تظاهرات تشرين تدخل شهرها السادس : تحطيم القيود وتغيير المعادلات السياسية

تظاهرات تشرين تدخل شهرها السادس : تحطيم القيود وتغيير المعادلات السياسية

 متابعة الاحتجاج
الثورة العراقية، كما يحلو لمتظاهري كربلاء والناصرية والبصرة تسميتها، أو انتفاضة تشرين، كما أطلق عليها محتجو المثنى وميسان والنجف، أو "ثورة الوعي"، كما يُسميها اليوم المعتصمون في ساحة التحرير في بغداد ،

يسرد ناشطون ومراقبون عراقيون سلسلةً طويلة من النتائج التي حصدتها، بالتزامن مع دخولها شهرها السادس. وتتوزع هذه النتائج في سياقات عدّة، سياسية واجتماعية، وحتى اقتصادية، على الرغم من الغصّة التي يحملها سكان ميادين التظاهر بسبب فقدانهم زملاء لهم خسروا حياتهم خلال الأشهر الماضية، لا سيما من خلال القمع والاغتيال، وهي حصيلةٌ تُواصل السلطات العراقية حجبها، باستثناء ما يجري تسريبه بين الفينة والأخرى.


وتشير آخر التسريبات في هذا الإطار إلى أن عدد ضحايا تظاهرات العراق قارب الـ650 ضحية، أصغرهم فتى في الثانية عشرة من عمره توفي بمدينة الناصرية، وأكبرهم شيخ سبعيني سقط في كربلاء. وللنساء نصيبٌ في ذلك، كما هي العادة في كل القضايا العراقية المصيرية، إذ تشير سجلات وزارة الصحة إلى أن من بين القتلى نحو 10 سيدات، بينهن مسعفات وطالبات جامعيات وناشطات. وآخر هؤلاء الضحايا متظاهرةٌ سقطت في البصرة، أطلق عليها اسم "راهبة البصرة"، بعدما اشتهرت بتقديمها الإسعافات الأولية للمتظاهرين وإعداد الطعام للمعتصمين، وتمّ تشييعها في موكب مهيب من خيمتها وسط ساحة البحرية في المدينة إلى مثواها الأخير في وادي السلام بمدينة النجف.
في بغداد، يرى الناشط علي غالب، أن التظاهرات العراقية أفرزت مشهداً جديداً داخل المجتمع والعملية السياسية، مبيناً أنها "أعادت ثقة الشعب العراقي بنفسه وقدرته على التغيير، بعدما ظلّ الشارع مُسّيراً منذ الغزو الأميركي، لكنه اليوم فاعل أو طرف جديد في المعادلة السياسية، والدليل ارتباك القوى السياسية اليوم وهلعها من الانتخابات المقبلة". أما مستقبلاً، فيعتبر غالب أن "نجاح الشعب في إدارة التظاهرات الحالية، يعني بالضرورة نجاحه في إدارة أخرى أكبر". ومقارناً إنجازات الحراك بنشاطات سياسية حصلت في السابق، يرى الناشط العراقي أن "التظاهرات تمكنت من تحقيق ما عجزت عنه هيئة المصالحة الوطنية ومؤتمرات وورش وندوات ما يعرف بالمصالحة، والتي استهلكت مئات الملايين من الدولارات منذ عام 2006".
وحول عمر التظاهرات، يؤكد عباس جمعة الوائلي، الناشط في الناصرية عاصمة محافظة ذي قار جنوبي البلاد، وهي الأنشط في خريطة التظاهرات العراقية، أن هناك رغبة لدى جزء كبير من المتظاهرين باستمرار التظاهر، حتى لو جرى تنفيذ كل مطالبهم، ذلك لأن الحراك "جرف الكثير من رواسب الاحتلال الأميركي".
ويختم الوائلي، الذي يحرص على عرض صور موجودة في هاتفه كان التقطها في أول أيام التظاهر حين أصيب برصاصة في الكتف، بقوله إن "العراق قبل التظاهرات ليس كما بعده"، لافتاً إلى أنه لم يتوقع يوماً اهتمام الشارع العربي بأحداث بلده، خصوصاً ما يجري في المحافظات الجنوبية، لكن "تفاعل المواطنين العرب وتعاطفهم مع ضحايانا وتشجعيهم لنا عبر مواقع التواصل، أثبت قربنا من بعضنا بعضا، بعكس الصورة التي تكونت لدى أغلبنا عبر الإعلام الحزبي الطائفي في العراق".
ويسرد ناشطون ومراقبون عراقيون لائحةً طويلة من العوائد الإيجابية للتظاهرات منذ انطلاقها، لعل أبرزها ارتفاع أسهم الهوية الوطنية وتراجع ما يطلق عليه العراقيون وصف "دكاكين الطوائف"، والخطاب القائم على التخندق المذهبي والمناطقي، والذي عادة ما يكون مشحوناً بعبارات الكراهية والعنصرية والتمييز. ومن المعروف، على سبيل المثال، أن المرابطين في ساحة التحرير في بغداد، صار عدد أيام مبيتهم في الساحة التي يتهددها القمع الحكومي أو هجمات الجماعات المسلحة الرافضة للتظاهرات، معياراً لدرجة الولاء للوطن، ولا شيء عداه. ومن أهم الإنجازات أيضاً، بحسب ناشطين ومراقبين، إسقاط ما يمكن اعتباره رمزية زعامات سياسية، وحتى دينية، مع رفع شعار "لا مقدس إلا الوطن". وتراجعت هالة الكثير من الزعامات السياسية، واضمحلت مكانة قيادات أخرى، فضلاً عن زعامات دينية ومليشياوية عدة. وترجمت هذه الظاهرة بإحراق 178 مقراً ومكتباً وممثلية لأحزاب وحركات سياسية وفصائل مسلحة في وسط وجنوبي العراق، بحسب بيانات وزارتي الداخلية وقيادة العمليات العراقية المشتركة.
ومن نتائج التظاهرات ، مع دخولها شهرها السادس، عدا عن إسقاط حكومة عبد المهدي أو رضوخ البرلمان لسنّ قوانين جديدة للانتخابات ومفوضية الانتخابات وتعديل الدستور، هي كسر معادلة عراقية ترسخت منذ عام 2011، وهي أنه لا تظاهرة تخرج من دون دعم سياسي من أحد أطراف اللعبة ، فالتظاهرات الحالية انطلقت بعفوية، أبطالها مجموعة شبان أطلقوا دعوات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ليجدوا أن من كان ينتظرهم في المنطقة المحصورة بين ساحتي الطيران والتحرير وسط بغداد أكثر بأضعاف مما توقعوا، مستجيبين لدعوة التظاهر في الأول من أكتوبر الماضي. وأدى قمع السلطات لهؤلاء الناشطين لاحقاً إلى اتساع رقعة المشاركين في التظاهرات، لتنتقل في ساعات قليلة ومنذ اليوم الأول، عبر الأثير إلى كربلاء والنجف وذي قار والبصرة وباقي مدن الجنوب. هذه المعطيات تجعل الشارع العراقي اليوم في موقف المسيطر أو اللاعب الفاعل، إذ إنه حتى وإن طويت صفحة الحراك، بات سهلاً خروج العراقيين ذاتهم في أي وقت، حيث يعود لهم وحدهم تحديد المكان والزمان، فيما تقف الأحزاب والقوى السياسية في موقع الدفاع أو تبرير الأخطاء، كما هي الحال منذ انطلاق التظاهرات.