في ذكرى الانقلاب الاول في 29 تشرين الاول 1936..استقالة وزراء الانقلاب .. هل سرّع من سقوطه ؟

في ذكرى الانقلاب الاول في 29 تشرين الاول 1936..استقالة وزراء الانقلاب .. هل سرّع من سقوطه ؟

د . عكاب يوسف الركابي

في مطلع شهر مايس 1937 ، ظهرت استعدادات في لواء الديوانية للقيام بحركة عشائرية ، فزاد نشاط شيوخها ووزعت الاسلحة سرا ً على العشائر ، وقد صمم ، بكر صدقي ، وضباطه على قمع الحركة بالقوة ، بينما آثر ، حكمت سليمان ، اعتقال رؤسائهم بما فيهم اولئك الذين هم اعضاء في البرلمان ،

فأصدرت الوزارة بيانا ً ، في 8 مايس 1937 ، أعلنت فيه ان كلا ً من ، علوان الياسري ، ومحسن ابو طبيخ ، العضوين في مجلس الاعيان ، وعبد الواحد الحاج سكر ، العضو في ، مجلس النواب ، قد قاموا في لواء الديوانية ، بجلب الاسلحة وتحريض العشائر على عدم اتباع القوانين ، بقصد القيام بثورة مسلحة ، فقد طلبت الحكومة رفع الحصانة البرلمانية عنهم ، فوافق مجلس النواب والاعيان على ذلك ، واتخذت الاجراءات ضدهم ، وقد نفوا الى الألوية الشمالية .

وبالرغم من ضعف الحجة القانونية في ابعاد النواب ورفع الحصانة النيابية عنهم ، مما عدّ ، فيما بعد ، انتهاك للقانون الاساسي ، كما حفز مخاوف العديد من حلفاء الحكومة في الوزارة والمجلس النيابي ، الا انه كان في النهاية نتيجة متوقعة ومحصلة طبيعية .

شرع رؤساء عشائر السماوة بالثورة ، حالما ترامى الى سمعهم خبر اعتقال قسم من زملائهم ، الا ان الحكومة استعملت القسوة ضدهم ، بألقاء بعض القنابل فأضرمت النار في بعض البيوت وقتل عدد كبير من الاشخاص ، فسارت المظاهرات الاحتجاجية ضد اجراءات الحكومة القاسية في عدد من مدن الفرات الاوسط ، لا سيما ، كربلاء ، والنجف ، حيث كانت ترسل اليها جثث القتلى للدفن ، لقد اشترك قسم غير قليل من عشائر الالوية الاخرى والزعماء الدينيين في العاصمة في هذه الحركة ، وقيل ان لهذه الحركة علاقة بجهة أجنبية . ذكر السيد عبد الرزاق الحسني نقلاً عن حكمت سليمان : " ان السفير البريطاني في بغداد اتصل به وأخبره بالمقابلة التي تمت بين محسن ابو طبيخ ومستشار وزارة الداخلية أدموندس ، وقد أظهر ابو طبيخ استعداده لاثارة القبائل ضد الوزارة ، ثم اتصل السفير مرة اخرى برئيس الوزارة وأخبره بنوايا ابي طبيخ وجماعته وقرارهم بالقيام بالثورة المسلحة ، بعد ان قامت السفارة بتزويد العشائر بالاسلحة " ، ويشير طه الهاشمي في مذكراته الى علاقة محسن ابو طبيخ بالمستشار ادموندس وعزمه على الثورة . ومع ذلك لا يمكن تأكيد صحة ما سبق لعدم توفر وثائق او أدلة ثبوتية كافية .

وبالرغم من ان هناك ما يدل على ان ، حكمت سليمان ، وبكر صدقي ، كانا يخططان لأضعاف سلطة رؤساء العشائر ، التي كانت مصدراً لمشاكل عديدة للحكومات السابقة ، ففي اجتماع مع السفير البريطاني في حزيران 1937 ، قال ، حكمت ، بأن من الممكن تفويض سلطة ، رؤساء العشائر، عن طريق ، تجزئة الاراضي الشاسعة التي استمدوا سلطتهم منها وتوزيعها على ابناء العشائر ، الا ان ذلك لا يبيح له استعمال ، القسوة ، في التعامل مع الانتفاضات العشائرية ، ، بدلاً من محاولة فهم جذور التذمر والمبادرة لإنقاذ الفلاحين من ظروفهم البائسة ، وتخليصهم من استغلال الشيوخ وأصحاب الاراضي .

