فوك النخل ويم العيون السود روائع في‮ ‬الذاكرة

فوك النخل ويم العيون السود روائع في‮ ‬الذاكرة

رياض المحمداوي

نجوم انارت سماء بلادي تعدى عشاقها كل الشوارع والبيوت وحاراتك يابغداد وسافرت بعشقها وموسيقاها وايقاعاتها المتنوعة كل بقاع الارض لتعلن الحب والسلام من ارض الحب والسلام .. فسلام من ربوعها الخضر لاناس اوفياء عاشوا فيها وزرعوا الحب والنغم في كل اركانها ورووها من وفائهم ومياه دجلة الخير فكبرت وترعرعت واصبحت جزءا من لياليها المقمرة باصوات وانغام شجية تغنت بها الاطياركنغم يزين اعشاشها كما زينها ناظم نعيم بموسيقاه والحانه الخالدة فرسم اجمل الصور في تاريخ الاغنية العراقية الحديثة.

ولد الملحن والموسيقار العراقي الكبير ناظم نعيم في بغداد بتاريخ 1 / 7 / 1925 وهو من عائلة عراقية عشقت الموسيقى واحترفتها. فكان والده نعيم سلموعازف كمان مقتدر عمل طويلاً عازفاً وترأس العديد من الفرق الموسيقية العراقية الرائدة . فنشأ ناظم نعيم منذ صغره في أجواء النغم والموسيقى فتتلمذ على يد والده وتعلم العزف على الكمان والعود ودرس النوته الموسيقية واصبح من عازفين الة الكمان المعروفين . وكذلك عمّه الفنان شاكرسلمو والذي كان عازفاً للعود. وكذلك شقيقه الثاني عزّت من مواليد بغداد 1931 ليصبح هو الآخر عازف كمان قديراً عمل طويلاً في مجالات الفن في الاذاعة والمسرح أما شقيقه الثالث، توفيق مواليد بغداد 1934 فإنه إكتفى بتذوق الموسيقى والذي امتهن الصحافة، وكتب الكثير من المقالات في الموسيقية والفنون في الصحف والمجلات العراقية .

عمل الفنان ناظم نعيم مع أبرز عازفي الكمان العرب والعراقيين من الجيل الأول ، أمثال الموسيقار الراحل جميل بشير وغانم حداد وغانم عقراوي (الطبيب الجراح) وآرام تاجريان وآرام بابوخيان وفؤاد عبد الرضا وروحي الخماش وغيرهم من أوائل الذين إلتحقوا بمعهد الفنون الجميلة والذي تاسس في بغداد عام . 1936

عمل في دار الاذاعة العراقية عام 1943 كعازف للكمان وساهم بشكل فعال بتطوير التراث اللحني البغدادي ويعتبر من اصحاب المدرسة العراقية الحديثة والذي كون مع الشاعرالعراقي الكبير جبوري النجار والمطرب ناظم الغزالي والموسيقار جميل بشير مجموعة فنية رائعة أخرجت للذوق العام أجمل أغاني المطرب ناظم الغزالي الذي تعرف عليه الملحن ناظم نعيم في فرقة الموشحات الاندلسية التي كان يشرف عليها الشيخ علي درويش والموسيقار روحي الخماش رحمهما الله الذي قال عن الغزالي ..لقد وجدت في ناظم الغزالي الميل الشديد في تأدية المقام العراقي عندما سمعته يؤدي لاول مرة مقام الحويزاوي وبطريقة فيها الكثير من الحداثة في الاداء فاعجب به نعيم وبصوته وقرر ان يكون بينهم تعاون في الالحان فجاءت أغاني المطرب ناظم الغزالي بمزيج من الحداثة والتراث والمعاصرة بين الالة الغربية والشرقية فكانت خبرة الموسيقار الكبير جميل بشير في التوزيع الموسيقي قد ساهمت في تزيين الحان نعيم باحدث التوزيع الموسيقى فكانت الحان ناظم نعيم المشبعة بالتراث البغدادي واحداثة وانتقاء المفردة السهلة والمعبرة والبعيدة عن المصطلحات البغدادية والقريبة للمفهوم العربي العام اللغة البضاء التي ابدع في اسلوب كتابتها الشاعرالكبير جبوري النجارقد انتج عن ثلاثي جميل اسهم في تقدم روائع الاغنيات مثل طالعة من بيت أبوها وما أريده الغلوبي وأحبك وأحب كلمن يحبك وفوك النخل ويم العيون السود مروا علي الحلوين وجميع اغاني الغزالي والتي يرجع فضل انتشارها إلى خروج ناظم الغزالي عن الأصول التقليدية المتبعة انذاك في طريقة الأداء والغناء وحتى الموسيقى. عاش ناظم نعيم في بغداد وبعد نجاحه الباهر مع اصدقائه الغزالي وجميل بشير ونالوا شهرة وانتشاراً واسعاً في العراق بعد ماعانوا الكثير من المعارضة والتشهير من قبل مطربين المقام وغيرهم من النظام القديم .تزوج ناظم نعيم من المطربة نرجس شوقي وقدم لها بعض الالحان كما قدم الحانه للمطربات في فترة الخمسينات ومنهم وحيدة خليل وأحلام وهبي ومائدة نزهت وعفيفة اسكندر واشهر هذه الاغاني التي لحنها الفنان الكبير ناظم نعيم :

