قانون رقم 80 .. كيف بدأت مفاوضاته وكيف صدر ؟

قانون رقم 80 .. كيف بدأت مفاوضاته وكيف صدر ؟

صفاء كاظم عباس

شهدت العلاقة بين العراق والشركات النفطية منعطفا جديداً بعد ثورة 41 تموز 4591 ، اذ ان قيادة الثورة ارادت ان تظهر انتماءها الى الشعب بتبني مطالبيه وذلك بالتصلب مع الشركات التي تعد واجهة من واجهات الغرب ، وفي الوقت نفسه تعمدت الحكومة الجديدة تجنب المشاكل مع الشركات خشية وقوع مواجهة مع حكوماتها،

وان رجال الثورة لم يربطوا بين التحرر السياسي والاقتصادي ولم يكن عندهم تصور شامل عما ستؤول اليه العلاقة بينهم وبين الشركات، ولكن مسألة النفط كانت دون شك تشكل هاجسا لديهم، اذ انهم لم ينسوا اجماع القوى السياسية على الاضرار التي الحقتها هذه الشركات بالعراق، بل انهم ربطوا بين استثمار هذه الموارد بشكل امثل وبين تحقيق التنمية والاعمار الاقتصادي وتحقيق الرفاه الاجتماعي في البلاد. وعلى هذا الاساس، اصدر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في 14 تموز بيانا اكد فيه حرص الحكومة على استمرار استخراج النفط والعمل على حماية المصالح القومية العليا، كما اكد على اهمية هذه المادة للصناعة المحلية واحترام العراق للعقود السابقة، وفي الوقت نفسه حذر من ان الحكومة الجديدة لن توافق على استمرار الغبن الذي لحق بالعراق جراء الامتيازات السابقة، وحث الشركات على التجاوب مع الحكومة واستثمار هذا الموقف لمنفعة الاقتصاد العراق والدولي معا، وذكر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في تصريح صحفي " همنا ان نزيد ضخ النفط ولانتاجه ولتصديره الى العالم على اساس تجاري مفيد لنا ولللدول التي تتعامل معنا".

وبناء على ذلك تقرر الدخول في مفاوضات مع الشركات حول مطالب العراق وشكلت لجنة من كبار موظفي وزارة الاقتصاد التي كانت تدير شؤون النفط انذاك لدراسة احكام الامتيازات والمشاكل الناجمة عن تطبيقها، وقد بينت اللجنة في تقريرها الذي رفعته الى ابراهيم كبة وزير الاقتصاد، موضوعات الخلاف التي حصلت خلال العهد الملكي،بالاضافة الى بعض الموضوعات المهمة التي لم تكن محل مفاوضة قبل الثورة، مثل اسهام العراق برأسمال الشركات وتعيين مدراءعراقيين يتمتعون بصلاحيات تنفيذية في الشركات وحسابات كلفة الانتاج .

بدأت المفاوضات بين العراق والشركات في 20 اب 1958 ،وتبلورت مطالب الجانب العراقي بضرورة تنازل الشركات عن الاراضي غير المستثمرة واعادة النظر في حسابات الكلفة على ان يتم الاتفاق على الاسعار وتحديد التكاليف ونسبها وكيفية حسابها وزيادة نسبة حصة الحكومة من الارباح على النصف واسهام العراق في رأس مال الشركات وتسليم الغاز الطبيعي للعراق بدلا من حرقه، والاشتراك في ادارة وتمثيل العراق في مجلس ادارتها تمثيلا يمكنه من ممارسة حقه في الاشراف على الشركات،وتأرجحت المفاوضات بين الحكومة ووفد الشركات مدة طويلة، فتارة كانت تتوقف عدة اشهر بذرائع وحجج مختلفة تختلقها الشركات، اذ انها لم تبدي استعدادا لتقديم حلول مقبولة في ما يخص القضايا الرئيسية،وتارة يقتصر الامر على المراسلات وتقديم المذكرات ولجأ العراق اخيرا الى منع الشركات من الاستمرار في عمليات التحري والحفر في الاراضي غير المستثمرة .

انتهت تلك المفاوضات التي امتدت اكثر من ثلاث سنوات بالفشل، فقد بدأت في 20 اب 1958 وتولى المفاوضة في بعضها عبد الكريم قاسم بنفسه وقدم بوصفه رئيس الوفد العراقي المفاوض انذاره الى رئيس وفد الشركات في 11 تشرين الاول 1961 جاء فيه: " نحن طالبنا بمطالب عديدة مترابطة ولالتناز عن الراضي غير المستثمرة جزء منها ولانتم لم تستجيبوا للمطالب، لد ي اقتراح نهائي تتنازلون بموجبه عن 18 بالمئة فورا لقاء تنازلنا عن حق المساهمة في البار الحالية بشرط زيادة حصتنا منها ثم نساهم معكم في باقي 10 بالمئةبعد استثناء الابار الحالية على اسس جديدة للمساهمة ولالعوائد هل هذا مقبول،ولكن وفد الشركات رفض الاقتراح، وبذلك اعتبرت المفاوضات منتهية، اذ خاطب رئيس الوزراء رئيس وفد الشركات بالقول" ليس لدينا شيء الن ولنعتبر المفاولضات منقطعة بسبب تعنت الشركات في ولجهات نظرها ولعدم موافقتها على اعطاء حق العراق، ولل يمكن لنا ان نصبر على ضياع حق العراق مدة طويلة، انكم تريدولن كل المور في صالحكم" وهدد بأن العراق سيتخذ الخطوات الشرعية الكفيلة بضمان مصلحته وفق القوانين المرعية.

