1000 يوم مع المرحوم حميد رشيد

1000 يوم مع المرحوم حميد رشيد

محسن حسين

عرفت الصحفي الكبير الراحل حميد رشيد في بداية عملي الصحفي وبقيت معه مدة الف يوم بدون انقطاع. البداية كانت عام 1957 وعملنا معا في 3 مؤسسات حتى أواخر عام 1959 أي نحو 3 سنوات (ألف يوم) لم نكن نفترق كان اكبر مني بـ 8 سنوات وأقدم في مهنة الصحافة.

عندما عرفته كنت في بداية عملي فكان لي خير معين على التعرف على هذا المحيط المجهول يحذرني من المخلوقات التي كانت تعيش فيه بعضها سيء بل كنت مسرورا بأوامره أن أتجنب هذا أو ذاك كما كان يرشدني إلى الصحفيين المهنيين ذوي السيرة الحسنة. كان كالأخ الكبير وكان فضله لا ينسى.

كنت محظوظا أن التقي في بداية عملي به وبمجموعة من الشخصيات اللامعة مثل بدر شاكر السياب وعلي الوردي وحافظ القباني ومراد العماري ومحمد حامد ومنير رزوق وحازم باك (في جريدة الشعب) وسجاد الغازي ومعاذ عبد الرحيم وقاسم السماوي ( في جريدة الجمهورية) وأبناء روفائيل بطي كمال وبديع وفائق وسامي ثم صادق الصائغ (في جريدة البلاد ) ومفيد الجزائري وإسماعيل الربيعي (في الإذاعة حين أسسنا نواة وكالة الأنباء العراقية) .

اذكر أننا كنا نشترك في المزاح مع السياب بعد أن التحق بجريدة الشعب التي كنا نعمل فيها ولم يزعل منا وتوطدت علاقتنا به وزرناه في منزله البسيط في محلة الكسرة حيث رأينا أولاده الصغار واذكر أننا دهشنا لبنيتهم الضعيفة وهيأتهم التي كانت توحي بالفقر المدقع.

خلال عملنا في الشعب والجمهورية والبلاد كان يكتب المقال الافتتاحي ،والتعليق السياسي، والمواضيع الاجتماعية والفنية والاقتصادية وكانت ترجماته من اللغة الانكليزية تلقى ترحيبا من رؤساء تحرير تلك الصحف وإعجاب قرائها. وبعد أن أتقن اللغة الانكليزية ومارس الترجمة منها بدأ في تلك الفترة تعلم اللغة الفرنسية (بدون معلم) مما أثار دهشتي وإعجابي.

كما كان يجري لقاءات صحفية اذكر منها الحوار الذي أجراه ونشر في مجلة الأسبوع مع الدكتور علي الوردي وقد أثار الحوار مع الوردي ونشر في المجلة يوم 18 كانون الثاني 1958 (احتفظ بالعدد وصورة لهما حتى الآن) ضجة كما هو متوقع وكان من عناوينه (أنا من أتباع زيد بن علي ولست زنديقا ولا كافرا .

كان حميد مثالا للصحفي الذي يعتز بنفسه وقدراته الصحفية وعندما أسسنا وكالة الأنباء العراقية كنا نتوقع ان يكون هو مديرها لكننا لم نكن نعلم أننا في الوقت الذي انشغلنا في العمل الصحفي اليومي منذ أوائل آذار الى 9 تشرين الثاني 1959 كانت الحكومة قد كلفت المحامي احمد قطان وهو من الحزب الوطني الديمقراطي الذي يرأسه كامل الجادرجي ومن قادته وزير المالية محمـد حديـد وكان يكتب في صحيفة الحزب (الأهالي) ويعد الأمور الإدارية والمالية وقانون ونظام الوكالة بتكليف من وزير الإرشاد د فيصل السامر على أن يكون هو المدير العام وهذا ما حدث فعلا، وفي الأيام الأخيرة لعملنا في الإذاعة جاءنا احد الموظفين وطلب ما أعددناه من أخبار في ذلك اليوم ليطلع عليها احمد قطان الذي كان يجلس مع رئيس الإذاعة والتلفزيون آنذاك ذوالنون أيوب فثارت ثائرة حميد رشيد ورمى الأخبار على الموظف وترك الإذاعة ولم يرجع للعمل مطلقا رغم كل توسلاتي.

لكن رغم تلك القطيعة مع الوكالة فقد بقينا أصدقاء نلتقي بين الحين والآخر في المؤتمرات الصحفية ونتزاور خارج العمل الصحفي. وكان مخلصا لأصدقائه؟

واذكر أن المرحوم حميد رشيد كان معجبا بجرأة زميلنا مفيد الجزائري الذي تطوع مع مجموعة من شباب العالم ليكونوا في الصحراء الكبرى في المغرب ليمنعوا فرنسا من تفجير قنبلتها الذرية الأولى أوائل عام 1960 وبعد أن فشلت المهمة إذ فجرت فرنسا القنبلة قبل يوم من وصول المتطوعين عاد إلى بغداد ولكن بعد اشهر ودعنا الصديق مفيد في مطار المثنى عندما غادر في يوم 28 تشرين الثاني 1960 إلى براغ ليعمل في القسم العربي في الإذاعة الجيكو سلوفاكية ولم يرجع إلى بغداد إلا بعد 43عاما في عام 2003 ليكون وزيرا للثقافة.

رحل عنا مبكرا ولم يتجاوز عمره الـ43 عاما وكانت وفاته في مكتبه بالجريدة في 18 شباط من عام 1969بعد أن انتهى من ترجمة أخر مقال في حياته بعنوان “ النازية الجديدة في ألمانيا الغربية وموقف الدول الاشتراكية “ الذي أعده صبيحة وفاته.

ترك المرحوم حميد رشيد سبعة أطفال أكبرهم لم يتجاوز الـ 16 ،وأصغرهم الإعلامية رجاء حميد رشيد التي أعدت مشكورة هذا الكتاب ذكرى لزميلنا وصديقنا المرحوم والدها.

وأنا اكتب هذه السطور اشعر أني لم استطع أن أفي حميد رشيد حقه فقد كان إنسانا رائعا وصديقا مخلصا والاهم انه كان صحفيا كبيرا.