من تاريخ الإصلاح التعليمي القديم..مدرسة جمعية منتدى النشر في الكاظمية

من تاريخ الإصلاح التعليمي القديم..مدرسة جمعية منتدى النشر في الكاظمية

د .اياد يونس عريبي

مع حلول عام 1935 توصل العديد من علماء الدين في مدينة النجف حيث مركز الدراسة الدينية التقليدية الى انه من المستحيل القيام بمحاولة لاستبدال المدرسة القديمة التي اصبحت ضعيفة في تقديم حلول المشاكل الدينية والسياسية والاجتماعية ، فكان من الضروري تأسيس مدرسة دينية من طراز جديد ، تستطيع تلبية حاجات الناس المتطورة ،

واريد لهذه المدرسة ان تكون من نوع مختلف عن المدرسة القديمة والمدارس الحديثة الرسمية ، سواء على صعيد التنظيم المالي او في نظام الامتحانات الدورية لتقييم اداء الطلبة ، كما ان هذه المدرسة تدفع رواتب شهرية للمدرسين ، والاهم ان مناهجها تجمع بين الدين ودراسة العلوم الحديثة ، وان يكون الاهتمام ليس على عدد الطلبة بل على النوعية للطلبة الخريجين ، وكان الهدف من هذه المدرسة اعداد جيل من المجتهدين يلبون الحاجات الملحة للمجتمع والتطورات الحاصلة في العصر.

في 16 ايار عام 1935 وافقت وزارة الداخلية على تأسيس هذا المشروع ونص القانون الاساسي لمنتدى النشر على ان تكون مقاصده تعميم الثقافة الاسلامية والعملية بواسطة النشر والتأليف وغيرها من السبل المشروعة ، والتي يسنها مجلس الادارة ، ويعني المنتدى عناية خاصة باللغة العربية الفصيحة.كانت جمعية منتدى النشر تتألف هيئتها الادارية من اساتذة وطلبة الحوزة العلمية في النجف ، وهي التي تشرف على مدرسة منتدى النشر ، والتي كان يعود الفضل في تأسيسها للشيخ المصلح “محمد رضا المظفر.

كانت مدارس منتدى النشر بمثابة العمل الرائد في مجال التجديد والاصلاح وقد حققت نجاحاً ملحوظاً في تطوير الدراسة ، بعد ان مزجت بين التعليم الديني والتعليم الحديث ، وبالفعل فقد تخرج من هذه المدارس اعداد كبيرة من الطلبة، الذين جمعوا بين التعليمين , وكان طموح الشيخ محمد رضا المظفر يتوافق مع طموحات هؤلاء الطلبة في اكمال دراستهم والحصول على شهادات عليا ، ومعارف وعلوم اوسع ، كما ان هناك رغبة كبيرة عند المظفر لتحقيق تجديد في الدراسات الدينية التي كان لها مكان أكبر في التركيبة الحوزوية ، فكان مشروعه التجديدي المنبثق كثمرة اكثر نضوجاً من جمعية منتدى النشر حين اسس كلية الفقه.

في اواخر عام 1944 اتفق مرتضى العسكري واحمد امين مؤلف كتاب “التكامل في الاسلام” مع الشيخ محمد رضا المظفر المعتمد العام لجمعية منتدى النشر في النجف على افتتاح مدرسة ابتدائية دينية في الكاظمية باسم “مدرسة منتدى النشر” وتم تأسيس هذه المدرسة ونالت الجمعية على اجازة رسمية من وزارة المعارف بافتتاح هذه المدرسة , وغدا للمدرسة ملاك براتب شهري وقد نجح هذا الفرع نجاحا باهرا ، وكان يحضر نشاطات هذه المدرسة رجالات الدولة وقتذاك امثال جعفر ابو التمن ومحمد رضا الشبيبي والسيد عبد المهدي المنتفكي , وكان يقال ان الفرع زاد على الاصل, ولهذه المدرسة قسمان نهاري ومسائي وكل منهما فيه ستة صفوف.

