاتها، وكان يترجم ذلك التعبير الى مشاركة ميدانية وفعلية في التظاهرات التي كانت تندلع بين فترة واخرى، وكلما عاد منها وهو معصوب الرأس بعد ان تلقى عدة هراوات اسالت دماءه فياضة، وفي تظاهرات 1952 كاد يفقد حياته لولا ان رصاصة طائشة اخطأته لتصيب فتى اودت بحياته وكانت جثته اللافتة التي حملها رشيد وبعض المتظاهرين احتجاجا صارخا على الظلم وتعسف السلطة القائمة يومذاك.

كان انغماس حميد رشيد في التظاهرات الوطنية قادته الى المواقف عدة مرات ومرات وفي احداها نال حكما بالسجن لمدة سنتين قضاها وراء القضبان كاستراحة لكاتب ومحارب.

جمعية الحفاء *امضى حميد مقتبل شبابه جنديا في المخابرة ويومها لم يكن يملك شهادة تعفيه من اداء الخدمة الالزامية ولابد لها من البدل النقدي فامضاها بسلام ونظام وانتظام، حاول ذات مرة التقدم الى وزارة الداخلية مع بعض رفاق دربه السياسي لتأليف جمعية لمحاربة الحفاء التي كانت سائدة بشكل بارز في حياة المجتمع العراقي ومواطنيه وعندما تقدموا بالطلب قيل لهم هل تكافحون الحفاء بالحفاء؟ ليس بينكم من يرتدي حذاء يدل على العناية بنفسه وحذائه!! حميد رشيد صحفي المعي يمثل المدرسة الحديثة في الصحافة التي تجمع بين جمال الاخراج وسمو المعنى، الاغنية الناجحة هي التي تجمع بين حلاوة اللحن وجمال المعنى. لم يكن في حياة حميد رشيد مايدل على انه كان يعاني مرضا كان مرحا متفائلا يبتسم للحياة يرى في الظلام نورا لابد ان يضيء ولكن الحياة كان لها حكم لم يعرف سره حميد رشيد، انها ارادة الله، وفي رحاب الخلد تبقى خالدا ياحميد بن رشيد البغدادي.

مجلة الزراعة العربية 1988.