ناشطات التحرير .. عراقيات كسرن حاجز الخوف

ناشطات التحرير .. عراقيات كسرن حاجز الخوف

 متابعة الاحتجاج
"كنا نخاف الاختلاط، لكن كل ذلك تغير بعد الأول من أكتوبر" تقول الناشطة العراقية فاطمة سليمان التي دأبت على الحضور لساحة التحرير وسط بغداد مركز التظاهرات المناهضة للطبقة السياسية في البلاد.

وتضيف فاطمة (20 عاماً) "لقد نضجنا كثيراً بعد الاحتجاجات، كنا مثل المكفوفات ونحسب ألف حساب لنظرة المجتمع، لكن اليوم نحن (الفتيات) ظهرنا متحديات لا نهتم لنظرة المجتمع، لأن الجميع نزلوا للتحرير، وباتوا يتقبلون فكرة الاختلاط الذي أضاف الكثير لشخصيتنا ولوعينا".
وأحدثت مشاركة النساء إلى جانب الرجال في الاحتجاجات في بغداد وجنوبي البلاد، الذي تحكمه تقاليد عشائرية، صدمة بين العراقيين الذين لم يكن من الممكن أن يتصوروا ذلك قبل احتجاجات أكتوبر.
وبات مألوفاً جداً أن تلاحظ حلقات نقاش مشتركة بين فتيات وشبان داخل خيم المعتصمين في ساحات التظاهر، فيما تقوم فتيات بتقديم الإسعافات للجرحى.
وفي المحافظات الجنوبية ذات الطبيعة العشائرية كالناصرية مثلاً تتقدم شابات جموع المحتجين وهن يرددن أشعاراً حماسية تدعو لاستمرار زخم الاحتجاجات، في مشهد غير مسبوق منذ عقود في البلاد.
وكحال باقي الفتيات العراقيات، لم يقتصر دور فاطمة على المشاركة في الاحتجاجات فقط، بل ساهمت أيضاً في توفير الدعم اللوجستي للمحتجين الذين يطالبون بإسقاط النظام وإجراء انتخابات مبكرة وإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد.
وكذلك ساعدت فاطمة في عمليات إسعاف الشبان الذين كانوا يتساقطون برصاص قوات الأمن أو بقنابل الغاز المسيلة للدموع من خلال حمل علب الخميرة والمشروبات الغازية وتوزيع الكمامات على المحتجين الذين كانوا يتساقطون أمامها.
تشير فاطمة إلى أن "الاحتجاجات كسرت حاجز الخوف لدينا كفتيات، وأحسسنا أن الجميع في ساحات التظاهر إخواننا ويساندوننا".
وبالإضافة لتغيير نظرة المجتمع تجاه النساء، ترى فاطمة أن "الثورة ساهمت أيضاً في كسر الكثير من القيود داخل المجتمع العراقي وعززت من دور الشباب وجعلتهم أكثر وعياً ولا يسيرون خلف رجال الدين كالقطيع".
وتعرضت العديد من الفتيات والناشطات في ساحات التظاهر إلى حملات تسقيط وعمليات تهديد وخطف نفذتها جهات مجهولة يعتقد ناشطون أنها تابعة لميليشيات متشدّدة موالية لإيران.
لكن على الرغم من ذلك، استمرت النساء وبينهن مئات الطالبات في التوافد على ساحات الاحتجاج كل أسبوع وهن يرفعن شعارات تدافع عن دور المرأة وتدعو للاستمرار بالاحتجاجات.
وغالباً ما يشكل الشبان سلسلة بشرية لحماية النساء من الجهتين، خوفاً من الاعتداءات التي قد يتعرضن لها من قبل الجماعات المتشددة، ومنها على سبيل المثال "ميليشيا سرايا السلام" التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله.
وكغيرها من الفتيات تؤكد الناشطة فاطمة سليمان أنها لم تتعرض في يوم من الأيام لأي تحرش من قبل المحتجين، "بالعكس هم من كانوا يحموننا كأننا أفراد عائلة واحدة".
وتضيف أن "حملات التسقيط أثرت على الكثير من الفتيات، نتيجة خوف عائلاتهن عليهن من عمليات التهديد أو الخطف، لكن هذا أيضاً لم يمنعهن من الحضور لساحات الاحتجاجات، وتمكنّ من إقناع عائلاتهن بأهمية الحضور لدعم وإدامة زخم الاحتجاج".