جميع أغاني المطرب ناظم الغزالي ومن اغاني المطربة احلام وهبي اغنية هاي من الله قسمتي وعندي هدية للولف واغنية الله الله من عيونك. اما الفنانة الكبيرة مائدة نزهت لقد لحن لها اغانيتي الروح محتارة واغنية كالو حلوكل الناس تهواه . كما لحن للفنان الكبير فؤاد سالم من نغم المخالف أعاتب والعتب سكتة. وللمطرب سعدي البياتي اغنية انا بيدي جرحت ايدي. واغنية زعلانه وانتي المنى للمطرب صلاح عبد الغفور. وقد لحن للفنانة الكبيرة عفيفة اسكندر قصيدة .. تعيش انت وتبقى .

وكحال اغلب مبدعين العراق عانى الفنان الكبير ناظم نعيم الاهمال فقرر الارتحال إلى الولايات المتحدة الامريكية منذ عام 1982 ليستقر وعائلته في ولاية ميتشيغان ويمارس العزف بين الحين والآخر. فهو يميل للهدوء والسكينة كما هي عادته بعيداً عن الأضواء يحب المطالعة والإستماع إلى الموسيقى ومتابعة الاعمال الفنية والموسيقية الجديدة والتواصل مع بعضٍ من أصدقائه وبخاصة زملاء الفن من جيله الذين عاصروه أمثال فؤاد ميشو وعبد الكريم بدر

يعتبر الفنان ناظم نعيم من جيل الحداثة في الاغنية العراقية وله الفضل الاكبر في تقديم الفنان ناظم الغزالي للساحة الفنية العراقية والعربية مع زميله الموسيقار الراحل جميل بشيرفقد لاقت الحان نعيم بصوت الغزالي ثورة في التغيير لمرحلة الغناء العراقي انذاك فقد احبها الجمهور وتغنى بها كبار المطربين العراقيين والعرب والى يومنا هذا. فقد ساهم هذا الفنان مساهمة كبيرة في تطور مسيرة الاغنية العراقية وحافظ على رونقها واصالتها فاضاف لها الكثير بالحانه الخالدة والتي عبرت برونقها ورشاقتها كل الحدود ووصلت الى جميع بقاع الارض فاصبحت عنوان عراقياً ولوناً من اجمل الالون الغنائية في تاريخ الاغنية العراقية الحديثة

يتحدث الفنان ناظم نعيم قائلا إن ما يجري حالياً هو تزوير التاريخ والوقائع في الوقت الذي لا يزال أصحاب العلاقة على قيد الحياة. من المُعيب ومن المؤسف بعد إحالتي اتلى التقاعد ومغادرتي العراق الحبيب مع عائلتي حتى أمضي بقية حياتي في ملاحقة ذكرياتي وتدوينها.

لقد تابعتُ الكثير من الندوات عبر شاشة التلفزيون العراقي اوغيره أوعبر الإذاعة تتعلق بمواضيع الفن والفنانين الموسيقيين والملحنين وكنتُ أجد نفسي ذلك التحاشي عن ذكرإسمي وشعرتُ بمرارة وألم إنَّ أحداً من هؤلاء لم يُشِر حتى ولا إشارة إلى ما قدَّمه ناظم نعيم، بل الأكثر من ذلك أن الكثير من الحاني أخذت تُنسب إلى ملحنين آخرين – سامحهم الله. فكنت أشعرأن حقّي قد غُبِن في عصر التغييرات فمنذ تعيينه في العام 1943 في دارالإذاعة العراقية كعازف كمان معتمد وشكل ثلاثي جميل مع المطرب ناظم الغزالي والموسيقار جميل بشير، إلى جانب الشاعر الغنائي العراقي الكبير جبوري النجار.

