ذكريات منطقة حافظ القاضي وساحتها .. أين تقع ساحة الوثبة؟!

ذكريات منطقة حافظ القاضي وساحتها .. أين تقع ساحة الوثبة؟!

كمال يلدو

تقع في قلب بغداد وشارعها ، في الثلث الأول من شارع الرشيد مبتدءا من الباب الشرقي، بمواجهة جسر الأحرار من جانب الرصافة. كانت المســاحة الخضراء( العامة) الوحيدة في كل شارع الرشيد. تتزين بأشكال الزهور عبر مواسمها المختلفة على الأسيجة، ممزوجة مع شتلات الآس الفواحة ونخلتين من النوع القصير.

أما ما ميزها طوال تأريخها،فهي مظلتها المركونة على حافتها الملاصقة لشارع الرشيد لحماية شرطي المرور من حر الشمس، فيما تعلوها ســـاعة تعلن التوقيت المحلي للمدينة. لم تحتوي طوال تأريخها على اية ارايك للجلوس او ملاعب للأطفال، لكنها كانت تمثل الرئة التي تنقي هــواء الشارع، مازجة عبق الريح الآتية من دجلة الجميل ، برائحة ياسها وورودها الحلوة.

لايعرف لها تأريخا محددا، لكنها بالتأكيد مرتبطة بشارع الرشيد وجسر الأحرار معا،ولهذا حكاية . فلقد بنى الأنكليز جسرا يربط منطقة الصالحية(الكرخ) بمنطقة رأس القرية(الرصافة) من الحديد وحمّلوه على مراكب في عرض النهر، وذلك في العام 1918 وسمي الجسر بجسر "الجنرال مود"، اذ كان يطل عليه من جهة الكرخ، تمثال القائد "مود" وساحته التي حملت نفس الأسم. في العام 1941 افتتح الجسر الذي مازال قائما لليوم، وســمي بجسر "الملك فيصل الأول"، والساحة التي تقابله من جهة الرصافة، بساحة الملك فيصل الأول. بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وأعلان الجمهورية، استبدل اسم الجسر ب " جســـر الأحرار" ، وحملت السـاحة اسما جديدا، وصارتســـمى "ساحة الوثبة" منذ ذلك الزمان، على ان البعض يسميها "ساحة حافظ القاضي" نسبة للمحلات المشهورة والمطلة على الساحة.

تتوسط"ساحة الوثبة" منطقة، تحولت الى مركز تجاري مهم، وهي ايضا وجهة القادم من جهة الصالحية والكرخ، و نقطة التقاء قريبة بشارع الجمهورية، وأستراحة الناظر الذي لايلبث ان تلهيــه البنايات والعمارات العالية بعيدا عن افق التحليق مع الطيور والسماء.

ولمن يقصدها مشيا من صوب الكرخ وحال انتهاء الجسر: على اليمين كان هناك نادي نواب الضباط، ، ومدخل احد البارات، ثم محل خياطة ابراهيم القزاز، ثم فـرع ضيق يفضي لسوق شط العرب، تليها عدة محلات صغيرة، وعند استدارة الرصيف بأتجاه سيد سلطان علي، كان هناك محل"شربت ابو محمد" المشهور بعصير البرتقال والليمون، ومتراصا معه كانت هناك صيدلية، ثم مطعم النصر المشهور برائحة الكص والدجاج المشوي، وملاصقا لفندق النصر وفندق شط العرب المشهور ببالكوناته المطلة على الساحة والشارع، بعدها مدخل سوق "شط العرب"، ثم محلين صغيرين او ثلاثة احدها كان مختصا ببيع انواع (معاجين الأسنان) المستوردة من الخارج، حتى تأتي واجهات محلات "اوروزدي باك" احد اهم مولات ذلك العصر، ثم تنتهي البناية بشارع فرعي يوصل لموقف سيارات الأوروزدي باك، والجامع الموجود في ذلك الفرع. وفي الجهة الثانية من شارع الرشيد، كان هناك شارعا عريضا نسبة للقياسات المعروفة، يمثل بداية منطقة "سيد سلطان علي" حيث كان احد المحلات يبيع انواع التمور المحشوة باللوز، وبجنبه محل لقلي الأسماك، وصيفا كانوا يبيعون الرقي الذي كانت تقص اشيافه بالمنشار! ثم تأتي في الجهة الثانية، عدة محلات للخياطة والآيس كريم والحلوى ومحل الفلافل والعمبة العراقية ومعرض أحذية "صادق محقق"، ثم بوابة "سينما الوطني" وملاصقا لها احد محلات بيع السكائر الأجنبية والكرزات والنستلات ،تليها بوابة"سينما الرشيد". بعدها بأتجاه ساحة الوثبة، كان هناك معرضا كبيرا تابعا للشركة العامة للخياطة،بعده محلات " نعيم نعمو" للكماليات، ثم يأتي "صالون حلاقة الجابى"، ومن بعده يأتي "مطعم النهر". وعند استدارة الرصيف، كانت بوابة "سينما الرشيد" لفئة ال 40 فلسا،والى جانب شباك التذاكر كان يجلس "المصور الشمسي" المشهور بكاميرته، ثم محلات صغيرة ومنها مطعم صغير مشهور بالفطور، وأحد الأفرع المغلقة الذي ينتهي بفندق حمورابي، ثم "مصرف الرافدين" فرع الوثبة ، والذي كان ملاصقا لمركز شرطة العبخانة الكبير والواسع بمرآبه وبناياته.اما في الجهة المقابلة للمركز فكان هناك بار "السمان"، ثم محلات بيع التبوغ (التتن) ثم محلات "ججاوي" لتأجير الكراسي، ثم مدخل محلة "العاجلين" ومعمل سكائر تركي، وبائع الكفتة الشهيرجرجيس ، ثم محل بيع الثلج، ثم دربونة "الجلبة" ، تليها صيدلية "الأثير" وبعدها تأتي محلات "نوفيكس" التي كانت تضاهي محلات اوروزدي باك، وعند ركن الشارع وقبل استدارة الرصيف بأتجاه منطقة رأس القرية كانت تأتي شركة "حافظ القاضي" والتي تحول اسمها لاحقا الى شركة "كتانة" حيث كانت مختصة ببيع الطباخات الأمريكية، وفي شارع الرشيد كان هناك محل بيع احذية، ثم محل نظارات آسيا ودربونة مغلقة فيها معمل "الزنكوغراف" ثم دربونة "ابراهيم ابو الجبن" بالجنب من معمل "سيد حسين" للألبسة الجاهزة، بعدها صيدليةثم محل اختصاص ببيع "لمبات التلفزيونات" لصاحبه السيد وديع الحريري، بعدها محل "حمودي نعمان" لبيع السندويجات، ثم مطعم نادر في بداية هذا الفرع. وبالعبور الى الجهة الثانية من شارع الرشيد وبأتجاه الجسر، كانت هناك " عمارة البدوي " و " مقام أبو شيبة" ثم مجموعة محلات لبيع الملابس والأحذية ومن بينها مخزن "ليدو" المشهور ببيع قمصان (نينو) احد أشهر قمصان معمل "الفا" العراقي ، حتى تأتيك عمارة "التأمين" وملاصقا لها كان هناك فرعا صغيرا يقع فيه مصرف الرافدين - فرعشارع النهر- بعدها "ستوديو أرشاك" وصور الزهاوي المشهورة في واجهة المعرض وصورة نجاة الصغيرة وقد كتب عليهما (الخريف والربيع).

