د .عباس غلام نوري
حال انتهاء الحرب العالمية الثانية واندحار المحور وظهور الحلفاء قوة كبرى ضمت في صفوفها قوى رأسمالية وأخرى اشتراكية ومع هذه التطورات ظهرت في العراق دعوات صريحة لإرساء التجربة الديمقراطية وانعاش النظام البرلماني وذلك عن طريق إحياء الحياة الحزبية وتضمين الجسد السياسي للدولة بروح جديدة وعناصر مثقفة من الطبقة الوسطى ، وانيطت بوزارة توفيق السويدي التي شكلت في 23 شباط 1946 هذه المهام .
وشرعت الوزارة حالاً في الحث على العمل الحزبي واعتمادهِ في الحياة البرلمانية في الوقت الذي تبلورت فيه الاتجاهات الحزبية اللبرالية النزعة أو القومية ، فضلاً عن مجاميع وكتل أخذت تدعو للحريات الديمقراطية وتتبني الأفكار الاشتراكية ، ولاسيما تلك التي كان ارتباطها بـ "جماعة الأهالي" الجماعة التي بدأ نشاطها السياسي والاجتماعي مع بداية الثلاثينات وكان أبرز هذهِ الجماعات هي التي عرفت بحزب (الاتحاد الوطني) بقيادة عبد الفتاح أبراهيم قطب الأهالي السابق . ، وأرتبط بهم جماعات كانت محسوبة على الاحزاب اليسارية كالحزب الشيوعي او التيار الذي يحمل الافكار الماركسية ممن رجح الاشتغال العلني دون السري وتقدمت هذهِ المجموعة بطلب التأسيس في 12آذار 1946 وضمت الهيئة المذكورة فضلاً عما ذكرناه المحامي جميل كبة وموسى الشيخ راضي وناظم الزهاوي وآخرون ودفعوا مع طلبهم منهاج الحزب ، وقد حَرص وزير الداخلية سعد صالح على تذليل أية عقبة أمام هذا الحزب وغيرهِ من الأحزاب اليسارية أمثال حزب الشعب ، فضلاً عن أحزاب لاتُحسب مع التيار الديمقراطي اليساري أمثال حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار ، كي لايقال عن الوزارة بأنها اجازت احزاباً يمينية دون اليسارية أو بالعكس .
اصبحت بتاريخ 14/نيسان/1946 جريدة الرأي العام لسان حال حزب الاتحاد الوطني وتحمل عبارة لسان حزب الاتحاد الوطني لغاية 9/حزيران/1946 .ومن مقالات الزهاوي في تلك الفترة في جريدة ( الرأي العام ) وعن سياسة الجامعة العربية ، كتب الزهاوي مقالاً طالب من الجامعة العربية ، تصعيد نضالها ضد الاستعمار ، وازالة كل مقومات الضعف والخلل الموجودين في الجامعة ، وان تسير الى توحيد سياسة الحكومات العربية على أسس ديمقراطية صحيحة وقواعد تحررية متينة وكتبت الجريدة ايضاً عن المفاوضات التي جرت بين مصر وبريطانيا في ضوء تعديل معاهدة عام 1936 بين الطرفين في هذهِ المدة .
وعلى الرغم من تخلي الشاعر الجواهري عن جريدته الى الهيئة المؤسسة للحزب ، سارع الحزب المذكور بعد مدة وجيزة الى إصدار جريدة جعلها الناطقة بلسانه أسماها «السياسة» ثم ابدل اسمها بعد إغلاقها الى «صوت السياسة» في مطلع عام 1946وتولى ناظم الزهاوي الاشراف عليها .
كان الحزب راديكالياً في دعواه وذا نهج ديمقراطي إصلاحي بصيغ متقدمة شملت جوانب الاصلاح السياسي والاقتصادي بما يخدم تطوير المجتمع والارتقاء به وفق أسس عصرية وديمقراطية وجدها كفيلة بهذا الأرتقاء . ويعد من مبادئه الأساسية أيضاً السعي لجمع العناصر الديمقراطية وتوحيدها في حزب واحد ، وهذه الأهداف الملاحظ فيها انها تصب في المصلحة الوطنية وتعزيزها وعدم نزوعها نحو اليسار الديمقراطي أو الدعوة للعنف لذا جاءت مصادقة وزارة الداخلية على تأسيس الحزب في 2 نيسان 1946 .