فقد ذكر نعيم ان الفضل الاكبر في انتشار اغاني وشهرة ناظم الغزالي لم تكن من العراق بل كانت اغلب التسجيلات الصوتية والتلفزيونية للغزالي هي تلك التي سجَّلها التلفزيون الكويتي في العام 1962 بالأبيض والأسود – قبل زمن التلفزيون الملوَّن وقبل رحيل الغزالي بأشهُر، والتي يبثُّها التلفزيون العراقي حتى يومنا هذا.

بعد ان تلقَّى الغزالي دعوة من الحكومة الكويتية عام 1962 وتم تسجيل وتصوير 22 أغنية من ضمنها المقامات وحين نُمعن النظر في الفرقة الموسيقية المرافقة للغزالي في هذه التسجيلات، نجد بين أعضائها أربعة عازفين من العراقيين وهم يقودون العمل الموسيقي وبقية العازفين هم من بلدان أخرى. أولئك الأربعة الذين اصبحوا في مابعد رفاق درب الغزالي . هم: الفنانيون ناظم نعيم (كمان)، سالم حسين (قانون)، خضر إلياس (ناي)، وحسين عبدالله (رقّ.)

ناظم الغزالي الذي أنشد للوجدان الإنساني أجمل قصائد الشعراء العرب وأحلى أغاني بلده العراق لم يكن ناظم نعيم بحاجة إلى واجهة تظهره للملأ، لكنها كانا ثنائياً رائعاً ورفاق درب فني طويل. سافر ناظم نعيم في جولات كثيرة، شرقاً وغرباً، حاملاً (أوراق إعتماده) كسفير لموسيقى بلاده، ناشراً بمفرده أو بفرقته الموسيقية المصاحبة لهذا المطرب أو ذاك، وكان للغزالي فيها حصة الأسد حتى بات إسم الغزالي رمزاً للموسيقى العراقية بدون منافس فاين ماذهب المرء يجد ناظم الغزالي حاضرآ باغنياته الطربية التي تغنى في جميع ارجاء الوطن العربي فقد قام ناظم نعيم بزيارة مصر عدة مرات، وإلتقى فيها فناني مصر الكبار. منهم سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم والاستاذ موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب .ومن خلال زيارته إلى الكويت فقد تعرَّف نعيم على الفنان الكبير عازف الكمان الأول في فرقة أم كلثوم أحمد الحفناوي وطلب منه إذا كان بالوسع الحديث أو مفاتحة أم كلثوم لتقديم لحنٍ لها.

فأجاب الحفناوي: وبعد أن إستمع إلى أغاني الغزالي التي هي من ألحان نعيم والتي سُجِّلَت ولُحنَت في الكويت، وقد أُعجِب بها، ورحب الحفناوي بتقديم نعيم الحان للسيدة أم كلثوم وبعد بدء نعيم أعداد اللحن.وفي عام 1973 حمل معه عوده وغادر إلى القاهرة ليقدِّم لحنه للفنانة ام كلثوم. وكانت القصيدة للشاعر العراقي (حافظ جميل) رحمه الله، بعنوان (بريد القُبَل… يقول ناظم نعيم (بعد أن أنجزتُ القسم الأول من اللحن وسجَّلتُه على شريط كاسيت وبدأتُ بالقسم الثاني، لاحظتُ ضعفاً في القسم الثاني وقوَّةً في القسم الأول وقد حاولتُ أن يكون القسمان بذات الدرجة من القوة. إلا أنني لم أفلح ومع ذلك أرسلت اللحن إلى أم كلثوم. وفي نفس السنة كانت قد توجهتُ إلى القاهرة وإلتقيتُ أم كلثوم في شركة (صوت القاهرة) وهي تجري التمارين مع فرقتها والفرقة وكان اللحن لعبد الوهاب. عدتُ إلى بغداد ثانيةً بعد أن تفاهمنا حول القصيدة وطلبت مني تغيير القصيدة المختارة ومن نفس الشاعر: فاختارت هي قصيدة نـداء.في العام 1974 عدت إلى القاهرة والتقيت بالفنانة الراحلة وتباحثنا ثانيةً فيما يخص الأغنية كانت معجبة باللحن وبالنص وطلبت مني أن أكتم السرّ لتكون مفاجأةً للمستمع العربي وأنْ أتوقف عن تقديم أي معلومات عن الأغنية بوسائل الإعلام. إلا أنَّ ظروفَها الصحية وسوء حالتها وسفرها للعلاج وإنتظار عودتها متشافَية تأخر تقديم الأغنية. لكنها رحلت رحلتها الأبدية. ولم يكن لي نصيب ان ترى اغنيتي النور بصوت عملاق كصوت ام كلثوم ولم احاول ان اعطي هذه الاغنية لاحد من بعدها).