وتتابع "لقد أصبح لدينا إدمان على الذهاب لساحة التحرير، فعندما تدخل فيها للمرة الأولى وترى الأجواء هناك، يصبح من الصعب جداً المغادرة".
ولم يقتصر التغيير الذي أحدثته الاحتجاجات في المجتمع العراقي على النظرة تجاه النساء، بل تعداه أيضا إلى الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه بعد ذلك.
وتقول الناشطة رؤى خلف (33 عاماً) إن هذه "الانتفاضة كسرت الفكرة السائدة عن المرأة العراقية وإنها بعيدة عن العمل السياسي".
وتضيف رؤى، التي شاركت في الاحتجاجات في ساحة التحرير وسط بغداد منذ انطلاقها في أكتوبر الماضي، أن "الجميع أدرك اليوم أن المرأة شريكة أساسية في المجتمع، وأنا متأكدة أن الاحتجاجات ستفرز نساء سياسيات محنكات سيكون لهن دور مهم في بناء العراق في المستقبل".
تعرضت رؤى خلال مشاركتها في الاحتجاجات لضغوطات وتهديدات نتيجة عملها المتمثل بجمع التبرعات والدعم اللوجستي للمتظاهرين، كما تسبب سقوط قنبلة غاز بالقرب منها أثناء تواجدها في ساحة التحرير إلى إلحاق جروح بوجهها.
لم تثنها التهديدات بالخطف عن التواجد دائماً في ساحة التحرير، لكنها بدأت تخفي وجهها من خلال وضع كمامة، ومرة أخرى تلبس وشاحاً على رأسها، كما أنها باتت تغير مكان سكنها بين فترة وأخرى.
وتقول رؤى لموقع الحرة "رغم الرصاص الحي والغاز المسيل لدموع ورغم كل الانتهاكات، لكن ساحة التحرير هي البقعة الأكثر أماناً بالنسبة لي، فخارج هذا المكان هناك ملاحقات وخطف واغتيالات".
وتشير إلى أن الاحتجاجات غيرت الكثير في حياة النساء العراقيات "فالشارع اليوم يتحدث عن العدالة الاجتماعية، ونحن جميعنا نشعر بمسؤولية كبيرة أمام الوطن". وتتابع "الوطن مسؤوليتي، نحن من نصلحه وليست التغريدات من تصلحه".
وتأثرت النساء العراقيات بالعنف الذي ساد في البلاد بعد عام 2003، حيث زادت حالات العنف الأسري وممارسة الدعارة وقفزت معدلات الأمية وترملت آلاف النساء أو تركن في مهب الريح.
وينتقد كثير من النساء الزعماء السياسيين الذي تولوا مقاليد السلطة في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين وكذلك تنامي الاتجاهات المحافظة اجتماعياً التي قضت على دورهن في الحياة العامة.
واحتل العراق، الذي كان يوماً ما في صدارة الدول التي تحترم حقوق النساء في المنطقة، مراكز متأخرة في استطلاعات الرأي بقضايا التمييز بين الجنسين، والعنف ضد النساء والحقوق الانجابية ومعاملة النساء داخل الأسرة واندماجهن في المجتمع والمواقف من دور النساء في السياسة والاقتصاد.
وتقول الناشطة والصحفية فاطمة الدليمي (24 عاماً) إن "مطالب النساء العراقيات اللواتي خرجن في تظاهرات أكتوبر هي ذاتها التي خرج بها باقي العراقيين والمتمثلة بالعيش بكرامة ومحاربة الفساد والقضاء على الفساد وإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة".
وتضيف الدليمي، التي شاركت في الاحتجاجات في كربلاء وبغداد، "لكن بشكل خاص نحن كنساء نريد أيضاً أن نعيش في بلد لا يميز أو يهمش النساء، نحن لا نمثل نصف المجتمع وحسب، وإنما المجتمع بأكمله، ولنا الحق أن ندرس ونعمل".
وتتابع الدليمي "كنساء في العراق لدينا أيضا الحق في أن نعيش".
وتقول الصحفية والناشطة إسراء خالد إن "النساء أثبتن خلال الاحتجاجات الأخيرة أنهن بمستوى المسؤولية ويتمتعن بإرادة قوية غير قابلة للكسر كما يظن البعض".
وتضيف "نحن جيل لا يمكن أن يهزم لأننا ولدنا من رحم المعاناة وسنكمل الطريق حتى النهاية".