عُقدَ المؤتمر الأول لتأسيس الحزب في 29 نيسان 1946 في قاعة مدرسة التفيض الأهلية ، فألقى «عبد الفتاح إبراهيم» كلمة الهيئة المؤسسة التي تضم كما هو مذكور محمد مهدي الجواهري ، جاء فيها «اننا سنناضل منذ اليوم نضالاً حزبياً ديمقراطياً في سبيل الاهداف التي نسعى من أجلها أفراداً وجماعات ، وفي موضع آخر من الخطاب نفسه جاء فيه «سنناضل تحت لواء الاتحاد الوطني نضالاً وطنياً من أجل العراق وحَضَر المؤتمر أعضاء الحزب الذي يبدو أن جلهم من مثقفي الطبقة الوسطى ومن صغار التجار ، فضلاً عن ملاكات عمالية ونقابية وعدد من ملاكي الأرض ، اما عموم أعضاء الحزب فكان يربو على ثلاثة الآف عضو واجريت الانتخابات الأولى لتسفر عن فوز أعضاء اللجنة السياسية للحزب وقد ضمت كلاً من عبدا لفتاح إبراهيم ـ محمد مهدي الجواهري ـ عطا البكري ـ أدوارد قليان ـ ناصر الكيلاني ـ عبدالله مسعود القريني ـ عزيز عجينة ـ صالح بحر العلوم ـ موسى صبار ـ موسى الشيخ راضي ـ حيدر علي ـ ناظم الزهاوي ـ نيازي فرنكول ـ كاظم الدجيلي.
شن حزب الاتحاد الوطني هجومهِ الشديد ضد الانتخابات وجاء ذلك على لسان المتحدث بأسم الحزب «ناظم الزهاوي» الذي أكد أن «مقاطعة الانتخابات احباط لمشاريع الاستعمار» فيقول في البيان الصادر عن حزب الاتحاد الوطني حول هذا الموضوع «اننا لم نقاطع الانتخابات لأننا نخشى الفشل ونخاف الهزيمة كما يزعمون فنعلم أن طريقنا هو طريق الشعب وهو طريق مكافحة الاستعمار ومحاربة أذنابه ، لذا اعتبرنا خير وسيلة هي مقاطعة الانتخابات تماماً لفضح الغاية المبطنة لفشل المخططات الاستعمارية البريطانية من خلال هذا المجلس. وقدكلف قادة حزب الاتحاد الوطني الاستاذ ناظم الزهاوي أن يقدم استقالته من الوظيفة ، لكي يعهد اليه مسؤولية أدارة جريدة الحزب «الرأي العام» آنذاك ناطقة بلسان الحزب ، وجعل لهُ راتباً مقدارهُ 40 ديناراً ، بعدها أصبح مدير إدارة جريدة الحزب الجديدة والرسمية «السياسة» ،
على أثر استقالة وزارة نوري السعيد التاسعة في 11 آذار 1947 ، جرت عدة مداولات ومحاولات ومشاورات لتأليف وزارة جديدة وأسندت الوزارة أخيراً الى صالح جبر ، ويبدو أن هذا التكليف كانَ مثار معارضة كل الأحزاب السياسية، ان صح التعبير ، التي كانت ترى بان الهدف من هذهِ الوزارة ورئيسها تحقيق السياسة الاستعمارية الرامية لبقاء التكتلات الاستعمارية التي تربط العراق بعجلته ومنذ البد اتسمت سياسة هذهِ الوزارة بالتعسف إذ صفي الحزب الشيوعي ومداهمة كثير من اوكارهِ واقتياد قياداته للاعتقال وإغلاق الصحف ولاسيما اليسارية منها ومن ثم غلقها حزبي الشعب والاتحاد الوطني وجر رؤوسائها الى التحقيق بحجة تبنيها المبادىء الهدامة والحث على الثورة والاضطرابات وفي أثر ذلك كتبت صوت السياسة مقالاً بعنوان «دولاب الوضع الشاذ يأتي بوزارة جديدة» اذ أكدت المقالة أن تشكيل كذا وزارة هي جزء من خطة مدبرة تخدم المستعمر اكثر من خدمة المواطن العراقي ومصلحة البلد .
عن رسالة (محمد مهدي الجواهري ودورهُ السياسي في العراق)