اظهرت نتائج الامتحانات العامة (البكالوريا) للعام الدراسي 1948-1949 ان خريجي الصف السادس من هذه المدرسة ، نالوا المرتبة الاولى على اقرانهم طلبة مدارس العراق قاطبة( )، ويروي مرتضى العسكري عن دور هذه المدرسة وتأثيرها فيقول : “ كنت اركز على ثلاثة من التلاميذ الذين لاحظت فيهم نبوغا وعنيت بتربيتهم شخصيا والثالث منهم فكان القمة بين اقرانه في النبوغ وكان اسمه “محمد باقر الصدر” الذي انتقل بعد الدراسة الى النجف الاشرف بصحبة اخيه السيد اسماعيل الصدر، ومن مظاهر نبوغه درس منهاج المرحلتين الاولى والثانية في عام واحدة ودرس منهاج المرحلتين الثالثة والرابعة في العام الثانية ثم غادر المدرسة واتجه الى الدروس الحوزوية عند اخيه السيد اسماعيل الصدر وفي عام 1948 فتحت مدرسة منتدى النشر في الكاظمية ابوابها للطلاب وشرعت بالدوام للعام الدراسي الجديد بأقبال كبير من ابناء مدينة الكاظمية بعد ان اظهر طلبتها تفوقا في العام الدراسي 1947-1948 كما اثبتت ذلك نتائج الامتحانات.

قررت الجمعية في النجف بعد اجتماع مجلس ادارة الجمعية في 7 تشرين الثاني 1949 اسناد ادارة القسم النهاري والمسائي الى الاستاذ عبد الصاحب عبد الامير المعتوك بالوكالة ، وكان السيد مرتضى العسكري طلب من مديرية معارف بغداد تدوين اجازة المدرسة باسم “جمعية الثقافية الاسلامية” بدلا من جمعية منتدى النشر في 3 ايلول 1949 ، وقد اكدت معارف بغداد ان جمعية منتدى النشر في النجف الاشرف هي المشرفة على المدرسة الابتدائية النهارية والمسائية في الكاظمية ، والمسؤول عنهما امام الوزارة هو معتمد الجمعية الشيخ محمد رضا المظفر .

من نشاطات المدرسة الاخرى انها اصدرت نشرات جدارية منها نشرة “الشروق” أصدرها تلاميذ الصف الرابع المسائي ، ونشرة “الأنوار” اصدرها تلاميذ الصف الخامس المسائي ، والنشرتان كانتا تحت اشراف الاستاذ علي الدجيلي ، اما الصف الخامس النهاري فاصدر نشرة بعنوان “التوجيه الديني” تحت اشراف الاستاذ محمد الحيدري ، قام القسم النهاري بسفرة مدرسية الى الفلوجة والحبانية والرمادي كما قام القسم المسائي بسفرة مدرسية الى الحلة واثارها في بابل وتم تعيين حسين علي محفوظ مديرا للقسم المسائي ومشرفاً على القسم النهاري وتعيين الحاج الوجيه صادق سيفي مراقبا عاما على المدرسة.

اما بالنسبة لصحافة الجمعية ، فهي اصدارها مجلة “النجف” وهي مجلة علمية ادبية شهرية ناطقة باللغة العربية انشأها العالم والاديب والشاعر السيد هادي بن حسين فياض النجفي (1910-1991) وهو احد المؤسسين البارزين لجمعية منتدى النشر ، ولذلك تنسب المجلة تارة اليه ، مباشرة وتارة الى الجمعية ، وقد صدر العدد الاول منها عام (1957) واستمرت لخمسة اعوام ثم توقفت وكانت تتولى اقامة المهرجانات الثقافية والمواسم الادبية والموضوعات العلمية والدينية والاجتماعية ولاسيما نتاجات جمعية منتدى النشر, وكانت ترد اعداد هذه الجمعية الى بغداد.

عن رسالة : الجمعيات الاجتماعية والدينية والفنية واثرها الثقافي في بغداد 1933-1958 .