وعندما ينحني الرصيف بأتجاه الجسر كانت هناك محلات "كيك وزبادي السماوي" وتعلو المحل كازينو صيفي مطلة على الرشيد والساحة والجسر، وبجنبها بار "شــريف وحداد" وملاصقا له كان هناك محلات بيع الثريات والمصابيح الضوئية، مقابل فندق "جبهة النهر" ومعمل "خياطة قريش" والملاصق لمحل بيع المشروبات وعربة بيع وشوي الكباب العراقي، ونقطة الأمن المكلفة بحراسة الجسر وكما يقولون عند "رقبة الجسر" .وبالعودة الى الساحة، فأن شارعا وسطيا كان يقع خلفها مباشرة وفي واجهته يرتفع "فندق الميناء"، فيما تقوم خلفه عشرات المكاتب المختصة بالنقل البري مثل نقليات الأقتصاد ونقليات حداد ونقليات السعيد والتي كانت تنظم السفريات للمحافظات وللخارج.

في عقد التسعينات، تفتق عقل بعض "حلالي المشاكل"، وبغية تخفيف الأختناقات المرورية، دعوا للتخلص من الساحات العامة، وكانت ساحة الوثبة من ضمن البعض الذين حكم عليهم بالأعدام (ساحة ميسلون في الغدير، والساحة المقابلة للشورجة والسوق العربي من جهة شارع الجمهورية) ، وهكذا تحولت هذه الساحة الخضراء والجميلة الى منطقة جرداء، بأرض اسفلتية تتصاعد منها الأبخرة السامة في موسم الصيف اللاهب. وعقب العام 2003 وفي ظل حالة الفوضى والفلتان، تحولت الساحة ، مثلها مثل مناطق كثيرة في شارع الرشيد وشارع النهر (شارع العرائس) الى موقف لعربات التحميل والتي يســحبها البشر هذه المرة، في منظر يعبر حقا عن المستوى الذي وصل اليه الأنسان العراقي ومستوى التطور الأنتاجي والخدمي .

أين تقع ســـاحة الوثبة؟

انها تقع في قلوب وأفئدة وعيون وعقول اهل بغداد الأصلاء، احبابها. اولئك الذين ارتبطت بوجدانهم وأحاسيسهم ومشاعرهم وذكرياتهم، اولئك الذين تدمع عيونهم اذا ذكر اسمها امامهم، ويبكون اذا سمعوا الجالغي البغدادي او المقامات العراقية،اولئك المسكونين بعشقها، وجمالها، وكل حي وطرف ودربونة وبناية ومحل وبيت منها ....هذه بغداد التي ستغســل يوما نفسها من التراب والأوساخ التي علقت بها على يد الغرباء، في العهد البائد، وهذا الأسوء الذي تلاه.

الكاتب من ابناء محلة رأس القرية

في شارع الرشيد