ان استخدام ، القوات المسلحة ، لكبح العشائر من قبل ، ياسين الهاشمي ، ثم من ، حكمت سليمان ، من بعده ، بدلاً من الاستقالة ، كما فعل ، علي جودت الايوبي ، وجميل المدفعي ، من قبلهما ، قد ادخل بعدا ً جديداً في المنظومة السياسية المتشرذمة أصلاً ، ووضع الجيش ، وبكر صدقي ، نفسه في السلّم الأول للوزارة ، الامر الذي عارضه الوزراء الاصلاحيون ، فكان ذلك عاملاً آخر مهد لهم تقديم استقالتهم من الوزارة في 19 حزيران 1937 . والوزراء المستقيلون هم : محمد جعفر ابو التمن وزير المالية وكامل الجادرجي وزير الاقتصاد ويوسف عز الدين ابراهيم وزير المعارف وصالح جبر وزير العدلية . وفي مقابلة أجراها مؤلف تاريخ الوزارات العراقية عبد الرزاق الحسني مع حكمت سليمان وأوردها في الجزء الرابع من كتابه الصفحة ( 318 ) قال الحسني ما نصه : " أقسم لنا رئيس الوزراء حكمت سليمان بأغلظ الايمان وبالطلاق ، بأن كلاً من وزير المالية الحاج محمد جعفر ابو التمن ووزير المواصلات السيد كامل الجادرجي كانا يلحان عليه بوجوب استعمال القسوة والشدة ضد الحاج عبد الواحد سكر وصحبه بعد ان ثبتت خيانتهم لقضية البلاد الوطنية ، فلما قامت الوزارة ببعض ما يفرضه القانون ، انقلبا عليها ، وقد أكد لنا متصرف لواء الديوانية ماجد مصطفى ما قاله لنا رئيس الوزراء " .

وهكذا يبدو انه ، لم يكن امام ، الوزراء الاصلاحيين ، بعد ان دفعوا الى (( الكواليس )) الخلفية الا ، الاستقالة الجماعية ، واحداث ضجة ترافق ذلك ، حرصاً على صيانة كرامتهم الشخصية وسمعتهم السياسية ، وبذلك انتهت مرحلة مهمة في الحياة السياسية لجماعة الاهالي وفي الحياة السياسية للبلاد ، بالقضاء على جماعة الاهالي ، كقوة سياسية فعالة ، في ذلك الوقت ، في اقل تقدير ، على غير ما كان مؤملا ً ولكن حسبما كان متوقعا ً . كان حكمت سليمان على علم بان هناك استياء من الوضع العام للبلد وسياسة الوزارة في ظل هيمنة بكر صدقي واحتوائه لرئيس الوزراء ، ولاسيما بالنسبة لكامل الجادرجي ، الذي سبق له وان قدم استقالته الاولى من الوزارة ، في ربيع عام 1937 وقدم استقالته ثانية في 26 ايار 1937 ، الا ان استقالة الوزراء الاربعة وبخاصة جعفر ابي التمن كانت ضربة قوية له ، ولذلك وصف الجادرجي وقعها على حكمت سليمان كوقع " الصاعقة " …

لقد كانت استقالة الوزراء الاربعة من الوزارة مفاجأةً وصفعة شديدة ، لحكمت سليمان ، خاصة وان موعد هذه الاستقالة ، تزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي والوفد المرافق له الى العراق .

لم يبال ، رئيس الوزراء ، كثيراً لخسارة الوزراء الثلاثة الآخرين ، لكنه اراد الحفاظ على وزير المالية ، جعفر ابو التمن ، (حاول بكر صدقي اقناع جعفر ابو التمن للعدول عن استقالته ، لكن ابا التمن رفض ذلك قائلاً : " اني أرفض ان احمل الطبل بينما انت الطبال " ) لما له من حجم ومنزلة شعبية متميزة في المجتمع ، لذلك بذل جهوداً لرأب الصدع الا ان هذا كان مستحيلاً لسببين ، اولاً ، ان ، جعفر ابو التمن ، وجماعته ، وزعوا نسخاً من استقالتهم في بغداد ومناطق الفرات الاوسط وفي المدن المقدسة ، ويبدو أنهم أرادوا من عملهم هذا ، إرباك رئيس الوزراء ، ونشر روح السخط ضد الحكومة ، كما اتهموه (( بقسوة لا مبرر لها في معالجة الاضطرابات في مناطق العصيان )) ، وقالوا بأنهم ما عادوا قادرين بعد ذلك على الاقتران (( بمثل ذلك الطغيان )) . وثانيا ً : اكتشفت الحكومة بأن ، جعفر ابو التمن ، وكامل الجادرجي ، كانا قد حاولا تنظيم إضراب ٍ عام في بغداد في اليوم التالي لاستقالتهما .

عن رسالة ( حكمت سليمان ودوره في السياسة العراقية )