في مثل هذه الأيام قبل 65 عاما..حادث انتحار الأميرة جليلة.. أسرار وخفايا

في مثل هذه الأيام قبل 65 عاما..حادث انتحار الأميرة جليلة.. أسرار وخفايا

نهلة نعيم عبد العالي

ولدت في مكة المكرمة عام 1922 ، وكان والدها الملك علي عاهل الحجاز في ذلك الوقت قد شغل منصب أمانة المدينة المنورة وقائد الجيوش الحجازية فكان بحكم منصبه يتنقل من مدينة الى أخرى ، وقد سماها جدها الملك حسين جليلة الشرف بحضور قاضي القضاة آنذاك الشيخ عبدالله السراج والعلامة الشيخ ياسين بسيوني أحد كبار علماء المسجد الحرام والشيخ عبدالله الشبيبي سادن الكعبة الشريفة .

وتربت مع شقيقاتها الأميرات وشقيقها الأمير عبدالإله وهي الأصغر بينهم .

سافرت مع عائلتها الى شرق الأردن في أواخر عام 1924 مكثت هناك مدة سنة ونصف خلال الحرب الحجازية النجدية . حينما لبى والدها الملك علي دعوة شقيقه الملك فيصل الأول بالمجيء الى بغداد مع عدد كبير من الشخصيات على أثر سقوط جده بأيدي آل سعود، جاءت الأميرة جليله الى العراق مع والدها وعائلتها عام 1926 ومكثت في العراق مع أفراد أسرتها ، كانت أصغر خالات الملك فيصل الثاني وأدقهن عودا ، كريمة وحنون مع صديقاتها وحاشيتها وكل من يحيط بها من أفراد العائلة ، وكان عمها الملك فيصل الأول يحبها وكذلك أبنه الملك غازي فقد كان يحضر في بعض الأحيان تلقيها بعض الدروس على يد معلمة كانت تعطيها دروسا ً في الموسيقى ، وكان يقدم لها الهدايا تشجيعا ً لها ، وعندما سافرت عائلتها الى أوربا للأصطياف إستبقاها الملك غازي في بغداد وسكنت معه في قصر الزهور .

كانت الأميرة جليله كثيرة الحركة في طفولتها ، كما دربها والدها الملك علي على الفروسية بنفسه وعلمها صفات المرأة العربية. وعندما كبرت أخذت تنكمش وتنطوي على نفسها وغالبا ً ما تتجنب مقابلة الزوار والأصدقاء ، ولكثرة قراءتها وإطلاعها على القصص البوليسية ، أصبحت تصرفاتها غريبة . ففي بعض الأحيان تتسلل من الشباك مقلدة ما في الروايات والقصص.

تزوجت الأميرة جليله عام 1946 من أبن خالها الشريف حازم بن سالم بن عبدالله الذي عاش أكثر حياته في أسطنبول طبيبا ً ممارسا ً وكان يكبرها بنحو ستة عشر عاماً ، وجرى زفافها في احتفال مهيب أذ أقيمت لها مأدبة كبرى في بهو أمانة العاصمة ، وجهت فيها دعوة الى مائة سيدة عراقية وما يقرب من سبعين سيدة أجنبية وكانت تلك الحفلة بأمر من شقيقها الأمير عبدالإله ، كما أقامت الملكة عاليه حفلاً مماثلاً لها في قصر الزهور .

وقد تعرض هذا الزواج لأنتقادات شديدة وذلك لفارق السن بينهما وتصور الكثير من الناس بأن عائلتها أجبرتها على هذا الزواج وأستمر زواجها ثمانية أعوام لم تكن فيها الأميرة جليله سعيدة فقد كان زوجها أنانيا ً ولا يحبذ خروجها من المنزل ، وكان شديد الحرص على صحته ، وقد سألها شقيقها الأمير عبد الإله أن كانت ترغب في الأنفصال عن زوجها لكنها رفضت خوفا ً من أن تنشر الصحف خبر طلاقها لأنها تكره البلاغات الرسمية ، لاسيما بعد مرض الملكة عاليه فقد كانت الصحف تنشر يوميا ًاخباراً عن وضعها الصحي .

رافقت الأميرة جليله في عام 1947 شقيقتها الملكة عاليه الى لندن بطلب من الملكة عاليه عندما كانت تسكن في لندن بالقرب من أبنها الملك فيصل الثاني في أثناء دراسته ، وبقيت معها حتى ألم بها المرض وعادت الى بغداد، فكانت شديدة التعلق بالملكة عاليه ، لم تفارقها حتى في زيارتها الى المدينة المنورة عام 1950 .

