يوسف ذنون ”أمير الخطاطين العرب”

يوسف ذنون ”أمير الخطاطين العرب”

عواد علي

لم يحظ بلقب “أمير” من الأدباء والفنانين العرب سوى ثلاثة هم الشاعر أحمد شوقي، الذي لُقب بـ”أمير الشعراء”، والموسيقار فريد الأطرش الذي لُقب بـ”أمير الطرب”، والخطاط العراقي يوسف ذنون الذي لُقب بـ”أمير الخطاطين العرب”، واللقب الأخير له مسوغات عديدة.

اكتسب يوسف ذنون، الذي رحل عن عالمنا هذه الأيام، إضافة إلى لقب “أمير الخطاطين العرب” لقبا ثانيا هو “شيخ الخطاطين العرب”، وكان، إلى جانب إبداعه في الخط، باحثا قديرا، وخبيرا عالميا في العمارة والفنون، ومن الشخصيات النادرة التي تمتلك كنوزا معرفية هائلة القيمة، وبرحيله فقدت الثقافة العربية واحدا من أبرز أعلامها.

تجربة نصف القرن

أنجز يوسف ذنون عبدالله، المولود في مدينة الموصل عام 1932، لوحات فنية مبهرة، وملأ المساجد خطوطا، وزينها بزخارف جميلة، وأشرف على عشرات المتاحف والمشروعات، وألّف الكثير من الكتب في قواعد الخط العربي، ومبادئ الزخرفة، والتربية الفنية.

اللغة والخط صنوان

كتب ذنون بحوثا وألقاها في المؤتمرات والندوات التي نظمتها جامعات وأكاديميات ومعاهد عربية وأجنبية، ونشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات، وأقام معارض للخط العربي والزخرفة منذ عام 1961، وأسهم في مهرجانات ومعارض عربية ودولية، منها مهرجان بغداد العالمي الأول عام 1988، والمغاربي الأول عام 1990، ومعرض سحرة الأرض في باريس عام 1989، وشارك في تأسيس بعض معاهد الخط والزخرفة، مثل معهد الفنون الإسلامية في جامعة البلقاء بالأردن، وتكوين جمعية الخطاطين الأردنية، وجمعية الخطاطين اليمنية.

درب الراحل طلبته من العراقيين والعرب والأتراك على الخط، وتلامذته كثيرون يصعب إحصاؤهم، منهم عبدالله الحساني من السعودية، عبدالرقيب العودري وعبدالرحمن الجنيدي من اليمن، الجيلاني الغربي وفرج إبراهيم من تونس، منتصر الحمدان من الأردن، حميدي بلعيد وفوزية عدنان من المغرب، حسين عيسى ومناد بن حليمة وصالح المقبض من الجزائر، علي البداح من الكويت، وتحسين طه من تركيا. ونتائجه العلمية والفنية والتعليمية مشهود لها بالجدة والابتكار، في طرائق تعليم فن الخط وأبحاثه، وله نظريات جديدة في نشأة وتطور الخط العربي.

ومن مؤلفات يوسف ذنون: “درس التربية الفنية”، “خلاصة قواعد خط الرقعة”،”الخط الكوفي”، “مبادئ الزخرفة العربية (التوريق)”، “تحسين الكتابة الاعتيادية”، “قواعد الخط الديواني”، و”الواسطي موصليّا”.

كما أسهم في تحرير الموسوعة الإسلامية التركية، وموسوعة الموصل الحضارية. وكتبت عنه عشرات المقالات والدراسات والكتب، منها “تاريخ يوسف ذنون وأعماله” للكاتب فوزي سالم عفيفي في مصر، و”يوسف ذنون مدرسة الإبداع في الخط العربي” للكاتب والمؤرخ سعيد الديوه جي. وصدر عنه عدد خاص من مجلة “حروف عربية” تحت عنوان “يوسف ذنون: فنان الخط وفقيهه” بتقديم الباحث العراقي المتخصص في الخط العربي الدكتور إدهام محمد حنش، عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية بجامعة العلوم الإسلامية العالمية في عمّان.

كان الفنان يعتبر أن اللغة هي الكلام المسموع، والخط هو الكلام المنظور، فاللغة والخط صنوان، ومما يؤسف له كثيرًا، في رأيه، أن الجهات الأكاديمية أو المؤسسات الأكاديمية لا تلتفت له!

