75 عاما على رحيله .. شهادات عن رائد المقام رشيد القندرجي

75 عاما على رحيله .. شهادات عن رائد المقام رشيد القندرجي

اعداد: ذاكرة عراقية
في مثل هذه الايام فقد العراق احد رواد موسيقاه العريقة ، المقام العراقي ، ليترك للاجيال التالية طريقته التي اصبحت مدرسة رئيسة من مدارس الاداء للمقام العراقي ، ففي الثامن من اذار من عام 1945 توفي ببغداد الفنان رشيد القندرجي ، من مشاهير قراء المقام العراقي وفق الطريقة البغدادية ، وقد اصبحت طريقته ازاء طريقة الفنان الكبير محمد القبانجي من ابرز معالم الفن الموسيقي العراقي في الجيل الماضي.

يقول الباحث الموسيقي الاستاذ حيدر شاكر الحيدر ان مدرسة القندرجي هي امتداد لمدرسة أحمد الزيدان. مشيراً الى انه يعد مدرسة كلاسيكية امام مدرسة القبانجي الذي جدد في المقام من خلال طرق الاداء ووضوح المفردة الكلامية واختيارها، لذا نجد قراء المقام الكلاسيكيين يؤكدون على الصوت بغض النظر عن فهم معاني الكلام.: القندرجي كان يصر على اسلوب الطريقة القديمة التي من ابرز سماتها صعوبة معرفة القصيدة او الزهيري او فهم مضامينها. موضحاً بانها مدرسة تهتم بالقدرة الصوتية للمطرب وهو يؤدي المقامات بطبقات صوتية حارة على حساب ادغام الكلمة.
واشار قارئ المقام خالد السامرائي الى اهم اسرار تميز صوت القندرجي حيث إنه تعرض لحادث تمزق في الاوتار الصوتية مما افقدهُ القرارات وكان هذا سبباً لاستخدامه اسلوب الزير في المقام و بذلك اشتهر القندرجي بالاجوبة فكان غناؤه بأسلوب جواب الجواب ، كما أدى المقام الرئيسي والفرعي ونافس في ذلك القبانجي . أن القندرجي تتلمذ على يد اليهود وسبق القبانجي في الغناء وكان اكثر عازفي المقام العاملين معه من اليهود ، كما ادى القندرجي المقام الابراهيمي وتنافس في هذاالمقام مع القبانجي وبالرغم من أن لكل منهما اسلوبه في اداء المقام الإبراهيمي إلا ان هذا التنافس ولّد خلافاً بينهم .
و أوضح الباحث في الموسيقى الاستاذ محمد لقمان أن القندرجي عاصر الكثير من المطربين امثال نجم الشيخلي والقبانجي و امتد غناؤه الى الاربعينيات ، و اعتبر من الطبقة الراقية التي اشتهرت بقراءة المقام العراقي ، و جعل أسلوبة المميز في قراءة المقام مدرسة جديدة في هذا المجال وتميز بطبقات الصوت العليا ، كما تأثر به عدد من الشخصيات من تلامذتهِ امثال (عبد القادر حسون ، اسماعيل عبادة ، مكي الحاج صالح ،و سيد محمد البياتي ) . إن القندرجي كان مولعاً بجلسات المقام العراقي حيث إنه كان يحضرها منذ طفولتهِ جالساً تحت ما يسمى بـ(التخت) ليستمع لمطربي المقام العراقي .
وبيّن الكاتب كمال لطيف سالم ان القندرجي تتجسد فيه الشخصية البغدادية بكل ابعادها فهو المولود بمنطقة العوينة ببغداد وقد تشربت اسماعه بتراتيل منطقة باب الشيخ حيث مرقد الكيلاني الذي كان ينشد فيه خيرة قراء الاذكار، اضافة الى المقاهي التي تقام فيها حفلات الجالغي. مشيراً الى انه كان كثير الاستماع الى قارئ المقام احمد الزيدان الذي يقرأ على الطريقة الزيدانية في مقهى القيصرية.: ذات مرة تخلف الزيدان عن المجيء فحل مكانة القندرجي وادى كما ينبغي فأبهر السامعين، وحين دخل الزيدان واستمع اليه اعجب به كثيراً وقال بالحرف الواحد انت خليفتي. ومنذ ذلك الحين اخذ القندرجي يقرأ المقام وكانت الفرقة الموسيقية المصاحبة له اكثر أعضائها من اليهود وكانوا من خيرة العازفين في ذلك الوقت. لافتاً الى انه قرأ المقامات الرئيسة الرست والمنصوري والبيات لكنه اجاد في مقام الابراهيمي المكون من ثلاث وعشرين شعبة أي انتقالة نغمية، ويعد القندرجي افضل من ادى هذا النوع من المقام. عزف القندرجي عن الزواج لسببين: حبه للمقام وحبه لوالدته وخوفه عليها من زوجة قد تؤذيها. مبيناً ان نوري السعيد كان يحب الاستماع اليه، ومرة اتصل بالاذاعة في وقت كان رشيد يؤدي فيه المقام لوصلة تستغرق عشر دقائق طالباً استمراره لوقت اضافي، فاستمر لخمس دقائق أخرى، وتم اعطاؤه خمسة دنانير مكافأة له مقابل هذا الوقت الإضافي!
و وصفه عازف (الجوزة) و قائد فرقة أنغام الرافدين الاستاذ طه غريب بأنه رمز للوفاء ، فبعد أن كان وفياً لفنه وكرس حياته له كان وفياً أيضاً لحياته الخاصة حيث توفي القندرجي بعد اسبوع واحد من وفاة والدته ، وقد تألق في بدايات القرن العشرين وتميز صوته بشيء من الحسرجة ، كما كان القندرجي مقرباً من الطبقة الحاكمة حيث اعتبروه علماً من أعلام المقام العراقي وقد قرأ المقام بطريقة مستعارة تعرف بالزير ، وقد اعتبرهُ الباحثون رائداً في هذا المجال.