صدور القانون رقم80 لسنة1961 ادى توقف المفاوضات وصدور بيان انقطاعها الذي اكد عزم الحكومة على الخطوات الشرعية الكفيلة بضمان حقوق العراق، الى تحول مهم في العلاقات بين العراق وشركات النفط، اذ تبنى العراق لاول مرة في تاريخه مبدأ تعديل اتفاقيات الامتياز عن طريق التشريع من جانب واحد، ولذلك شكل عبد الكريم قاسم لجنة خاصة عهد اليها دراسة الموقف واعداد المقترحات اللازمة لاصدار التشريع اللازم وفي اعقاب عدة اجتماعات واستشارات فنية لمجموعة من الخبراء والفنيين بشأن مفهوم المناطق المنتجة، ومدى ضرورة بقاء الحقول المنتجة وحدة انتاجية كاملة بيد الشركات صاحبة الامتياز او امكان تجزئتها واعطاء الشركات الجزء المنتج من الحقل 328 واستقطاع الاجزاء غير المنتجة. وقد ايد الخبراء امكان تقسيم الحقول بين منتجين متعددين كما هو جار في عدد من الدول المنتجة للنفط .

يفهم من طبيعة عمل اللجنة والاستشارات حول الاتفاق على الصيغة النهائية للقانون ان هناك اتجاهين احدهما يرى اعطاء الشركات المناطق التي اكتشف فيها النفط، فضلا عن المناطق المنتجة، وكان يقف وراء هذه المجموعة محمد سلمان وزير النفط وجهاز وزارته، اما الاتجاه الاخر فضم عدد من الخبراء الاقتصاديين وهم كلُ من )محمد حديد وعبد اللطيف الشواف وطلعت الشيباني وهاشم جواد( فقد قدموا عدة خيارات لصيغة القانون فيما يخص تحديد تصرف الشركات بالاراضي التي كانت مشمولة بامتيازاتها، فاختار رئيس الوزراء الصيغة التي شرع بها القانون، وقد تضمنت مذكراتهم التي قدمت في وقتها خيارات ايضا كما ايدت اللجنة ضرورة اخذ رأى خبير قانوني دولي في حالات تطبيق أي من الخيارات المقدمة تلافيا للثغرات التي يحتمل ان تثيرها الشركات وفي اثر اجتماعات اللجنة وما ابداه الخبراء المشار اليهم من استشارات في هذا المجال وضعت لائحة القانون القاضي بتحديد مناطق استثمار الشركات في 11 كانون الاول 1961 وذلك بعد مناقشة مجلس الوزراء للقانون وبعد ان ادخل عليه عبد الكريم قاسم المادة الثالثة التي تضمنت " لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراض اخرى لتكون احتياطيا للشركات على ان ل تزيد على مساحة المنطقة المحددة لكل شركة" ،اراد قاسم ان يجعل اضافة هذه المادة عنصراً تكتيكيا ، فاذا جاءت الشركات وطلبت منحها المساحات التي تضمنتها هذه المادة، فهذا يعني في رأيه اعترافها الضمني بالقانون، فضلاً عن انها ستكون ورقة رابحة لفرض مطالب العراق في المساهمة في الشركة وزيادة الارباح والانتاج .

لا بد من الاشارة الى ان القانون قد انتزع من الشركات نحو 99 ونصف بالمئة من الاراضي العراقية. وقد الزم القانون الشركات بتقديم المعلومات الكاملة عن الاراضي التي عادت الى الحكومة وقد تباينت الاراء حوله، اذ رأى البعض انه لم يمس مصالح الشركات بصورة مباشرة، وان الاحتياطي الذي بقي لها كان كثيرا وان الهدف من صدوره هو اعادة ثقة الجماهير بالسلطة،بل انه لم يحقق منفعة مادية مباشرة للعراق، بينما رأى البعض الاخر فيه، انه ضربة قاصمة للشركات،كما انه مزق الفرضية التي روجت لها الشركات وهي قدسية امتيازات النفط وخروجها على نطاق حق السيادة للدولة وعدم المساس بها الا بموافقة الشركات، والى جانب ذلك يعد اصدار القانون حدثا مهما في صناعة النفط العالمية بوصفه اول عمل ناجح ينطوي على استرداد حق من حقوق الدول المنتجة بواسطة تشريع منفرد، ويضع الخطوة الاولى في طريق اخضاع امتيازات النفط الى متطلبات السيادة الوطنية .

يعد القانون رقم 80 لسنة 1961 من اهم الاحداث التي شهدتها صناعة النفط ليس في العراق فحسب، بل في منطقة الشرق الاوسط، مما دفع البعض الى ان يقر بأن القانون u1610 يعادل في اهميته وخطورته تأميم صناعة النفط في ايران، اذ انه فتح المجال لعقد اتفاقيات جديدة في الاراضي التي تخلت عنها الشركات وبشروط افضل مما يؤدي الى زيادة الانتاج والعوائد، ولا شك في ان القانون ارسى الاساس الصحيح لاقامة صناعة نفط وطنية باسترداده كثير من الحقول المكتشفة، مما يمكن الدولة من استثمارها بصورة مباشرة ، كما انه اثبت سلطة الدولة على الشركات العاملة لديها وحقها في وضع القوانين.

عن رسالة : تأميم النفط العراقي ،دراسة تاريخية