ومن آراء ذنون أيضا اعتباره أن الكتابة بدأت ونشأت كفن قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الفن. أما تحويل الفنان الزخرفة النباتية إلى زخرفة مجردة، فقد خلق، كما يقول، عالمًا نباتيًّا جديدًا، وارتبط الخط بالزخرفة، فصارت عنصرًا أساسيًّا فيه؛ فالخط والزخرفة وجهان لعملة واحدة.

ويشدد الفنان الراحل على أن هناك خطاطا، وهناك خطاط فنان، فالخطاط: هو الذي يجيد الخط بقواعده المعروفة، والفنان: هو الذي يجيد الخط، ولكنه يخرجه بشكل مبدع.

وفي اعتقاده أسهمت الآلة في إبراز خطاطين كبار، ومع ذلك تبقى الآلة آلة، والخطاط له روح تنعكس على خطه.

شهادات عن الفنان

في حديثه عن يوسف ذنون قال الباحث والناقد العراقي الدكتور عبدالإله الصائغ “يوسف ذنون ظاهرة كبرى في عدد من الفنون العصية الجميلة. فنان باتساع هذه الكلمة وعمقها وطهرها وإعجازها!، مثقف كبير بسعة عمالقتنا طه باقر، ومصطفى جواد، وفؤاد عباس، وحسين أمين، وعبدالرزاق محيي الدين”.

مضيفا “إنه عالم بكل المعنى دون نقصان، يحدثك عن تشريح الفن فتصعق. ويشرح لك دلالات التماثيل في الحضر وآشور، فتقول في نفسك: وكيف حصل على هذا الكم والنوع المعرفيين دون أن ينوء به أو يداخله خيلاء الزهو؟ فإذا حدثك عن تاريخ الخط العربي أذهلك استيعابه للرقُم الطينية المكتشفة في العراق واليمن والأردن وبلاد الشام، وتتبعه التاريخي المنهجي، مع نقدات بنيوية لتراثنا الخطي، فلا تمل الإصغاء إليه؛ فهو لا يسمعك ما في الكتب، بل يجعلك في مكتشفاته وابتكاراته ونقداته! وهذه سمة معروفة عنه! كنز عراقي لا يقدر بثمن، وقلما يجود الزمان بأمثاله”.

وكتب الخطاط والباحث المصري الدكتور عبدالسلام البسيوني مقالا بعنوان “يوسف ذنون الموصلي خبير الدنيا في الفنون الإسلامية” قال فيه “أعتقد موقنًا أنه من النوادر الذين أنجبتهم الأمة، ممن يملكون كنوزًا معرفيّة هائلة القيمة، سواء في مقتنياته النادرة، أم في ذاكرته الحافظة، أم في خبرته الفذة”.

متابعا “إنه واحد من آباء صحوة الخط العربي التقليدي والفن الإسلامي في السنين الثلاثين الأخيرة، ففي سبعينات القرن الماضي كان اليأس قد تسرب إلى نفوس الخطاطين، وعشاق الفنون الإسلامية، من استمرار فن الخط، واعتقد كثيرون أنه في طور الانقراض، بعد موت العمالقة حليم وحامد الآمدي في تركيا، وهاشم البغدادي في العراق، وبدوي الديراني في سوريا، ومحمد حسني في مصر، وأبناء جيلهم، لكن جلَد يوسف ذنون، ومجموعة أخرى من الصادقين، دفع بالفنون الإسلامية عامة -والحرف القرآني خاصة- للنهوض… بل صار للفن الإسلامي والخط العربي حضوره في متاحف أوروبا وجامعاتها وأسواق مزاداتها”.

ووصفه الكاتب والباحث المصري الدكتور علي عفيفي علي غازي، في مقال له بعنوان “يوسف ذنون.. شيخ خطاطي الموصل”، بأنه “أمير الخط وفنونه، وكبير تاريخه وشؤونه، ولا يكاد يذكر إلا ويذكر الخط العربي وجماله وأصالته، وكماله ونضارته، وروعته، وللزخرفة حوله حلاوتها وطلاوتها، دوح كثير الثمار، وروض بهي معطار، علم ندر أن يجود بمثله الزمان، وعالم قل أن ينبت نظيره المكان… يمثل أحد رواد الصحوة التي يشهدها الخط العربي في السنوات الأخيرة”.