أصيبت الأميرة جليله بعد عودتها من باريس عام 1947 بإلتهاب في الرحم فأجريت لها عملية جراحية منعت فيها من الحمل فبدأت حالتها النفسية والصحية تزداد سوءا ً فأصيبت بلوثة عقلية ، وقد نصح الأطباء ذويها بأن يراقبوا سلوكها وتحركاتها خشية عليها من الأنتحار أو قتل غيرها لهذا أحتاطوا للأمر ووضعوا قضباناً حديدية على شبابيك حجرتها وكانت هادئة مستسلمة وعلى ثغرها أبتسامة جامدة ، وعندما ماتت الملكة عاليه عام 1950 قالت لأختها الأميرة بديعة بأنها تتمنى أن تبكي عليها لكنها لا تستطيع ذلك لعدم شعورها بأي ألم تجاهها .

بعد أن أخذت حالة الأميرة جليله تتدهور بشكل خطير وضعت عائلتها أحدى الخادمات لمراقبة تصرفاتها وقد أنهت حياتها عام 1955 بحرق نفسها بمدفأة الحمام وعندما جاء أفراد عائلتها وجدوها تتمشى في الصالة بجسد محترق ماعدا وجهها وقد سألها الأمير عبدالإله لماذا فعلت هذا بنفسك فكانت أجابتها مبهمة بأن أحداً ما قال لها بأن تحرق نفسها، فقد كانت تتخيل اموراً ما فضلاً عما يجتاحها من وساوس في رأسها كما تتصور بأن هناك أصواتاً تناديها من مكان بعيد لم تستطع التخلص منها كما كانت تشعر بأن أنقلابا ً سيقع في العراق وكانت تؤشر بيدها الى جهة الغرب قائلة " أنهم سيأتون من هناك ليقتلونا كلنا " .

توفيت الأميرة بعد أن نقلت الى المستشفى ، وفي اليوم نفسه أذاعت رئاسة التشريفات الملكية نبأ وفاتها ، وقررت الحكومة أعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام ، وفي صباح اليوم التالي وعلى وفق المنهاج الرسمي الذي أعد لتشييعها تقدمت مجموعة من المشيعين وفي مقدمتهم الملك فيصل الثاني وشقيقها عبدالإله ورئيس الوزراء نوري السعيد وعدد من الوزراء .

وعن حادثة وفاة الأميرة جليله وملابساتها ذكر بعضهم أن وفاتها لم تكن حالة إنتحار فقد تحدث سامي عبدالقادر مرافق الملك غازي عن تلك الحادثة قائلا "بأن الملكة عاليه قد تركت وصية عند أختها الأميرة جليله محذرة ولدها الملك فيصل من نوايا خاله الأمير عبدالإله وقد أخفت الأميرة جليله هذه الوصية مدة طويلة خوفا ً على الملك الصغير ولما بلغ الملك السن القانونية عام 1953 وحان وقت تتويجه ملكا دستورياً ً على العراق حاول الأمير عبدالإله أن يماطل في تسليمه العرش ومنحه المهام الدستورية فحدث نقاش طويل بينهما تلقى فيه الملك صفعة من خاله وعندما وجدت الأميرة بأن الأمور قد وصلت الى هذا الحد سارعت للوقوف الى جانب الملك وسلمته آنذاك الوصية التي كان مضمونها أن أحذر خالك عبدالإله يا فيصل ، ولما علم الوصي بمضمونها ، وبأن الأميرة جليله وقفت الى جانب ابن أختها وفوتت الفرصة عليه ، ظل يحقد على أخته جليله ، وبعد مرورمدة من الزمن أذيع بأن الأميرة جليله أحترقت وماتت متأثرة بحروقها ، وقال البعض بأن شقيقها قد دبر الحادث أنتقاما ً منها لأنها لم تعطه الوصية " .

وهذه رواية ضعيفة فالملك فيصل الثاني يتسلم المهام الدستورية في الخامس من مايس عام 1953والأميرة جليلة أنتحرت بعد عامين ونصف . وقد أكد فؤاد عارف نفيه القاطع لهذه الرواية بأنه لو كانت هناك وصية بالفعل لقامت الملكة عاليه بتسليمها الى شقيقتها الأميرةعبديه التي كانت مربية الملك فيصل وكانت بمثابة والدته وكانت الملكة عاليه قد أوصتها بالعناية به قبل وفاتها وكانت كبرى بنات الملك علي.

وأكدت السيدة لميس محمود صبحي الدفتري أن الأميرة جليله مصابة بلوثة عقلية فكيف تؤتمن على هكذا وصية. وأضافت بأن الأمير عبدالإله كان يحب شقيقاته ويحترمهن وحاول تطليق الأميرة جليله عندما أكتشف بأنها غير سعيدة لكنها رفضت ذلك .

عن رسالة ( سيدات العائلة المالكة ودورهن الاجتماعي والسياسي)