تسعون عاماً من الصدق

تسعون عاماً من الصدق

عدنان الفضلي

يقول الفيلسوف الكبير جان جاك روسو في واحدة من عباراته التي خلدها التاريخ، وبقيت راسخة في الذاكرة الجمعية للمجتمعات "إذا أردت أن تحيا بعد موتك، فافعل واحداً من اثنين: اكتب شيئاً يستحق أن يقرأ ، أو أفعل شيئاً يستحق الكتابة"،وهذه العبارة أراها تنطبق تماماً على إنسان قدم لنفسه والآخرين مالم يقدمه كثير من العراقيين المحبين لوطنهم وشعبهم،فهذا الرجل تميّز عن الآخرين بكثير من المميزات التي صاحبت تاريخه الطويل.

نعم، أنا أتحدث عن الشاعر والقاص والكاتب المسرحي والإنسان والمناضل الكبير (الفريد سمعان) الذي لم يبق سجن في العراق الا وأدخلته فيه القوى الدكتاتورية الظالمة والظلامية، كونه كان يشكل لهم شوكة مغروزة في اعينهم التي لا تعشق سوى مناظر البشاعة والقتل والدمار والخراب والظلم والإضطهاد والتعسف، لكن كل تلك السجون لم تفت من عضده، ولم تقلل من صبره وإيمانه بقضيته التي آمن بها ودافع ومازال يدافع عنها. نعم، الفريد سمعان بطل نقرة السلمان بكل ظلمها وقسوتها، وبطل قطار الموت بكل وحشيته ومرارة ساعاته، وبطل التظاهرات والانتفاضات التي كان دائماً يقف في مقدمتها ولا يخشى رصاص الأوغاد الذي يوجهونه صوب صدور الشيوعيين والوطنيين من القوى التقدمية الأخرى، فهو ومنذ نعومة اظفاره، كان ملتحقاً بالصف الوطني ومشاركاً في جميع فعاليات حزب الفقراء والكادحين، رغم انه ابن عائلة شبه برجوازية، وكان يستطيع ان يعيش حياته بكل سلاسة ويسر، لكنه لم يكن من الذين يرفعون شعار(شعليه) بل كان يشعر بالألم والوجع وهو يرى شعبه يقهر ويضطهد وتسلب حقوقه، فنذر نفسه ومنذ اكثر من سبعة عقود للكفاح والنضال من أجل استعادة كامل حقوق هذا الشعب المبتلى بساسة وحكام يملكون من الخسة والوضاعة والقسوة مالم تشهده بلدان العالم كلها.

نعم، الفريد سمعان، الإنسان الذي لم تبعده ديانته المسيحية عن مشاركة جميع أبناء الدينات الأخرى، في الدفاع والمطالبة بالحرية والعدل والإنصاف والمساواة لكافة أطياف الشعب العراقي، فهو المنادي والمطالب بحقوق الشيعة والسنة والعرب والكرد والمسيحيين والشبك والايزيديين والتركمان والصابئة المندائيين، وهو المتصدي لكل أشكال الطائفية المقيتة التي تحاول قوى الظلام تكريسها في داخل المجتمع العراقي. نعم، الفريد سمعان الأديب المخلص لأدبه وثقافته ومنجزه الكبير في الشعر والقصة والكتابة المسرحية والكتابة الصحفية، فهو وطوال عمره الممتد الى ثمانية عقود ونصف، لم يتوقف عن البث عبر منظومة وعيه وثقافته، مانحاً المشهد الثقافي العراقي منجزاً ثرياً في جميع الوان الأدب العربي، كما انه وبعد سقوط النظام الدكتاتوري نذر نفسه لخدمة اتحاد الأدباء والحفاظ على إرثه الكبير، فقد وقف وقفة شجاعة بعد سقوط الصنم البعثي ليحمي الإتحاد وممتلكاته، وكذلك وقف ببسالة أثناء احتدام الصراع الطائفي ليمنع الظلاميين من التأثير على خط اتحاد الأدباء البعيد عن كل ماله علاقة بالطائفية، في وقت هرب كثيرون عن تلك المواجهة الكبيرة، ويشهد على ذلك كثير من الأدباء الذين تواجدوا معه في تلك المواجهة، كما انه مازال يضع نفسه أميناً حقيقياً على مصالح الاتحاد عبر تواجده اليومي ولساعات طوال من أجل خدمة أعضاء الاتحاد.. وبعد كل هذا ألا يستحق منا هذا الرجل الإشادة والتقدير والإنحناء لمشوار معطر بالنضال..؟